عائلة جرادات رهن الاعتقال وهدم المنزل وعقاب إسرائيلي جماعي

جنين– بجانب والدها وشقيقها المقدام تجلس الفتاة هنادي جرادات تفتش في هاتفها النقال باحثة عن صورة لوالدتها الأسيرة عطاف وشقيقيها الأسيرين عمر وغيث، وبعد وقت وجهد عثرت على واحدة يتيمة تجمعهم معا، التقطت في إحدى مناسبات العائلة، فسارعت لتريها لنا وهي تتمتم بصوت مبحوح "أمي وإخوتي، اشتقت لكم".

قبل أقل من شهر اعتقلت إسرائيل عمر (20 عاما) وغيث (17 عاما) جرادات، ثم اعتقلت والدتهم عطاف (49 عاما) وشقيقها الشيخ محمد جرادات و6 آخرين من أقاربهم على خلفية مقتل مستوطن إسرائيلي قرب مستوطنة حومش (شمال غربي مدينة نابلس)، ليشكل الاعتقال حلقة في مسلسل "عقاب جماعي" تعيشه العائلة بأكملها.

وبالمداهمة الليلية لمنازل عائلة جرادات واحتجاز جميع أفرادها والتحقيق معهم وسط تنكيل ممنهج؛ تمثلت أبرز أشكال العقاب الجماعي الاحتلالي، لتتوالى بعد ذلك الاستدعاءات لأفرادها صغارا وكبارا من نساء ورجال إلى مراكز التحقيق العسكري الإسرائيلي، وسبقت ذلك إخطارات بهدم المنازل وترسيم علامات لذلك.

وفي التفاصيل يروي أحمد جرادات (أبو منتصر) للجزيرة نت أن الاحتلال مارس إرهابا خلال اعتقال زوجته عطاف وقبلها أبناه عمر وغيث، إذ حوصر المنزل بالقوات الخاصة قبل اقتحامه بأكثر من 100 جندي مدججين بالسلاح والكلاب البوليسية، ثم ألقوا داخله قنابل الصوت قبل أن يعبثوا بمحتوياته ويحطموا أثاثه.

للاستخدام الداخلي فقط ** - الأسيرة عطاف جرادات ونجلها الاسير غيث - الضفة الغربية- جنين- سيلة الحارثة- الجزيرة نت9
الأسيرة عطاف جرادات ونجلها الأسير غيث (الجزيرة)

استهداف بالجملة

واستمر الاقتحام -كما يقول الأب جرادات- عدة ساعات تخللها ترويع للأطفال والكبار واحتجاز خارج المنزل في العراء والبرد الشديد، ولم يسمحوا لهم بتدفئة أنفسهم أو قضاء حاجتهم "بل حققوا مع ولديه عمر وغيث 3 ساعات ميدانيا".

ومن ثم اقتادهما الجنود وهما مكبلان وعيونهما معصبة وسط حالة إرهاب وتعنيف واتهامهما بالقتل.

ولم يقل عنف جنود الاحتلال في اقتحاماتهم اللاحقة للمنزل، لا سيما عند اعتقال زوجته عطاف بعد أسبوع من اعتقال أبنائه، حيث اقتيدت مكبلة أمام أطفالها الصغار عقب تحقيق ميداني معها ومع ابنتها التي انتقلت وأطفالها للعيش في بيت والدها بعد أن أصبح الاحتلال يطارد زوجها.

وحتى الآن يعتقل الاحتلال 8 من أفراد عائلة جرادات على خلفية مقتل المستوطن، أبرزهم شقيق عطاف الشيخ محمد جرادات (70 عاما) الذي أمضى 10 سنوات سابقة بالسجون الإسرائيلية، في حين احتجز واستدعى العشرات من العائلة للتحقيق داخل معسكرات للجيش، وكثيرون ابتزهم الاحتلال وساومهم للاعتراف وتثبيت التهم على أنفسهم وضد غيرهم.

وفوق الاعتقال تواجه عائلة جرادات إخطارات بهدم 6 منازل لها، بينها 3 منازل لعائلة الأسيرة عطاف التي ترفض إخلاءها، فليس من مكان غيره يذهبون إليه حال الهدم "إلا العيش فوق الركام أو في الطابق السفلي للمسجد المجاور لها"، كما يقول أبو منتصر.

