"قانون حقوق الطفل" بالأردن.. بين ضرورات الحماية ومخاوف تغيير الدين والجنس

أطفال في إحدى القرى الأردنية (الجزيرة- أرشيف)

عمّان– لا يزال مشروع قانون حقوق الطفل بالأردن يثير الجدل بين مؤيديه ومعارضيه، وذلك بعدما تقدمت الحكومة الأردنية لأول مرة بمشروع القانون لمجلس النواب، بعد مطالبات مستمرة منذ عام 2006 من مؤسسات رسمية تعنى بحقوق الطفولة والأسرة، ومؤسسات المجتمع المدني، ومنظمات دولية.

لكن اللافت للانتباه -وفق نواب- أن السلطات دفعت بذلك القانون لمجلس النواب في دورة استثنائية، عقدت لمناقشة حزمة من التشريعات أغلبها اقتصادية، مما يفتح الباب واسعا للتكهن بأسباب الدفع بذلك القانون "المهم" -برأي خبراء- في هذه الدورة، ولماذا لم تنتظر الحكومة بدء الدورة العادية ليأخذ حقه بالنقاش المستفيض، حسب نواب.

وعلى مدى الأيام الماضية، انشغل رواد منصات وسائل التواصل الاجتماعي بمشروع القانون المعروض على مجلس النواب، وحالة الجدل التي دارت في مجلس النواب في قراءته الأولى بين مدافع عن القانون، ورافض له، وتفاعل رواد المنصات مع وسم #قانون_حقوق_الطفل.

الصعوبات المعيشية وأزمة كورونا زادت من عمالة الأطفال في الأردن (الجزيرة)

الاجتماع الدوري

يرى خبراء ومختصون أن الحكومة -بتقديمها القانون بهذه الدورة- استبقت الاجتماع الدوري للجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة المقرر عقده سبتمبر/أيلول المقبل، لمناقشة وبحث ما قامت به السلطات الأردنية لترجمة نصوص "اتفاقية حقوق الطفل" المُوقّع عليها عام 1991.

وحسب المختصين، فإن اتفاقية حقوق الطفل تنص على مراجعة دورية كل 5 أعوام لما فعلته الدول في ترجمة نصوصها لتتجسد على أرض الواقع، وتتم عملية المراجعة مع لجنة حقوق الطفل المنبثقة عن الأمم المتحدة، بهدف إعمال نصوص الاتفاقية وترجمتها لتشريعات وأنظمة وآليات ورصد موازنات ومخصصات مالية، ووضع رقابة وعقوبة على مخالفي بنودها، ومنتهكي حقوق الطفل، وذلك من أجل أن يتمتع الطفل بالحقوق التي نصت عليها.

وكان الأردن وافق على اتفاقية حقوق الطفل عام 1991، وتم عرضها على مجلس الأمة والموافقة عليها بموجب القانون رقم 50 لعام 2006، ومرت بمراحلها الدستورية كاملة، مع تحفظ الأردن على 3 مواد متعلقة بتغيير الجنس وحرية الدين والتبني وغيرها، وفق تصريحات رسمية.

إيجابي وحمائي

من جهة، يبرز المؤيدون للقانون حزمة من المواد التي يصفونها بـ"الإيجابية والحمائية للطفل"، ومن أهمها:

حق الطفل في الرعاية الصحية المجانية لمن دون 18 عاما؛ وتقديم المعالجة بأقسام الطوارئ على أساس مجاني في المستشفيات الحكومية والخاصة؛ الحق في إقامة الملاعب والحدائق والمتنزهات، والتمتع ببيئة مرورية آمنة؛ الحق في إيجاد مراكز رعاية متخصصة للأطفال المدمنين، وهي غير متوفرة بالأردن، على حد قولهم؛ وحق حصول الطفل على المساعدة القانونية للتقاضي؛ إضافة إلى أن القانون يحمّل الدولة مسؤوليات تجاه رعاية وحماية الطفل، ويحمي الأسرة الأردنية ويعزز تماسكها.

وفي السياق، ترى أستاذة علم النفس والطفولة الدكتورة رلى الحروب -في حديثها للجزيرة نت- أن القانون يشكل "خطوة متقدمة على طريق منح الطفل حقوقه وحرياته، ويحتاج لتعديل ليكفل حقوقا تم إغفالها؛ أهمها حق الطفل بالجنسية ومحاربة التمييز"، متهمة رافضي القانون بأنهم "يرفضون فكرة وجود قانون لحماية حقوق الطفل".

