اتهامات للسلطة بتعذيب معتقلين سياسيين من حماس

أسماء هريش تقول إن شقيقها أحمد (الواقف يمينا) اشتكى لقاضي المحكمة بأنه تعرض لتعذيب شديد (الجزيرة)

رام الله- بعد 7 أيام من اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية أثناء عودته إلى منزله في منطقة بيتونيا غرب رام الله، التقت أسماء هريش شقيقها أحمد لأول مرة خلال حضوره لجلسة المحكمة التي عقدت له في مدينة أريحا.

"أحمد… أحمد" علا صوتها في أروقة المحكمة إلا أنه لم يلتفت إليها إلا بعد دقائق بسبب حالة التعب وعدم التركيز البادية عليه. لم يكن حال أحمد أفضل داخل القاعة، كما تقول شقيقته، وخلال الجلسة التي لم يسمح لها ولزوجته بالحديث معه، وقد بدا شديد التعب وعلامات التعذيب بادية على يديه.

حاولت هريش، كما قالت للجزيرة نت، التحدث مع أحمد بتحريك شفتيها، فرد عليها رافعا يديه التي بدت عليها آثار التعذيب، وعند اعتراض محاميه نهاية المحكمة على طلب النيابة تمديد اعتقاله 15 يوما، مطالبا بالإفراج عنه نظرا لظروف مرض والده وحمل زوجته، بكى أحمد. سأله القاضي عن سبب بكائه فأخبره أنه تعرض لتعذيب شديد.

ووفقا لما وثقه محضر الجلسة على لسانه "أنا منذ أسبوع في زنازين أريحا حيث كان يتم ربطي من معصم يدي بحبل وكان وجهي مغطى بحيث لم أكن قادرا على رؤية أي شيء وكان يتم تعليقي وضربي بالعصي" وقال إنه تم تعذيبه "بواسطة الطوب والحديد وجرّي إلى الخلف وأساليب تعذيب أخرى".

وفي المحضر علق القاضي "وبمعاينة المحكمة لجسد المتهم تجد أنه يوجد آثار خدش على كل معصميه اليمين واليسار كذلك يوجد خدش على قدمه اليمنى، بسؤال عن هذه الإصابات أفاد أنها من التعذيب الذي تعرض له".

واعتقل أحمد في السابع من يونيو/حزيران الحالي، في نفس اليوم الذي اعتقل شقيقه وأكثر من 14 آخرين كانت أرقامهم مخزنة على هاتف صاحب المنجرة في بيتونيا في رام الله، التي حصل فيها تفجير قبل أيام. وجميع هؤلاء أسرى محررون محسوبون على حركة حماس.

وفي حينه أصدر الناطق باسم الشرطة بيانا قال فيه "إن الشرطة باشرت إجراءات البحث والتحري، وقد تمّ التحفظ على مالك المنجرة، وأمر رئيس نيابة محافظة رام الله والبيرة بإغلاقها، وكلّف إدارة هندسة المتفجرات والدفاع المدني بإعداد التقارير اللازمة، وفحص المكان".

أحمد هريش قال إنه تعرض لتعذيب شديد (الجزيرة)

اعتقال سياسي 

وعدا هذا البيان لم يخرج عن الجهات الرسمية الفلسطينية أي توضيح حول العلاقة بين التفجير واعتقال أحمد والآخرين، إلا أن صفحات مقربة من الأمن والسلطة نشرت عن تورطهم في مخطط ضد أهداف للسلطة في الضفة، ونشرت صورا وخرائط قالت إنها تم ضبطها في منزل أحمد وشقيقه.

ولكن خلال جلسات التحقيق، بحسب المحامي المتابع لقضية هريش وشقيقه، لم يتم توجيه تهم تتعلق بذلك، وكانت التهمة في جلسة المحكمة وفي الملفات الرسمية هي حيازة السلاح.

يقول المحامي مهند كراجة من مجموعة "محامون من أجل العدالة" -التي تقوم بالمتابعة القانونية للمعتقلين- إن اعتقال هريش (تم) على خلفية سياسية وهذا واضح من التهمة الموجهة إليه في الملفات الرسمية وهي "حيازة السلاح".

