منهن من شهدت اغتيال شيرين أبو عاقلة.. روايات لصحفيات فلسطينيات نجون من الموت بالرصاص الإسرائيلي

نابلس- للوهلة الأولى، ظنَّت الصحفية الفلسطينية ديانا خويلد أنها نجت من رصاصة أطلقها أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي باتجاهها أثناء تغطيتها مع زملائها مظاهرة ضد الاستيطان في قرية بيتا (جنوبي نابلس)، وبالفعل أصابت الرصاصة جذع زيتونة بقربها تماما، لكن الرصاصة التالية بعد دقائق لم تخطئها وأصابتها في الفخذ.
وأدلت خويلد بشهادة عن الانتهاكات والمخاطر التي تتعرض لها كصحفية ميدانية، وذلك في جلسة استماع نظمتها مؤسسة "فلسطينيات" (أهلية) لعدد من الصحفيات اللواتي يغطين الاقتحامات والمواجهات اليومية في مناطق شمال الضفة الغربية، لا سيما نابلس وجنين.
وقالت الصحفية خويلد للجزيرة نت إنها تأخذ وزملاؤها الصحفيون دائما موقعا محايدا بين المتظاهرين وجنود الاحتلال، وترتدي زي الصحافة، خاصة الدرع والخوذة، لكنها لم تسلم من طلقات الاحتلال النارية وغازه الخانق.
وتضيف خويلد -التي تعمل مراسلة لوكالة الأنباء الألمانية- أن الجنود في حادثة إصابتها كانوا يميزون الصحفيين بحكم المسافة القريبة ومن زيهم المعروف، "لكنهم لم يكترثوا وأطلقوا النار والغاز بشكل مباشر صوبي، ورمى أحدهم 3 قنابل غاز باتجاهي؛ فالجنود يعدّون الصحفي هدفا دائما".

معاناة نفسية وقلق دائم
ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة التي أصيبت فيها خويلد، فطوال عملها في حقل الصحافة منذ 6 سنوات عاشت مع تأثيرات نفسية صعبة نتيجة التغطية في الميدان، وتذكر تأثير حادثة قتل الاحتلال الفتى مهدي حشاش في مخيم بلاطة (شرقي نابلس) مطلع الشهر الجاري، "فقد كان هذا الفتى رفيقي ودليلي في مسيرات التشييع للشهداء بالمخيم".
وغير بعيد عن خويلد، تذكر الصحفية الفلسطينية ريما العملة إصابتها مرات عدة برصاص الاحتلال المطاطي وتعرضها للاختناق عشرات المرات طوال 20 عاما من تغطيتها وعملها الميداني في تلفزيون فلسطين بمواقع مختلفة من الضفة الغربية.
وتقول ريما العملة للجزيرة نت إنها تعرضت لمواقف خطيرة خلال المواجهات مع جنود الاحتلال، وكان أشدها تلك التي يصل بها خبر الأحداث أو إصابتها لعائلتها وأطفالها، فتجدهم قد سبقوها إلى المستشفى للاطمئنان عليها.
وتضيف "كل يوم أودّع أبنائي قبل خروجي للعمل من دون أن أشعرهم بشيء أو أخبرهم بالجهة التي أقصدها في التغطية".
وتدرك ريما العملة أن المجتمع الفلسطيني بات يعرف ويعيش ما يواجهه الصحفيون، و"كذلك العالم يعرف كل ما يقترفه الاحتلال من جرائم ولا يحرك ساكنا"، غير أنها تؤكد أهمية جلسات الاستماع للصحفيين والصحفيات اللواتي تصف معاناتهن بالأكبر.
وتشير كل المعطيات إلى تصاعد استهداف الصحفيين، وأن هناك "استباحة مباشرة" لهم. وتقول ريما العملة (عضوة في نقابة الصحفيين الفلسطينيين) إن الاعتداءات عليهم زادت بعد اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة في مايو/أيار الماضي.
شهادات بالدموع
وحول تجربتها، تحدّثت الصحفية ميس الشافعي -مراسلة موقع الجرمَق الإخباري- عن معاناة نفسية وصحية واجهتها بعد تغطية استشهاد وتشييع عشرات المواطنين في مدينة نابلس، ومعايشتها المباشرة لأحوال أقاربهم وأمهاتهم تحديدا، وروت باكية معاناتها مع "الكوابيس" التي لا تفارقها، كما تقول.
ولم تكن الصحفية شذا حنايشة أفضل حالا من زميلاتها، فهي الشاهدة الوحيدة والأقرب على اغتيال مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة بمخيم جنين، حتى أنها بالكاد زارت موقع الحدث بعد الاغتيال مرة أو اثنتين في محاولة لنسيان الواقعة التي كادت تودي بحياتها أيضا.
وبعد حادثة اغتيال شيرين تعرَّضت شذا لهجوم من مؤسسات إسرائيلية إعلامية وغيرها عملت على تكذيب روايتها كصحفية وشاهدة، بل عملوا على "تشويه الرواية واستهدفوني على الصعيد الشخصي وصعيد العمل"، كما تقول حنايشة.
ونظرا لأن دور الصحفي لا يتوقف عند تغطية المواجهات مع الاحتلال ويتعداه لنقل معاناة الناس، فلا بد – حسب شذا- أن يساند الصحفيون بعضهم بعضا في الميدان وفي غيره لمواجهة ماكينة "التشويه" الإسرائيلية.