أطفال في إحدى القرى الأردنية (الجزيرة)

حرية الدين والجنس

في المقابل، يخشى معارضو القانون من تمريره بما يسمح مستقبلا بـ"منح حق حرية الفكر والدين والجنس والتبني للطفل بالأردن"، خاصة أنهم يعتقدون -في أحاديثهم للجزيرة نت- أن القانون "مستورد غربي يسعى لتدمير الأسرة والطفل"، وذلك من خلال "نقل رعاية الطفل ومسؤولياته من العائلة والأبوين للدولة"، وبالتالي تدمير دور الأسرة في التربية والعناية والتنشئة الدينية والاجتماعية، وتعظيم دور الفرد مما يفسخ ويدمر المجتمعات، على حد وصفهم.

ولا يرى النائب الأردني الإسلامي ينال الفريحات -في حديثه للجزيرة نت- أن الاتفاقيات الدولية "تراعي خصوصيات المجتمعات العربية والإسلامية". وبخصوص التحفظات الرسمية على بنود في اتفاقية حقوق الطفل الدولية، يرى أنها "مؤقتة" أي أن "أي مجلس وزراء يستطيع مستقبلا الموافقة على تلك التحفظات المتعلقة بتغيير جنس الطفل ودينه وغيرها، ومن دون الرجوع لمجلس الأمة".

وأخطر ما في القانون -وفق الفريحات- أن نصوصه فضفاضة وتحتمل كثيرا من التأويلات والتفسيرات في حال لجوء القضاء لتطبيقه مستقبلا، وأنه يأتي ضمن حلقات الاستهداف الدولي للأسرة والمرأة والطفل ومنظومة القيم داخل المجتمع الأردني، بدءا من اتفاقية سيداو وحقوق المرأة والجندر وحقوق الطفل وغيرها، وأنه جزء من الاستحقاقات التي تتم مساومة الحكومة الأردنية عليها بالمنح والمساعدات المقدمة للمملكة، عبر إقرار تلك الاتفاقيات والموافقة عليها.

كما يرى المعارضون للقانون أن المواد 7 و8 و24 أخطر ما في القانون، خاصة أنها تمنح الطفل الحق في التعبير عن آرائه، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو أي وسيلة يختارها، والحق في احترام حياته الخاصة، وحظر تعريضه لأي تدخل تعسفي أو إجراء غير قانوني في حياته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته من دون رقابة من الأسرة، والسماح للطفل بالاتصال مع مقدمي خدمات المساعدة القانونية من دون أي قيد، وفق المعارضين.

انتهاك للحقوق

وبين المؤيدين والمعارضين لمشروع القانون، يرى قضاة ومحامون أن الدستور الأردني كفل جميع الحقوق والحريات العامة التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية، ومنها حرية الطفل وحقوقه.

ورغم أهمية إيجاد قانون لحماية وحقوق الطفل، فإن مشروع القانون المعروض على مجلس الأمة بصيغته الحالية عبارة عن نصوص عامة وفضفاضة، ولم يأت بأي أحكام جديدة خاصة، ولا يفرض أي حقوق إضافية للطفل، على حد قولهم.

ويذهب القاضي السابق وليد عبيدات -في حديثه للجزيرة نت- إلى أبعد من ذلك؛ إذ يرى أن المشرع الدستوري بالأردن توسع بالتشريعات، حتى باتت غالبية القوانين -التي يجري وضعها لتنظيم حالة الحقوق والحريات العامة- يُعتدى من خلالها على جوهر هذه الحقوق والحريات، سواء للشخص الكبير أو الطفل، ومصادرة حقوقهم وحرياتهم.

وأشار إلى وجود "أنظمة تنفيذية" يوكل إصدارها للحكومة والوزراء تتجاوز القانون وتتغول عليه، ولا يمكن للمواطن العادي "الاعتراض والطعن" في تلك القوانين والأنظمة أمام المحكمة الدستورية، لأنها "مغلقة وآليات الطعن في القوانين محددة لجهات معينة".

وأمام تلك النقاشات والحوارات، ينتظر الجميع بدء اللجان النيابية في مجلس النواب الأردني بمناقشة مشروع القانون، ودعوة المختصين لسماع آرائهم، في حين ترجح مصادر نيابية أن يبقى القانون في أدراج اللجان النيابية للدورة القادمة، وربما للمجلس النيابي القادم بعد 3 سنوات.

المصدر : الجزيرة