الأردن.. دوريات إلكترونية لملاحقة حسابات المسيئين

بحسب اتفاق بين النيابة العامة الأردنية ووحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام، ستتم ملاحقة المنشورات التي تشكل جرائم إلكترونية خاصة التي تتعلق بإثارة النعرات الدينية وخطابات الكراهية والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي.

أردنيون يرددون شعارات مناهضة للحكومة ويلوحون بالعلم الوطني خلال مظاهرة في ساحة أمانة عمان في 1 أبريل/نيسان 2011 (الأوروبية)

عمّان- يتخوف وليد عليمات -الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي- من "سوء استخدام الدوريات الإلكترونية الجديدة وتسيّيسها"، بحيث يتم تسليطها على النشطاء من رواد وسائل التواصل الذين يعبرون عن آرائهم في القضايا العامة، فتصبح هذه الدوريات "أداة جديدة للضغط والتضييق على حريات الأردنيين" على حد قوله.

يعيد عليمات كتابة وقراءة ما يود نشره على صفحات الفيسبوك أو تويتر، ويقول للجزيرة نت "لدينا قانون للجرائم الإلكترونية، وهو مفعّل ومطبّق ويحاكم نشطاء على بنوده، فما الداعي للدوريات الجديدة".

في المقابل، لا يبدو عبد المجيد عصر المجالي -الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي- مهتما بالدوريات الإلكترونية التي بدأت بالتجوال عبر الفضاء الإلكتروني، لمراقبة محتوى ما ينشره روادها، بهدف ضبط أي مخالفات قانونية.

ويبدي الناشط المجالي "غضبه" من الإعلان الرسمي عن الدوريات الإلكترونية، فحسبما كتبه على صفحته على الفيسبوك يقول "دوريات إلكترونية بالأردن الذي تشكلت فيه لجنة لتحديث المنظومة السياسية، وفي الأردن وصلت القبضة الأمنية لدرجة أنهم يستدعوا بناتنا للتحقيق معهن على بوستات (منشورات إلكترونية)، ويوقف فيها مُعلم، لأنه خرج بمسيرة مشيا على الأقدام من أربد لعمان حتى يتضامن مع نقابته وزملائه".

يشار إلى أن عدد حسابات الأردنيين على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي بلغت نحو 10.9 ملايين حساب، وفق تقرير أصدرته شركة "هوت سيت" أواخر العام الماضي.

قوات الأمن خلال مظاهرة سابقة في عمّان (الأوروبية)

لماذا الانزعاج؟

من جهته، يخالف الناشط على تويتر محمد الذنيبات سابقيه في اعتبار أن الدوريات "تضييق على الحريات"، متسائلا "ما هو المزعج بأن يكون لدينا دوريات إلكترونية؟ لماذا ننزعج عندما يكون لدينا رقابة على محتويات تهدف للمساس بالوطن أو بسلامة المحتوى لأطفالنا وشبابنا؟! طالما أنك تنتقد وتعبر عن رأيك من دون أن تسيء لوطنك لماذا الخوف؟ وأين تكميم الأفواه والحريات بالموضوع؟"

ووفق مصدر أمني، فإن الدوريات الإلكترونية مصطلح يطلق على "خبراء أمنيين من وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لمديرية الأمن العام، هدفهم رصد ومتابعة ما يتم تداوله على وسائل التواصل، وضبط ما يحتوي منه على مخالفات للقوانين والأنظمة السارية".

رفض وقبول

الغضب والقبول حول الدوريات الإلكترونية، جاء بعدما أعلنت النيابة العامة الأردنية ووحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام، اتفاقهما على تسيير دوريات إلكترونية لمراقبة ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لمكافحة الجرائم الإلكترونية بجميع صورها.

وبحسب الاتفاق ستتم ملاحقة أصحاب المنشورات التي تشكل جرائم إلكترونية خاصة التي تتعلق بإثارة النعرات الدينية وخطابات الكراهية والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي والمس بالآداب والأخلاق العامة للمجتمع وذم الهيئات الرسمية، والجرائم التي تأخذ طابع الرأي العام، والجرائم التي تمس بالاقتصاد الوطني والاستثمار.