وتابع كراجة في حديثه للجزيرة نت "90% من المعتقلين السياسيين يتم توجيه تهم لهم تتعلق بحيازة السلاح أو نقل أموال غير مشروعة بينما التحقيق معهم يكون على قضايا سياسية".

وحول تعرض هريش للتعذيب قال كراجة "كثير من المعتقلين يتم تهديدهم في حال تحدثوا عن تعرضهم للتعذيب، ولكن في حالة أحمد، هذا مثبت بمحضر جلسة قانونية ولا يمكن التشكيك فيه".

وبحسب توثيق مجموعة "محامون من أجل العدالة" فإن 50-70% من حالات الاعتقال التي تمت متابعتها لمعتقلين سياسيين، فإنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في سجون الأجهزة الأمنية.

وقال كراجة "إن مثل هذه القضايا تدخل في نطاق المناكفة السياسية، ففي المجموعة تمت متابعة قضايا مشابهة سابقا وجميعها لا يتم إدانة المعتقلين".

المحامي غاندي أمين: التعذيب في سجون السلطة لم يتوقف يوما (الجزيرة)

ارتفاع حالات التعذيب

وفي تقريرها السنوي -بين الأول من يناير/كانون الثاني وحتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2021- وثقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ارتفاعا في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، حيث بلغ عدد الشكاوى 445 شكوى بالضفة الغربية وقطاع غزة، بواقع 252 شكوى بالضفة، و193 شكوى بالقطاع.

إلى جانب ارتفاع في عدد الاعتقالات التعسفية التي نفذتها أجهزة إنفاذ القانون في كل من الضفة والقطاع، لا سيما اعتقال المواطنين بسبب ممارسة حقوقهم وحرياتهم المشروعة، ومعظمها في الضفة.

وقد أبدت عائلة هريش قلقها على حياته، وحياة شقيقه أيضا الذي لم تتمكن حتى الآن من رؤيته في سجنه برام الله، في ظل ما وصفته بحملة التحريض الذي تعرض لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأشارت شقيقته إلى أن الصور المنشورة تسربت بشكل مقصود من قبل الأجهزة الأمنية، فهي التقطتها خلال تفتيش منزل العائلة لأغراض التحقيق، إلا أنها انتشرت بشكل كبير ونسجت حولها روايات من أن الخريطة للمناطق المستهدفة، وأن صورة الحفرة الامتصاصية في منزل جدها القديم لنفق تم حفره لتنفيذ المخطط وغيرها.

وقالت "لن ننتظر أن يكون أخي نزار بنات الثاني" في إشارة إلى مقتل المعارض السياسي نزار بنات يوم 24 يونيو/حزيران 2021 على يد الأجهزة الأمنية جراء التعذيب خلال اعتقاله.

غياب الرقابة 

غاندي أمين رئيس مجموعة "الحق بالقانون للمحاماة والاستشارات" في فلسطين، والمحامي المكلف بمتابعة قضية مقتل نزار بنات، قال للجزيرة نت إن التعذيب في سجون السلطة لم يتوقف يوما، ولكن تعددت أشكاله رغم توقيع السلطة على اتفاقية "مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" عام 2014.

وبحسب أمين فإن الوضع السياسي العام من تعطيل المجلس التشريعي، وتغول السلطة التنفيذية على القضائية يعتبر بيئة خصبة لانتشار التعذيب في السجون، إلى جانب الأحداث السياسية على الأرض، في إشارة منه إلى تزامن هذه الاعتقالات مع الذكرى الـ 15 للانقسام الفلسطيني الداخلي.

وتوقع المحامي مزيدا من الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان من قبل الأجهزة الأمنية في ظل عدم وجود جهات رقابية على عملها.

وللحصول على رد حول هذه الاتهامات، حاولت الجزيرة نت التواصل مع المتحدث الرسمي باسم المؤسسة الأمنية الفلسطينية، دون تلقيها أي رد.

المصدر : الجزيرة