منزل الشيخ محمد جرادات شقيق الأسيرة عطاف مخطر بالهدم من ضمن 6 منازل اخطرها الاحتلال بالهدم على خلفية مقتل مستوطن شمال نابلس- الضفة الغربية- جنين- سيلة الحارثة - الجزيرة نت8
منزل الشيخ محمد جرادات شقيق الأسيرة عطاف مخطر بالهدم ضمن 6 منازل (الجزيرة)

اعتقال وترهيب

ورأسا على عقب انقلبت حياة عائلة الأسيرة عطاف بعد اعتقالها وأولادها بفعل الاقتحامات الليلية الترهيبية كما تصف ابنتها هنادي (14 عاما)، التي بسببها أصبحت تنام مع شقيقتها وأطفالها في غرفة واحدة، وتبقى مستيقظة طوال الليل، وتضع بجانبها ملابس إضافية لترتديها عند المداهمة.

وفضلا عن العنف الذي مارسه جنود الاحتلال بحق والدتها لحظة اعتقالها من تحقيق وضرب، عاشت هي الأخرى إرهابا إذ منعها جنود الاحتلال من الذهاب للمرحاض وحدها واشترطوا مرافقتها فرفضت وتحملت.

كما رفضوا أن تجلب لوالدتها المريضة بالسكر وضغط الدم دواءها، ورغم ذلك تمكنت من توديعها وأخذت توصيها وتقول "أنت رفيقتي ومدللتي الصغيرة، اهتمي بالعائلة".

وزادت سلطات الاحتلال عقاب العائلة برفضها الإفصاح عن أية معلومات عن الأسيرة عطاف حيث تقبع بسجن الدامون، وعدم السماح لمحاميها بزيارتها، وكذلك تفعل مع ابنيها عمر وغيث المعتقلين في سجن الجلمة (شمال الضفة الغربية).

احمد جرادات زوج الاسيرة عطاف ووالد الاسرى عمر وغيث يشري الى علامات رسمها الجنود لهدم المنزل - الضفة الغربية- جنين- سيلة الحارثة- الجزيرة نت
أحمد جرادات زوج الأسيرة عطاف ووالد الأسيرين عمر وغيث يشير إلى علامات رسمها الجنود لهدم المنزل (الجزيرة)

انتقام وترويع وابتزاز

وسجلت إسرائيل منذ احتلالها الضفة الغربية عام 1967 نحو مليون حالة اعتقال بين الفلسطينيين، وفق ما تقوله مؤسسات حقوقية تعنى بشؤون الأسرى، وهو ما يعكس حجم العقاب الجماعي الذي اتخذته إسرائيل سياسة ونهجا لها.

وتتعدى أشكال العقاب الجماعي اعتقال أفراد الأسرة أو التحقيق معهم واحتجازهم في ظروف قاسية إلى الاقتحام الهمجي الذي يتخلله إطلاق الرصاص وتحطيم أثاث المنازل، بل يصل العقاب إلى جيران الشخص المستهدف والحي بأكمله واتخاذ بعض سكانه "دروعا بشرية".

ويذهب حقوقيون في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان تحدثوا للجزيرة نت إلى أن الاحتلال يريد بالعقاب الجماعي ترويع وتخويف الأسير لكسر شوكته وانتزاع اعترافاته، بأن يتم تهديده بهدم منزله أو اعتقال ذويه وابتزازه بالضغط عليهم، "بل وحتى تهديده بارتكاب أعمال مشينة ضدهم لتحقيق أهدافه".

ورغم توثيق المؤسسات الحقوقية ما يحدث مع المعتقل خلال التحقيق لا سيما عمليات التعذيب الجسدي والنفسي "الذي شرعته إسرائيل وحدها بين دول العالم" كالعزل و"العصافير" (الجواسيس داخل السجن) التي تمارسها إسرائيل بحقه؛ ترفض المحاكم العسكرية الأخذ بآلية الاستجواب وتوجه لائحة الاتهام بناء على اعترافه "وهذا هدفه الانتقام من الأسير وذويه"، كما يقول الحقوقيون.

ووضعت إسرائيل -حسب الحقوقيين- وكمثال قريب على العقاب الجماعي عائلات أسرى "نفق الحرية" تحت المجهر، منذ لحظة فرارهم من سجن جلبوع أوائل سبتمبر/أيلول الماضي حتى أعادت اعتقالهم ثانية جميعهم، وتخللت ذلك اقتحامات ومداهمات يومية وترهيبية لبيوتهم.

وقبلها استخدمت هذا الأسلوب مع عائلة الشهيد أشرف نعالوة من مدينة طولكرم، حيث طال الاعتقال 5 من عائلته لذنب لم يرتكبه أي منهم.

ويوما بعد آخر تشعر هنادي وشقيقها المقدام جرادات اللذان سميا تيمنا بأسماء شهداء من العائلة قضوا في معارك ضد الاحتلال بغياب والدتهما وتحملهما المسؤولية مبكرا.

المصدر : الجزيرة