نعته الطبقة السياسية والأسرة الحقوقية.. الجزائر تودع عميد الحقوقيين علي يحيى عبد النور

انخرط عبد النور في مهنة المحاماة سنة 1983 ليؤسس أول رابطة جزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، واشتهر بالدفاع عن الإسلاميين خلال عشرية المأساة مدافعا عن المصالحة والحل السلمي.

علي يحي عبد النور مؤسس أول رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر
علي عبد النور مؤسس أول رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان بالجزائر (غيتي إيميجز)

"الرئيس الأبدي يرحل عنّا للأبد، كان روح قضايا حقوق الإنسان في الجزائر وفي المنطقة المغاربية والوطن العربي، مساهماته لجعل الكرامة الإنسانية في قلب العمل السياسي ستبقى خالدة في ذاكرة الجزائريين والجزائريات".

بتلك الكلمات التأبينيّة، نعت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان مؤسسها، المحامي علي يحيى عبد النور، والذي وافته المنّية صباح الأحد عن عمر ناهز مئة عام، قضاها في نصرة المظلومين حتى نال لقب عميد الحقوقيين في الجزائر.

وفي أجواء مهيبة لبّدها الحزن، شيع عصر أمس الاثنين آلاف الجزائريين الرجل إلى مثواه الأخير بمقبرة بن عكنون، غرب العاصمة، بحضور رسميين وسياسيين وحقوقيين، ناهيك عن عموم المواطنين، وقد اجتمعت في جنازته كل أطياف اللون الجزائري من أقصى اليمين واليسار.

وتوجّه الرئيس عبد المجيد تبون برسالة تعزية، مشيدا فيها بمسار الراحل النضالي الطويل في صفوف الحركة الوطنية وثورة التحرير "المجيدة" وخدمته للجزائر المستقلة.

وقال صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) "برحيل السّي عبد النور، تفقد الجزائر قامة حقوقية وقيمة إنسانية ومجاهدا مخلصا التحق منذ نعومة أظافره بالجهاد الأكبر".

المناضل علي عبد النور.. من هو؟

وُلد علي عام 1921 بولاية تيزي وزو في منطقة القبائل، وبدأ مشواره كمدرس، قبل الانضمام إلى صفوف حزب الشعب الجزائري ثمّ حركة انتصار الحريات الديمقراطية خلال الأربعينات من عهد الاستعمار الفرنسي.

وكان من الفاعلين في إضراب جبهة التحرير الوطني عام 1956، بصفته عضوا في نقابة المعلمين، مما أدى إلى وضعه رهن الإقامة الجبرية إلى عام 1960.

وترأّس بعد الاستقلال الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ليُنتخب نائبًا بالمجلس التأسيسي، قبل تعيينه سنة 1965 وزيرا للأشغال العمومية ثم الفلاحة، لكنه استقال من المنصب الحكومي عام 1968.

وانخرط عبد النور في مهنة المحاماة سنة 1983، ليؤسس أول رابطة جزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ورغم عدم الاعتراف بها رسميّا فإنه عام 1989 فقد كانت أهم محطة حقوقية في حياته.

كما اشتهر بالدفاع عن الإسلاميين خلال عشرية المأساة، مُدافعًا عن المصالحة والحل السلمي لأزمة الجزائر، حيث ألّف كتابين في القضية، الأول بعنوان "الجزائر: أسباب وحماقة حرب" سنة 1996، والثاني "كرامة إنسان" عام 2007، قبل تكريمه في ديسمبر/كانون الأول 2020 بجائزة حقوق الإنسان في الجزائر.

الجزائر حزينة

وخلّف خبر وفاته تفاعلاً واسعًا وسط الطبقة السياسية والأسرة الحقوقية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب المدون نسيم ياسع على صفحته في "فيسبوك" يقول إن برحيله "تكون صفحة مسار نضال حقوقي قد طُوِيت لتترك وصايا لمختلف الأجيال من أجل تكريس دولة الحقوق القانون والحريّات".

وأضاف "علي يحيى عبد النور من أولئك الذين وُجِدوا للنضال باختلاف الأزمنة والأوضاع خلال قرن كامل من الحياة".

كما غرّد الناشط الإسلامي عبد المنعم شيتور "الثوري المقاوم هو أول محامي وصل لمشايخ الجبهة الإسلامية للإنقاذ عند اعتقالهم، ولم يتوقف عن الدفاع والذود عن الكثير من إخواننا".

