سوريا.. من يلاحق قتلة أبناء "خنساء موحسن"؟

الجدة واحفادها - عائلة المشعان - لقاء مع الشقيقين قتيبة وياسمين محمد صالح المشعان ، وهما من أسرة فقدت خمسة أشقاء ،تعرفوا على أحد أشقائهم في صور قيصر ، ومنذ أيام توفي الأب في مغتربه ، وكلاهما الآن ناشطان في مجال حقوق الإنسان وعضوان في رابطة عائلات قيصر .
الجدة "خنساء موحسن" وأحفادها (الجزيرة)

تعد مأساة أسرة علي صالح المشعان واحدة من مآس كثيرة منسية حيث قتل 5 من أبناء تلك الأسرة وأطلق على أمهم لقب "خنساء موحسن" نسبة إلى مدينة "موحسن" التي تسكنها والواقعة شرق محافظة دير الزور في سوريا.

تروي ياسمين المشعان ـالبنت الوحيدة للأسرة- والمقيمة في مدينة لايبزغ الألمانية للجزيرة نت قصة استشهاد أشقائها الخمسة فتقول "شارك والدي رحمه الله وأشقائي الـ 6 في الحراك الثوري السلمي في مدينة دير الزور، وكان يوزع الماء على المتظاهرين في كل جمعة".

وخلال زيارة وفد مندوبي الجامعة العربية لدير الزور في يناير/كانون الثاني 2012 -والحديث لياسمين- تم قنص أخي زهير 19 عاما على يد قوات الأمن، خلال مشاركته في مظاهرة سلمية في المدينة، ورفض والدي التوقيع على ورقة مقدمة من أجهزة أمن النظام بأن "العصابات المسلحة" -حسب رواية النظام- هي التي قنصته.

وتتابع "ولزيادة الضغط على والدي تم اعتقال شقيقي عقبة يوم ٢٩ مارس/آذار 2012 وكان يعمل مراقبا بيطريا، ولم نعرف عنه شيئا حتى رأينا صورته ضمن صور الضحايا التي سرّبها قيصر، وقد ترك خلفه طفلتين، وفي مايو/أيار من العام نفسه اعتقل والدي، وظل معتقلا لمدة 70 يوما مر خلالها على عدة أفرع أمنية في دير الزور وحلب ودمشق ثم حلب مرة ثانية".

وعن استشهاد الإخوة الثلاثة تقول: شقيقي عبيدة (26 سنة) كان يعمل مسعفا، وقد تم قنصه أثناء إسعاف أحد الجرحى في يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2012، وبعده بـ 10 أيام تم قنص شقيقي الآخر تشرين في منزله حين اخترقت رصاصة القناص عبر النافذة جسده ليترك خلفه 8 أطفال و7 بنات وولدا وحيدا.

ومنتصف 2014 أصبح الجزء المحرر من محافظة دير الزور تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وبدأ الفتك بالذين كانوا في الحراك السلمي أو بمن انضوى تحت الجيش الحر، ولم تسلم الأسرة المنكوبة من جرائم التنظيم الذي قتل الابن الأصغر بشار ذبحا منتصف مايو/أيار 2014.

تقول ياسمين إن شقيقها الأصغر كان متزوجا حديثا حين قتله تنظيم الدولة، وبعد وفاته أنجبت زوجته طفلا "لينضم لبقية الأيتام الذين يعولهم والدي، ولم يكتف التنظيم بذلك بل لاحقني أنا وأخي قتيبة كوننا نشطاء سلميين، وخطف ابن شقيقي تشرين "للضغط على الأسرة".

وتتابع "هنا كان لابد من الرحيل، وفي فبراير/شباط 2015 استطاع أخي الكبير قتيبة ومعه ابن أخي تشرين الوصول إلى تركيا، ومن ثم رحلت بقية الأسرة إلى هناك، ولاحقا جئت أنا وأخي قتيبة إلى ألمانيا".

