صحفيو غزة يواجهون الموت بصدور عارية

الصحفي الشهيد ياسر مرتجى الذي قتله قناصة الاحتلال أثناء تغطيته مسيرات العودة الكبرى يوم الجمعة 6-4-2018
الصحفيون الفلسطينيون يعملون في بيئة محفوفة بالمخاطر (مواقع التواصل الاجتماعي)

أسعف الحظ 3 صحفيين فلسطينيين في النجاة من غارة جوية إسرائيلية شمال قطاع غزة خلال عملهم الميداني في تغطية العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ أيام.

ويقول مصور وكالة الأناضول التركية مصطفى حسونة، للجزيرة نت، إن شظايا صاروخ إسرائيلي أصاب مؤخرة السيارة وتناثرت بداخلها، ولولا أنه كان يرتدي درعًا (سترة واقية) وخوذة صدّتا عنه هذه الشظايا لما بقي حيًّا، في حين أصيب زميله محمد العالول في ساقيه، وأصيب سائق المركبة أيضًا بجروح في جسده.

ونقلت "لجنة دعم الصحفيين" -ومقرّها سويسرا- عن الصحفي في "وكالة فلسطين اليوم" داود أبو الكاس أن ستراتهم الواقية حمتهم من إصابات بليغة محتملة كان يمكن أن تودي بحياتهم.

صحفيون "عراة" من وسائل الحماية

عدد محدود من صحفيي غزة الذين يعملون لمصلحة وكالات أنباء عالمية وشبكات تلفزة مرموقة، يملكون أدوات الوقاية والسلامة، في حين أن كثرة منهم يعملون في ظل ظروف غير آمنة وتمثل تهديدًا حقيقيًا على حياتهم.

وتمنع إسرائيل توريد هذه الأدوات إلى قطاع غزة ضمن قائمة كبيرة من السلع التي تصنفها مواد مزدوجة الاستخدام وتدّعي أنها تخشى وصولها إلى المقاومة.

وأكد حسونة أن ارتداء الصحفي وسائل الحماية يقيه إلى حد كبير من مخاطر كثيرة خلال عمله في الميدان أوقات الحروب والتوتر، غير أنه يجزم بأن هذه الحماية ليست بمنزلة "حصانة تامة"، ويقول إنه "ليس هناك محرمات لدى الاحتلال، وقد استهدف سيارتنا رغم أنها مميزه من كل الاتجاهات بكلمة صحافة باللغتين العربية والإنجليزية".

وأضاف "كان المكان مرعبًا، وطلبت من السائق السير بسرعة للابتعاد وكنت أستشعر الخطر، وإذا بصاروخ يصيب طرف مؤخرة السيارة، ولو كنا نسير بسرعة أقل لكان أصابنا إصابة مباشرة وقاتلة".

تقلل الخطر ولا تمنعه

وأكد مدرب السلامة المهنية لدى الاتحاد الدولي للصحفيين سامي أبو سالم، للجزيرة نت، أن الدرع والخوذة وأدوات السلامة الأخرى مهمة لكل صحفي يعمل في الميدان، فهي تقلل الخطر الذي قد يكون عرضة له.

وقال "ليس معنى أنها تقلل الخطر أنها تحمي الصحفي في كل الأوقات ومن كل المخاطر، ففي مثل الواقع الحالي الذي تعيشه غزة من قصف وغارات بالقذائف والصواريخ لا توفر هذه الأدوات حماية كاملة للصحفي لكنها تبقى ضرورية ومهمة".

وضرب أبو سالم مثالًا بالصحفي الشهيد ياسر مرتجى الذي كان يرتدي درعًا مميزة بشارة الصحافة، عندما استهدفته قوات الاحتلال بعيار ناري أصابه في بطنه، في أثناء تغطيته ذكرى "يوم الأرض" ضمن فعاليات "مسيرات العودة" عام 2018.

كذلك استشهد فضل شناعة مصور وكالة "رويترز" العالمية عام 2008 عندما أصابت قذيفة دبابة إسرائيلية سيارة تميزها علامات الصحافة وسط قطاع غزة، وقال أبو سالم إن "فضل كان يتخذ حينئذ كل إجراءات الأمن والسلامة ويرتدي درعًا وخوذة".

وفي مثل حالة الصحفي حسونة، يقول أبو سالم إن الدرع والخوذة كان لهما الفضل في حمايته من شظايا كانت ستشكل خطرًا حقيقيًا على حياته.

وأضاف "في كل الأحوال من الأفضل للصحفي أن يرتدي هذه الأدوات التي تحميه من بعض المخاطر، وتميزه عن غيره في الميدان، وتضمن حقوقه لدى شركات التأمين التي لا تعترف بأي صحفي لم يكن يرتديها وقت وقوع الإصابة".

وبصفته مدربًا دوليًّا للسلامة المهنية ينصح أبو سالم الصحفيين ممن لا يمتلكون وسائل الحماية بتقليل تحركهم في الميدان، والبقاء قدر الإمكان في أماكن أقل خطرًا، على اعتبار أنه لا يوجد مكان آمن تمامًا في غزة، وبرأيه فإن "هذا يقلل من جودة العمل والقدرة على الكشف عن الحقائق، ولكن سلامة الصحفي أهم من أي خبر".

قيود إسرائيلية

وفي ظل عدم توفر هذه الأدوات في السوق، يلجأ صحفيون يعملون لدى وسائل إعلام محلية، أو غير المحسوبين على وسيلة محددة (Freelancers) إلى خياطين لحياكة سترات تشبه الدروع ومميزه بكلمة صحافة لكنها ليست واقية ولا توفر أي حماية.

وينجح عدد محدود من الصحفيين في الحصول على وسائل سلامة مهنية من زملائهم الأجانب ممن يجلبونها معهم في أثناء زياراتهم إلى غزة عبر معبر بيت حانون (إيرز) الخاضع للسيطرة الإسرائيلية.

وفي حين يراوح ثمن أدوات الحماية للصحفي خارج غزة نحو ألفي دولار أميركي، فإن سعرها قد يبلغ 5 آلاف دولار إذا توفرت لدى أحد ورغب أن يبيعها.

وقال نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين الدكتور تحسين الأسطل، للجزيرة نت، إن إسرائيل تضع قيودًا على الصحفيين الأجانب وتدفعهم للتوقيع على تعهدات بالعودة بهذه الوسائل بعد انتهاء مهمتهم في غزة لكن كثيرا منهم يتركها لزملاء فلسطينيين من منطلق التعاطف، ويتحملون مسؤولية التخلص من التعهد بطريقتهم عند المغادرة.

وأكد أن النقابة لم تنجح في مرات سابقة في إدخال هذه الوسائل إلى غزة، جراء الرفض التام من جانب إسرائيل، ليبقى الصحفي في غزة يواجه مصيره في الميدان، ويظل الخطر يتهدد حياته.

وحسب الأسطل فإن الصحفيين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس لا يواجهون هذه المشكلة، وحصولهم على وسائل الحماية أسهل بكثير مما هو عليه الحال في غزة لكنهم في الوقت نفسه ليسوا في مأمن من الاستهداف والاعتداءات الإسرائيلية التي تنتهج سياسة كمّ الأفواه وتغييب الحقيقة.

المصدر : الجزيرة