أحمد بن محمد كُره تعسف النظام دفع الفقيد للتخلى عن المناصب الحكومية ونصرة حقوق الإنسان (الجزيرة)
أحمد بن محمد: كُره تعسف النظام دفع الفقيد للتخلي عن المناصب الحكومية ونصرة حقوق الإنسان (الجزيرة)

أمّا المحامي عبد الغاني بادي، وهو من أبرز وجوه الجيل الحقوقي الجديد بالجزائر، فقد وصف الفقيد بأنه "قامة من قامات النضال الحقوقي لما يقارب 8 عقود من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان".

وأكد في تصريح للجزيرة نت أن الراحل ليس فقط رمزا وطنيّا، بل ساهم في كثير من القضايا العادلة عبر العالم منذ الأربعينيات، من أجل تجسيد مغرب الشعوب.

كما تبنّي كل القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان دون أي انتقائية، إذ "علّمنا رحمه الله أنّ حقوق الإنسان لا لون ولا توجه لها، لأن كرامته أغلى من كل شيء".

الإنسان قبل كل شيء

من جهة أخرى، شدد الدكتور أحمد بن محمد، رئيس حزب الجزائر المسلمة المعاصرة (غير المعتمد منذ عام 1991) على أنّ عبد النور كان يكره تعسف النظام، لذلك تخلى عن المناصب الحكومية، ليشتغل على حقوق الإنسان لاسيما بعد أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 الأليمة.

وشهِد في تصريح للجزيرة على أنّ لسان حاله كان يقول "التضحية لا لون لها، سواء كان الشخص علمانيّا أم إسلاميا أم وطنيا أم مهموما ثقافيا".

وأكد على "دوره الكبير في لقاء سانت إيجيديو بروما مطلع 1995، مع أطراف أخرى في العقد الوطني، حيث شكّل محاولة تاريخية لإطفاء النيران أيام الاقتتال الأرعن بين الجزائريين خلال التسعينيات".

كما برز في مركز مبادرة أخرى (2009/2010) استهدفت وقف إراقة الدم الجزائري ومُباشرة حل سياسي لإخراج البلاد من محنتها، ولأكثر من سبب لم تتوج النيات الحسنة بنتيجة ملموسة رغم إعادة بعثها خلال عام 2016/2017، وفق شهادة بن محمد.

غصّة الحريّة

من جانبه، اعتبر المحامي مصطفى بوشاشي، الرئيس السابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أنّ "الجزائر فقدت بوفاة علي يحيى عبد النور أحد رموزها الذين وهبوا حياتهم من أجل الحريات والحقوق".

وقال في تصريح للجزيرة نت إنّ الرجل مجاهد كافح في سبيل تحرير الوطن، وهو من القلائل الذين واصلوا نضالهم لتمكين دولة القانون والديمقراطية بعد الاستقلال.

مصطفى بوشاشي تميز المرحوم عن غيره بعدم الانتقائية و دافع عن كل المستضعفين والمظلومين دون تمييز (الجزيرة)
مصطفى بوشاشي: تميز عبد النور عن غيره بعدم الانتقائية ودافع عن كل المستضعفين والمظلومين دون تمييز (الجزيرة)

وأكد تميّزه عن غيره من الرفاق بعدم الانتقائية الأيديولوجية، حيث دافع عن كل المستضعفين دون تمييز، خاصة في عشرية التسعينيات، عندما "ألغى النظام السياسي المسار الانتخابي وزجّ بقيادات جبهة الإنقاذ في السجون، ثم حلّ الحزب نفسه عام 1992".

حينها ترافع الرجل لصالح شيوخ الإنقاذ، وضدّ حظر "الجبهة" مما رسّخ صورته كمناضل يرفض تجزئة حقوق الإنسان، والكلام لبوشاشي.

وجدّد بوشاشي شهادته بكون عبد النور المؤسس التاريخي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، مما عرّضه للاعتقال والتضييق في عهد الأحادية، كما تكفّل قبل إنشاء الهيئة بالقضايا الحقوقية للمواطنين بصفته محاميًا.

ولم يقتصر نضاله فقط على الحقوق والحريات، بل تقدّم في كل محطات المعارضة والمبادرات الوطنية ضد النظام السياسي، مما جعل مساره متكاملا، لذلك تأسف بوشاشي عن رحيل رفيقه وفي قلبه غصّة، دون أن يفرح برؤية الجزائر كما حلم بها.

وأوصى شباب الحراك بجعل مساره نبراسًا في النظر إلى جميع الجزائريين على أنهم سواسية، ولا اختلاف بينهم، عندما يتعلّق الأمر بحقوقهم الأساسية.

المصدر : الجزيرة