مئات الاعتداءات
وتقول معطيات المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) إن الاحتلال ارتكب خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي 66 انتهاكا بحق الصحفيين الفلسطينيين، بينما تجاوز عدد اعتداءاته خلال النصف الأول من العام الحالي المئات، وأشدها خطورة قتل الصحفيتين شيرين أبو عاقلة وغفران وراسنة.
وشكلت الإصابة الجسدية (80 اعتداء) النسبة الأكبر من الانتهاكات الاسرائيلية التي جاءت بنسبة 41%، تلاها منع التغطية بنسبة 63%، والاعتقال والتوقيف بنسبة 6% من مجموع الاعتداءات.
وقدمت 10 صحفيات شهاداتهن خلال جلسة الاستماع، وهي ضمن مشروع طويل تتحدث فيه الصحفيات عن معاناتهن من أجل توفير سبل الحماية والأمان في الميدان، والتخفيف من معاناتهن عبر برامج رعاية نفسية، إضافة إلى توظيف شهاداتهن في فضح ممارسات الاحتلال ووقف إفلاته من العقاب مع تكرار جرائمه.

حماية جسدية ورعاية نفسية ومهنية
وتقول مديرة مؤسسة "فلسطينيات" وفاء عبد الرحمن إن هدف هذا المشروع هو الاستماع للصحفيات واستثمار شهاداتهن "صوتا وصورة" في المحافل الدولية عبر ملف متكامل تعدّه نقابة الصحفيين الفلسطينيين للمحكمة الجنائية الدولية، وستتم خلاله ترجمة هذه الشهادات للغتين الإنجليزية والفرنسية لنشرها عالميا وكشف كذب الاحتلال الإسرائيلي الذي يعمل بقوة لقلب الحقيقة.
وتقول وفاء عبد الرحمن للجزيرة نت "نريد أن يصبح العمل الميداني أقل خطورة على الصحفيين والصحفيات"، و"نسعى للاستماع لهن وتحقيق مطالبهن بالحماية الجسدية، إضافة إلى السلامة النفسية".
وبدأت مؤسسة فلسطينية منذ العام الماضي تنفيذ برنامج للرعاية النفسية للصحفيين والصحفيات بالضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة بعد العدوان العسكري الإسرائيلي المتكرر.
وتقول وفاء عبد الرحمن إنه منذ عام 2013 وحتى الآن بلغت انتهاكات الاحتلال الإسرائيلية 8 آلاف اعتداء ضد الصحفيين، 20% منها ضد الصحفيات.
وتريد مؤسسة "فلسطينيات" عبر مشروعها تحقيق الأمان الوظيفي للصحفيات، وتقول وفاء عبد الرحمن إن "أكثر من 80% من الصحفيات العاملات بالميدان يعملن بالقطعة من دون عقود وبلا أمان وظيفي ولا يملكن تأمينات صحية أو وسائل لحمايتهن في الميدان".