الأب مع أولاده الخمسة - عائلة المشعانلقاء مع الشقيقين قتيبة وياسمين محمد صالح المشعان ، وهما من أسرة فقدت خمسة أشقاء ،تعرفوا على أحد أشقائهم في صور قيصر ، ومنذ أيام توفي الأب في مغتربه ، وكلاهما الآن ناشطان في مجال حقوق الإنسان وعضوان في رابطة عائلات قيصر .
الأب علي صالح المشعان وأبناؤه الـ 5 الذين قتلتهم قوات النظام السوري (الجزيرة)

ملاحقة مجرمي الحرب

وفي حديثه للجزيرة نت يقول قتيبة المشعان الشقيق الكبير وهو الناجي الوحيد المقيم في فرانكفورت "تحملت الأسرة أعباء يصعب وصفها ومازالت كذلك، فوالدي رحمه الله توفي قبل أسبوعين في مدينة أورفا، وترك 11 يتيمًا في عهدة والدتي".

ويضيف "والدي كان معلمًا ملتزما، وله براءتا اختراع إحداها مضخة آلية الحركة، والثانية جهاز تقطير ماء يعمل بالطاقة الشمسية، وكان مهتما بصناعة الوسائل التعليمية، ونتيجة ظروف الهجرة القاسية واضطراري لمغادرة سوريا كان قرار المجيء لألمانيا، فقد أرهق الوضع المادي الوالد، وفي ألمانيا يمكن التحرك قانونيا لملاحقة مجرمي الحرب في سوريا".

وعن مساعيه بهذا الصدد يقول "كانت البداية من برلين حيث تنادينا 7 أشخاص نمثل 7 عوائل مكلومة لتأسيس رابطة عائلات قيصر في ألمانيا والتي باتت اليوم رابطة من تحالف روابط ومنظمات مدنية تعمل على مساحة كبيرة في العالم".

ويضيف "لقينا كثيرا من الدعم والتعاطف مع قصتنا، وقصص كثير من السوريين من قبل الشعوب الأوروبية وحكوماتها، ونعمل معهم من أجل أن يلقى الجناة جزاءهم". وختم حديثه: ولعل البعض يقول إن طريقنا طويل وشاق وربما لا يرقى إلى حجم التضحيات التي قدمها شعبنا، وذلك لإضعاف عزيمتنا، وتقزيم تجربتنا ولكننا مستمرون على خطى الوالد رحمه الله وعلى خطى ثورة شعبنا السلمية.

وحول الطرق القانونية في ملاحقة مجرمي الحرب، قال المحامي ياسر العمر "الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وملاحقة مجرمي الحرب تبدأ أولا أمام القضاء الوطني صاحب الولاية القضائية الأصلية استنادا لأحكام المادة الأولى من نظام المحكمة الجنائية الدولية، وقضاء هذه المحكمة تكميلي إن تحققت العدالة وإلا سيكون قضاء أصيلًا إن لم يتحقق ذلك".

ويتابع "في الحالة السورية لم تتحقق العدالة بسبب بقاء النظام وهيمنته على القضاء، كما أن النظام السوري ليس طرفا في اتفاقية تأسيس هذه المحكمة، واصطدام الإحالة من مجلس الأمن بالفيتو الروسي والصيني، وهذا ما دفع بعضاً من الناشطين الحقوقيين للالتجاء إلى مسار الولاية القضائية العالمية الذي يستمد شرعيته من القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان".

ويشير العمر إلى ملاحقة بعض المجرمين الذين يقيمون على أراضي بعض الدول الأوروبية خصوصا ألمانيا، وصدور أول حكم إدانة في العالم بمواجهة أشخاص النظام السوري من محكمة كوبلنس بولاية راين لاند فالس، والذي جرى فيه توثيق بعض جرائم النظام الدولية بشكل قضائي يمكن الاستناد إليه مستقبلاً في محاكمات المجرمين سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.

المصدر : الجزيرة