وسجلت قضايا الجرائم الإلكترونية في الأردن خلال عام 2020 أكثر من 9 آلاف و500 قضية، في حين سُجلت 7 آلاف و500 قضية عام 2019، وهو ما يشير إلى ارتفاع تلك الجرائم، وفق إحصائيات رسمية من وحدة الجرائم الإلكترونية في الأمن العام.

متظاهرة أردنية تلوح بعلامة النصر في مظاهرة سابقة بعمّان (الأوروبية)

اختراع أردني

"اختراع أردني بامتياز"، هكذا وصف النائب أحمد القطاونة، مقرر لجنة الحريات وحقوق الإنسان النيابية، الدوريات الإلكترونية، مضيفا أن الهدف منها "التضييق على حريات الأردنيين، وهي تشكل انتهاكا صارخا لحقوقهم بالتعبير عن آرائهم، وملاحقة أمنية للنشطاء، وتوسعا في محاسبة المعارضين على أفكارهم".

وتابع القطاونة، للجزيرة نت، أن وسائل التواصل المتنوعة باتت المنبر الوحيد للأردنيين للتعبير عن آرائهم بعد "مصادرة حق الأردنيين في التجمعات السلمية، ومنعهم من التظاهر للمطالبة بحقوقهم التي كفلها الدستور، واعتراضهم على تغول السلطة التنفيذية على الشعب وباقي السلطات".

وختم حديثه بالقول "لدينا أطر قانونية وتشريعات كفيلة بحماية أمن واستقرار المملكة، المطلوب الآن من السلطات محاسبة الفاسدين المتطاولين على المال العام وحقوق الأردنيين، وهذا من حق الأردنيين بدلا من مراقبتهم".

حسابات وهميّة

في المقابل يرى المحلل السياسي هايل الدعجة ضرورة عمل تلك الدوريات الإلكترونية "لمراقبة وضبط حالة الانفلات التي تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي"، خاصة أن وسائل الإعلام المتنوعة منضبطة، وأي مخالفات تتم محاسبتها بالقانون، أما وسائل التواصل "فليس لديها مرجعية قانونية لمحاسبة المسيئين عبرها للوطن وقيادته والشخصيات العامة والمس بأمنه واستقراره".

وتابع الدعجة، للجزيرة نت، أن "قضية الفتنة وأزمة النائب المفصول أسامة العجارمة أظهرتا وجود جهات تتربص بأمن الأردن واستقراره، من خلال حسابات وهمية على وسائل التواصل، ومهمة هذه الدوريات ملاحقة تلك الحسابات وضبط من يقف خلفها".

وكشفت لائحة اتهام قضية الفتنة "إنشاء آلاف الصفحات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي لتأجيج الاضطرابات وخلق فتنة داخل الأردن، موّلت تلك الحسابات وقامت على إدارتها جهات خارجية بتنسيق وإدارة من بعض المتهمين الذين تم اعتقالهم".

رجال شرطة مكافحة الشغب خلال مظاهرة سابقة عمّان (الأوروبية)

معايير غير واضحة

أما القانونية نور الإمام فترى أن عمل دوريات الجرائم الإلكترونية "غير واضح المعايير، وهي شكل جديد للتضييق على الحريات العامة للأردنيين، وتتم دون وجود معايير واضحة لآلية عملها والخلفية القانونية لها".

وتابعت، للجزيرة نت، أن أي قضية بحاجة إلى "معايير واضحة للملاحقة والتجريم، خاصة عند الحديث عن جرائم موجودة في قوانين أخرى كالعقوبات والمطبوعات والنشر وغيرها".

أما إذا كانت أداة جديدة للتجريم والملاحقة -تضيف الإمام- "فلدينا قانون الجرائم الإلكترونية مطبق ومعمول به، فلماذا الحاجة إلى هذا الإجراء الجديد، الذي من شأنه أن يؤثر على مكانة المملكة وترتيبها على مؤشرات الحريات العامة وحقوق الإنسان وحرية التعبير".

وبين رفض وقبول، يرى خبراء أن الدوريات الإلكترونية تشكل محاولة جديدة من السلطات الرسمية للسيطرة على مضمون ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي، والتحكم بالحوار وإدارة المشهد.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي