لاجئو جنوب السودان في أوغندا.. فصلتهم السياسة إلى شطرين ودفعتهم الحرب إلى جحيم اللجوء

في أبريل/نيسان الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي عن تخفيض 30% من الحصص الغذائية لجميع اللاجئين لعدم التيقن بشأن إمكانية استدامة الإمدادات، مما أسفر عن تفاقم الوضع الإنساني في ظل انتشار الوباء

مخيم بيالي للاجئين شمال أوغندا " قرب حدود البلدين "
أطفال في مخيم بيالي للاجئين شمالي أوغندا قرب الحدود مع جنوب السودان (الجزيرة)

أثار النزاع المسلح في جنوب السودان أكبر موجة لجوء أفريقي إلى أوغندا حيث نزح الآلاف من مواطني البلد الأفريقي الحديث إلى مخيمات اللجوء في شمالي أوغندا نتيجة الحرب الأهلية والصراعات المسلحة التي شهدها جنوب السودان عقب استقلاله في العام 2011 عن السودان.

وفي مطلع 2014 مع تدفق لاجئ جنوب السودان افتتحت أوغندا 4 مراكز لاستقبال اللاجئين، معظمها في شمالي غربي أوغندا قُرب حدود البلدين، بجانب معسكرات لجوء أخرى في وسط أوغندا.

وارتفع عدد اللاجئين في أوغندا في 2017 بصورة كبيرة بعد انهيار اتفاق السلام الهش الموقع بين رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت ونائبه رياك مشار في غضون شهور. وفي أغسطس/آب 2017 قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في بيانها إن عدد لاجئي جنوب السودان بلغ مليون شخص. ودعت المجتمع الدولي لتقديم دعم إضافي عاجل للاجئي جنوب السودان في أوغندا.

ونبهت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين إلى أن بيئة الحماية في أوغندا غير مواتية، حيث يواجه اللاجئون العديد من تحديات الحماية بسبب التهجير القسري وتزايد نقاط الضعف التي تفاقمت بسبب تضاؤل الموارد وعدم توفر الخدمات الاجتماعية الأساسية في المناطق المضيفة للاجئين.

وفي آخر تحديث لها أشارت المفوضية إلى أن العدد الحالي للاجئين بلغ 889 ألف لاجئ من جنوب السودان.

تحديات كورونا

شكلت التخفيضات الغذائية الأخيرة وتدابير مواجهة الجائحة تحديات إضافية للاجئين من حيث سبل عيشهم وأمنهم الغذائي، وأدى فرض العزل الصحي على مخيمات اللاجئين في أوغندا إلى تقليص فرصهم المحدودة في الحصول على دخل بديل في المجتمعات المضيفة، مما دفعهم إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية لسد احتياجاتهم الأساسية.

مخيم بيالي للاجئين شمال أوغندا " قرب حدود البلدين "
لاجئون من جنوب السودان في مخيم بيالي للاجئين شمالي أوغندا (الجزيرة)

يشرح بيتر قارانا موظف في وكالات الأمم المتحدة بمخيم بيالي (شمالي أوغندا قُرب حدود البلدين) أوضاع لاجئي جنوب السودان في المخيم، ويصفها بأنها أوضاع إنسانية سيئة. ويشير في حديثه للجزيرة نت، إلى مظهر الأطفال المأساوي، ويلفت النظر لحاجتهم إلى المأوى والعلاج والملبس.

وأوضح قارانا أن سكان المخيم ما زالوا يعانون في ظل انتشار جائحة كورونا حيث نقص الغذاء وتوقفت الأعمال الصغيرة.

وتابع أنه رغم المساعدات الدولية التي تقدمها المؤسسات والهيئات الأممية، فإنها غير كافية لسد حاجة الغذاء والمأوى.

وقالت نازحات في مخيم بيالي للجزيرة نت إن الأوضاع الإنسانية بالغة الخطورة حيث يعانين من نقص الغذاء وانتشار الأمراض، وناشدن المنظمات الحقوقية والإنسانية تقديم المساعدة لهن.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي عن تخفيض 30% من الحصص الغذائية لجميع اللاجئين لعدم التيقن بشأن إمكانية استدامة الإمدادات، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني في ظل انتشار الوباء.

 آمال العودة وصراع الموارد

وتشدد مفوضية شؤون اللاجئين في أوغندا على أن الظروف الحالية غير مواتية لتعزيز أو تسهيل العودة الطوعية بأمان وكرامة إلى جنوب السودان، وأرجعت أسباب ذلك إلى استمرار النزاع المسلح وانتهاكات حقوق الإنسان في جنوب السودان.

وتابعت في بيانها "على الرغم من توقيع الأطراف المتحاربة على الاتفاق المنشط لحل النزاع في جنوب السودان في سبتمبر/أيلول 2018 وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية في فبراير/شباط 2020، فإن الوضع لا يسمح بعودة طوعية".

في سبتمبر/أيلول 2020 أدى الصراع على الموارد إلى مقتل 10 لاجئين من جنوب السودان في مخيم عبور دزايبي شمالي أوغندا، ووقعت الاشتباكات بين لاجئي جنوب السودان والمجتمع المحلي المضيف عند نقطة مياه مشتركة.

واعتبرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أوغندا الحادث بأنه مثير للقلق، وأشارت إلى أنه لم يكن الحادث الوحيد، بل سبقته حوادث مماثلة. وقال نشطاء حقوقيون إن القتال داخل مخيمات اللجوء يؤكد ندرة الموارد في أوغندا التي تستضيف أكبر عدد للاجئين في أفريقيا.

مخاوف أمنية واقتصادية

وعبّر سكرتير اتحاد الصحفيين الأوغندي ستيف أوما عن مخاوفه من تدهور الوضع الإنساني للاجئي دولة جنوب السودان في أوغندا، وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن مخيم بيدي بيدي للاجئين في شمالي أوغندا يشهد أعمال عنف وقتل، مقرا بأن وضعه أصبح غير آمن.

وأشار إلى جهود تبذلها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتأمين الحماية فيه، وأن المخيم يضم أكثر من 250 ألف لاجئ من جنوب السودان.

ويقول أوما إن الحكومة الأوغندية فتحت أبوابها منذ سنوات عديدة، مرحبة بإيواء لاجئي دولة جنوب السودان في أوغندا.

وأضاف أوما أن الحكومة الأوغندية ظلت تقدم الدعم اللوجستي والتسجيل وإمدادات الإغاثة الغذائية والطبية والحماية من خلال مكتب رئيس الوزراء الأوغندي في كمبالا، ولم يستبعد أن يؤثر العدد الكبير للاجئين في علاقات جنوب السودان وأوغندا في المستقبل.

الصحفي المهتم بشأن جنوب السودان إسحق إدريس وصف للجزيرة نت علاقات أوغندا وجنوب السودان بالجيدة، لكنه أشار إلى عدم رضا أوغندا عن انفتاح جنوب السودان على محيطه اقتصاديا وتجاريا لأن أوغندا تعتمد في اقتصادها على التبادل التجاري بينها وبين جنوب السودان، متوقعا أن تستخدم أوغندا قضية اللاجئين ورقة ضغط  في سياساتها مع دولة جنوب السودان.

جهود مشتركة

ومع استمرار الحرب في جنوب السودان، تسعى الحكومة الأوغندية والمفوضية الأممية للحصول على مزيد من التمويل من المجتمع الدولي للتعامل مع تدفق اللاجئين وتوفير المدارس، فضلا عن الرعاية الطبية والنفسية الاجتماعية للأطفال الذين يشكلون أكثر من 60% من الوافدين الجدد.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017 عاد أكثر من 270 ألف لاجئ إلى جنوب السودان بمبادرة منهم، لكن معظم الذين لا يزالون خارج البلاد ينتظرون التأكد مما إذا كان السلام والأمن متوفرين.

وخلّف الصراع في جنوب السودان في 2016 أزمة لاجئين كبيرة في المنطقة، وتستضيف أوغندا حاليا أكثر من 1.35 مليون لاجئ، حيث ظلت على مدى أكثر من 5 عقود ملجأ للأشخاص الفارين من الحرب والاضطهاد في بلدان عديدة، بما في ذلك البلدان المجاورة لها، وهي طرف في اتفاقيات اللاجئين الرئيسية والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.

وفي سبتمبر/أيلول 2017 فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على 3 مسؤولين حكوميين بسبب الهجمات المتزايدة على المدنيين.

كما اعتمد البرلمان الأوروبي يوم 18 مايو/أيار 2017 قرارا بشأن جنوب السودان يدين الانتهاكات، بما في ذلك العنف الجنسي واستخدام الجنود الأطفال، داعيا إلى المساءلة القانونية عبر محكمة مختلطة.

المصدر : الجزيرة