لملاحقة الاحتلال دوليا.. منظمة دولية للدفاع عن نساء وأطفال فلسطين

من مؤتمر إطلاق الراصد العالمي لنصرة المرأة والطفل الفلسطيني في إسطنبول (الجزيرة)

إسطنبول- تشهد مدينة إسطنبول التركية حراكا مكثفا تقوده شخصيات حقوقية وقانونية وسياسية، لتفعيل العمل القانوني لحماية الشعب الفلسطيني ومراقبة الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وملاحقة مرتكبيها في المحافل الدولية.

وشهدت المدينة -أمس الثلاثاء- الإعلان رسميا عن تأسيس منظمة "الراصد العالمي لنصرة المرأة والطفل الفلسطيني"، وهي منظمة دولية غير ربحية تهدف -وفقا لمؤسسيها- إلى تطبيق القانون على الانتهاكات الإسرائيلية بحق شريحتي الأطفال والنساء داخل فلسطين، وتنبيه الرأي العام لما يتعرض له الشعب الفلسطيني، وإيصال الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال للمنظمات الدولية وإيجاد الوسائل لملاحقته بسببها قضائيا.

ويتشكل الراصد من مجموعة من القانونيين والمحاميين من 12 دولة، ويترأس مجلس أمنائه الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، وترأسه تنفيذيا التونسية ريم حمدي وهي رئيسة المرصد الدولي لحقوق الإنسان.

وتنبع أهمية المبادرة -وفق ما تقول ريم حمدي- من تخصصها في ملفات المرأة والطفل الفلسطينيين، باعتبارهما شريحتين تشملهما الكثير من بنود الحماية في الأعراف والمواثيق الدولية التي تنص على عقوبات واضحة بحق منتهكيها، دون تطبيق أي من تلك العقوبات على دولة الاحتلال.

ويهدف الإطار القانوني الدولي الجديد إلى توعية الرأي العام وتفعيل دوره في الدفاع عن المرأة والطفل الفلسطينيين من خلال تسليط الضوء إعلاميا عليهما، وحشد جهود الحقوقيين المهتمين بالقضية الفلسطينية للدفاع عن المرأة والطفل، وإلى بناء شبكة تكاملية مع المؤسسات والمنظمات العاملة في هذا المجال.

ويتطلع مؤسسو "الراصد" إلى أن يتحول إلى منبر يطالب بحقوق المرأة والطفل الفلسطينيين في مؤسسات المجتمع الدولي، وتقديم الدعم بكافة أشكاله للأطفال المعتقلين والأسيرات والرموز النسوية، وتوثيق ما يتعرضون له والتواصل مع الجهات المختصة للعمل على وقف معاناتهم.

محمد الهمص لفت إلى أهمية دور الخبرة والاختصاص والدافع الذاتي لدى الحقوقيين العرب والدوليين (الجزيرة)

عمل قانوني

وعرضت المبادرة تقريرا حول انتهاكات إسرائيل لحقوق المرأة والطفل الفلسطينيين، جاء فيه أن إسرائيل اعتقلت 889 طفلا خلال عام 2019، و304 أطفال خلال النصف الأول من العام الماضي، بينما لا يزال 183 طفلا قابعين في سجون الاحتلال من بين 5 آلاف أسير فلسطيني.

وأشار التقرير إلى أن أكثر من 45 ألف طفل فلسطيني تعرضوا للاعتقال والإعاقة منذ عام 2000، وأن ما بين 500 و700 طفل فلسطيني يمثلون سنويا أمام المحاكم الإسرائيلية، وقد صدرت بحق بعضهم أحكام بالسجن الفعلي تزيد على 10 سنوات وحتى المؤبد.

وأوضح التقرير أن 40% من الأمراض التي يعاني منها الأطفال الأسرى ناجمة عن ظروف اعتقالهم، كما أظهر أن 57 طفلا استشهدوا خلال عام 2018، و28 في عام 2019، و65 في حرب الاحتلال الأخيرة على غزة مطلع الصيف الجاري.

وشددت ريم حمدي رئيسة الراصد العالمي للدفاع عن حقوق المرأة والطفل الفلسطيني، على أهمية الدور الشمولي الذي ستضطلع به المنظمة الوليدة، من حيث تنسيق العمل الحقوقي والقانوني والتوثيقي والإعلامي، إلى جانب مسارات الضغط في المحافل الدبلوماسية واستثمار العلاقات مع الدول والمنظمات في تحقيق أهدافها.

وردا على سؤال للجزيرة نت، أوضحت الناشطة التونسية أن الراصد تبنى خطة عمل يومي تشمل الإحاطة بكافة انتهاكات الاحتلال المتعلقة بالنساء والأطفال في فلسطين، كما أنه حريص على التواجد في كل دولة من الدول التي انخرط أبناؤها في تأسيس الإطار القانوني الجديد.

ريم حمدي شددت على أهمية الدور الشمولي الذي ستضطلع به المنظمة (منظمة الراصد)

نجاحات قانونية

ويجيء إطلاق "الراصد" في ظل نجاحات متلاحقة حققتها المؤسسات والمنظمات الحقوقية العاملة على صعيد ملاحقة إسرائيل قانونيا وجنائيا بسبب انتهاكاتها للمواثيق والقرارات الدولية المتعلقة بالفلسطينيين.

ففي فبراير/شباط من العام الجاري، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قرارا يقضي بولايتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ضمن موافقتها على فتح تحقيقات في جرائم حرب "محتملة" ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

كما يأتي بعد إصدار منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية تقريرا أواخر أبريل/نيسان الماضي، اتهمت فيه إسرائيل رسميا بارتكاب جريمتي الاضطهاد والتمييز العنصري بحق الفلسطينيين، وفي ظل تسارع وتيرة دعوات مناهضة التطبيع والمطالب المتزايدة بالمقاطعة الأكاديمية والاقتصادية لإسرائيل، والتي كان آخر ثمارها إعلان شركة "بن آند جيريز" (Ben & Jerry’s) الأميركية وقف بيع منتجاتها المثلجة في الأراضي الفلسطينية المحتلة أواخر يوليو/تموز الماضي.

وبحسب مراقبين، فإن من شأن هذه الحراكات أن تشكل ضغطا حقيقيا على تل أبيب التي مرت بتجارب اضطر فيها مسؤولون إسرائيليون إلى مغادرة أو تجنب مطارات أجنبية، خشية التوقيف والاحتجاز على خلفية هذه التقارير.

وأكدت المحامية ليلى أبو عطا العضو المؤسس في "الراصد" وعضو لجنة الحريات في نقابة المحامين الأردنيين، أن الراصد وضع مجموعة من الآليات لتنفيذ ملاحقات متكررة بحق مرتكبي الانتهاكات الإسرائيليين، متوقعة أن يسهم حراك المنظمة الدولية الجديدة في الحد من حرية المسؤولين الإسرائيليين عبر استصدار أحكام قضائية.

وأشارت أبو عطا -في حديث للجزيرة نت- إلى أن "الراصد" قد أقر آليات قانونية قضائية تسعى إلى ترسيخ عدم اختصاص محاكم الاحتلال في عدد من القضايا المتعلقة بالاعتداء على الفلسطينيين، ونقل تلك الاختصاصات في المقابل للمحاكم الفلسطينية.

عضوات الهيئة التأسيسية للراصد العالمي لنصرة المرأة والطفل الفلسطيني (اللجنة الإعلامية للراصد)

تحرك دولي

وأوضحت القانونية الأردنية أن المنظمة أقرت خطة تشمل مجموعة أفكار للتعامل مع القضاء الدولي والمحلي، ومحاكم الدول الأخرى التي تفتح الباب أمام قضائها للتعامل مع قضايا خارجية متعلقة بحقوق الإنسان في الاختصاص الجنائي العالمي.

وتضع الخطط القانونية التي يتحدث عنها أعضاء الراصد السلطة الفلسطينية أمام تحد حقيقي يتعلق بإثبات جديتها وكفاءتها في التعامل مع الملف الجنائي الدولي، عقب اتهامات وجهت لرام الله مؤخرا بالتقاعس والقصور عن متابعة تهديدات سابقة أطلقتها بتفعيل ملفات إسرائيل جنائيا عبر منظمات المجتمع الدولي القانونية والحقوقية.

ويحظى الحراك القانوني لملاحقة إسرائيل دوليا بدعم من عدد من الدول، من بينها تركيا التي احتضنت إطلاق المرصد، حيث أكدت نائبة رئيس حزب العدالة والتنمية في اسطنبول يلديز كانال سوسلو أن أنقرة تحشد جهوداً كبيرة لرفع قضايا كثيرة ضد الاحتلال في المحافل الدولية، بسبب انتهاكاته في فلسطين التي وصفتها بــ"بيتنا".

وقالت سوسلو في كلمة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد للإعلان عن إطلاق المرصد إن تركيا ملتزمة بتعبير رئيسها رجب طيب أردوغان حين وصف القدس وفلسطين بأنها "خط أحمر"، مشيرة إلى أن جهات تركية عدة كانت بصدد إطلاق مشاريع مهمة في هذا الشأن، لكنها أرجئت تحت ضغط التعامل مع جائحة كورونا ثم تداعيات الحرائق والفيضانات التي ضربت البلاد مؤخراً.

من جهته، رأى رئيس اتحاد الجاليات العربية في تركيا محمد الهمص أن الضامن لنجاح الخطط التي وضعها "الراصد" يكمن في عمل أعضاء المنظمة بشكل دؤوب، والتصاقهم بأهدافها ومتابعتهم الحثيثة لما يصدر عن منظمتهم من قرارات وخطط.

وأشار الهمص في حديث للجزيرة نت، إلى تجربة اللوبي التركي الذي شكلته الجهات التي تابعت قضية الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية في بحر غزة عام 2010، وقد تكلل بانتزاع قرارات من المحاكم الدولية ضد الجيش الإسرائيلي.

كما لفت إلى أهمية دور الخبرة والاختصاص والدافع الذاتي لدى الحقوقيين العرب والدوليين الراغبين في إسناد الشعب الفلسطيني، في دعم "الراصد" حتى يحقق أهدافه.

المصدر : الجزيرة