منجم الفوسفات الإسرائيلي "سدي برير" يهدد بتهجير عشرات الآلاف من بدو النقب

صورة 5 قرية الزعرورة يقطنها 3700 نسمة مهددة بالهدم لصالح منجم الفوسفات.
قرية الزعرورة يقطنها 3700 نسمة مهددة بالهدم لصالح منجم الفوسفات (الجزيرة)

القدس المحتلة– يواجه عشرات الآلاف من بدو النقب خطر التهجير والتشريد بسبب مخطط منجم الفوسفات "سدي برير" الذي تطوره الحكومة الإسرائيلية، الممتد على مساحة 28 ألف دونم من أراضي 4 قرى مسلوبة الاعتراف.

وصادقت الحكومة الإسرائيلية في مارس/آذار 2018 لإقامة منجم "سدي برير" رغم تحفظات وزارتي الصحة والبيئة، وأجمع الخبراء على أن هناك أخطارا صحية كبيرة على السكان في المنطقة التي سيتم فيها التنقيب عن الفوسفات، إذ يؤدي استنشاق المواد المنبعثة من عملية استخراج الفوسفات إلى مشاكل في القلب والرئتين والجهاز التنفسي.

ورغم هذه التحفظات والتقارير المختصة، فإن المحكمة العليا الإسرائيلية امتنعت مؤخرا عن تجميد المخطط، واكتفت بالتوصية بأخذ الاعتبارات البيئية وصحة الجمهور في الحسبان حين يتم التنقيب عن الفوسفات.

ويأتي قرار المحكمة الإسرائيلية ردا على التماس قدمه المركز الحقوقي (عدالة) وجمعيات حقوق إنسان تعنى بشؤون الصحة والبيئة ضد الحكومة الإسرائيلية، والمجلس القطري للتخطيط والبناء، وشركة "روتيم إمبرت" صاحبة الامتياز باستخراج الفوسفات.

صورة 9 منسق مركز لجنة التوجيه العليا للعرب في النقب، جمعة الزبارقة: سكان النقب يواجهون ممارسات التطهير العرقي
جمعة الزبارقة: سكان النقب يواجهون ممارسات التطهير العرقي (الجزيرة)

حقوق وخدمات

ووفقا للالتماس الذي قدمته المحامية ميسانة موراني من مركز "عدالة" فإن السلطات الإسرائيلية لم تأخذ بعين الاعتبار أن منجم الفوسفات يستهدف 4 قرى بدوية، وسيتسبب في تهجير سكان قرية الفرعة التي حصلت على اعتراف رسمي من الحكومة الإسرائيلية قبل 10 أعوام.

وذكرت موراني في معرض الالتماس أن السلطات الإسرائيلية لم تفحص المخاطر البيئية والصحية التي سيتعرض لها السكان العرب جراء استخراج الفوسفات من المنطقة، بل إن الحكومة الإسرائيلية اعتمدت في مصادقتها على المخطط على تهجير سكان 4 قرى بدوية.

وأوضحت موراني في الالتماس أن مخطط منجم الفوسفات ينتهك الحقوق الدستورية الأساسية للسكان العرب في المنطقة، وأبرزها الحق في الخدمات والحياة والصحة، والحق بالاحترام والمسكن والأرض، والحق بالبيئة الصحية الآمنة.

وأكدت الحقوقية أن مخطط منجم الفوسفات الذي يعرض بيئة وصحة وحياة السكان لخطر الموت من أجل المصالح الاقتصادية، يضاف إلى مخططات ضخمة عديدة ومشاريع بنى تحتية تحركها الحكومة الإسرائيلية في النقب.

صورة 10 الناشط الجماهيري عبد الهادي أبو عاذرة: نخشى التهجير إلى ما وراء الحدود.
عبد الهادي أبو عاذرة: نخشى التهجير إلى ما وراء الحدود (الجزيرة)

مخاطر ومخططات

واستعرضت المحامية موراني المخططات، وأبرزها: سكة القطار، وشارع 6، وتحريش عشرات آلاف الدونمات، وكذلك توسيع المنطقة الصناعية "رمات بيكع"، والمناطق العسكرية، وهي مشاريع تتجاهل الوجود العربي في النقب وتعمل على هدم القرى وتهجير السكان وتجميعهم على أقل مساحة من الأرض.

ويأتي مخطط منجم الفوسفات ضمن إستراتيجية التركيز والتهويد التي اعتمدتها المؤسسة الإسرائيلية ضد البدو بالنقب، إذ تعود خطة منجم "سدي برير" التي أعدتها الشركة الحكومية للفوسفات لعام 1979، حين قدمت الشركة خطة شمولية للفوسفات طالت مدينة عراد التي كانت جوهر المشروع الاستيطاني بالنقب، وعليه أجريت تعديلات بموجبها تمت إزاحة المخطط للقرى البدوية جنوبي النقب.

ويهدد منجم الفوسفات الإسرائيلي "سدي برير" 4 قرى بدوية محرومة من أبسط الخدمات والظروف المعيشية ومقومات الحياة؛ وهي الفرعة القرية المعترف بها قبل 10 سنوات، لكنها أشبه بمخيم لاجئين مع بقاء الاعتراف الإسرائيلي حبرا على ورق، بالإضافة إلى قرى الزعرورة، وعزة، وقطمات، وهي قرى مسلوبة الاعتراف.

وسيعرض منجم الفوسفات عشرات آلاف السكان للمخاطر الصحية والبيئة، وسيؤدي مخطط المنجم لهدم نحو 500 منزل بشكل مباشر، وتهجير أكثر من 20 ألف نسمة من سكان القرى البدوية.

صورة 8 الشيخ محمد سليمان أبو جودة من قرية الزعرورة: نرفض إخلاء أراضينا.
الشيخ محمد سليمان أبو جودة: نرفض إخلاء أراضينا (الجزيرة)

الإخلاء والتهجير

يرفض السبعيني الشيخ محمد سليمان أبو جودة (من سكان قرية الزعرورة) أسوة بجميع سكان القرى الأربع مخطط منجم الفوسفات الذي سيقام على أراضيهم ويهدد وجودهم وينذر بالإخلاء والتشريد لسكان القرى ومصادرة أراضيهم الممتدة على عشرات آلاف الدونمات ويتجذرون فيها من أكثر من 200 سنة.

وبسبب مخطط منجم الفوسفات، يقول الشيخ أبو جودة للجزيرة نت إن "عشرات آلاف السكان البدو يواجهون خطر التهجير والتشريد من قراهم القائمة قبل إسرائيل، لكنها وبسبب الممارسات والسياسات الحكومية أشبه بمخيمات للاجئين بلا خدمات تذكر، وتضم منازل ومنشآت سكنية من ألواح صفيح وخيام تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة".

وسرد الشيخ أبو جودة ما يتعرض له سكان القرى جنوب النقب الذين نزحوا قسرا هروبا من هول وفظائع النكبة إلى بادية القدس، حيث استهدفت العصابات اليهودية السكان البدو بتهجيرهم عن أراضيهم، مشيرا إلى أن كثيرا من العشائر -ومن ضمنهم عائلته- عادوا بعد أشهر من انتهاء الحرب إلى قراهم.

وأوضح الشيخ السبعيني أن خطة منجم الفوسفات تأتي في سياق المخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى مصادرة الاحتياط الأخير من أراضي البدو بالنقب والممتدة على مساحة 800 ألف دونم، وهي بملكية 150 ألف نسمة يقطنون 35 قرية مسلوبة الاعتراف، ويواجهون مخططات التهجير والتشريد، وتأتي تحت مسمى إسرائيلي هو "تطوير النقب".

رئيس حركة "المواطن" في النقب عبد أبو كف: إسرائيل أعلنت الحرب على سكان النقب.
عبد أبو كف: إسرائيل أعلنت الحرب على سكان النقب (الجزيرة)

حرمان ومصادرة

الطرح نفسه يتبناه منسق مركز لجنة التوجيه العليا للعرب في النقب جمعة الزبارقة، الذي أكد أن السكان البدو في النقب ومنذ الحكم العسكري يواجهون ممارسات التطهير العرقي ومصادرة أراضيهم وتوظيفها للاستيطان والتهويد، وإقامة مشاريع البنى التحتية الوطنية على حساب الوجود العربي.

وسط هذه المخططات التهويدية والمشاريع الاستيطانية التي تأتي تحت ذريعة "التطوير" والممارسات الممنهجة من قبل السلطات الإسرائيلية، يقول الزبارقة للجزيرة نت إن "مخطط منجم الفوسفات يأتي ليكمل مشاريع البنى التحتية والتجريف والتحريش للأراضي، وتصب كلها في دائرة تهجير وتشريد سكان القرى مسلوبة الاعتراف، ومصادرة أراضيهم وتركيزهم على أقل مساحة من الأرض".

وأوضح منسق مركز لجنة التوجيه العليا للعرب في النقب أن إسرائيل تسابق الزمن لفرض وقائع على الأرض، وذلك عبر تشغيل منجم الفوسفات الذي يقضي بتهجير سكان 4 قرى بدوية، وتعريضهم لمخاطر صحية وأمراض تهدد حياتهم، وخلق بيئة ملوثة بمثابة "الموت البطيء".

وأشار الزبارقة إلى أن السلطات الإسرائيلية توظف آليات ووسائل ومشاريع مختلفة للتضييق على السكان البدو ودفعهم إلى مغادرة أراضيهم عبر تجريفها وتحريشها وتدمير المحاصيل الزراعية، وحرمان السكان من أبسط الخدمات الإنسانية والحياتية.

قوات معززة من الشرطة الإسرائيلية تقتحم أراضي الأطرش لتجريفها.
قوات معززة من الشرطة الإسرائيلية تقتحم أراضي الأطرش لتجريفها (الجزيرة)

تداعيات وتحذيرات

وعن المخططات الإسرائيلية في النقب، يقول الناشط الجماهيري عبد الهادي أبو عاذرة من بلدة شقيب السلام إن "مخططات وممارسات السلطات الإسرائيلية تصب نحو هدف واحد هو تهجير السكان العرب وإحلال اليهود في الأراضي التي تتم مصادرتها بذريعة التحريش والتصنيع والتطوير وتوفير أماكن عمل".

ولمواجهة المخططات الإسرائيلية، يدعو أبو عاذرة إلى ضرورة تصعيد النضال الشعبي ضد التحريش والتجريف والتصنيع والتطوير الذي يستهدف الوجود العربي على الأرض، مشددا على ضرورة وحدة الصف ورص الصفوف والتصدي للمخططات مهما اختلفت مسمياتها.

وحذر أبو عاذرة في حديثه للجزيرة نت من تداعيات المخططات الإسرائيلية على الوجود العربي، مشيرا إلى أن النقب -مثل سائر الداخل الفلسطيني- يخوض معركة وجودية على عدة جبهات وتحت مسميات مختلفة، ولا يستبعد أن تفضي الممارسات الإسرائيلية على المدى البعيد -في حال تفردت إسرائيل بالنقب- للتشريد والتهجير إلى ما وراء الحدود.

المصدر : الجزيرة