قوانين إسرائيلية جديدة لقمع الأسرى والتنكيل بفلسطينيي 48

يعتقد أحد الكتاب أن السلوك السياسي لبعض الأحزاب والأعضاء العرب في الكنيست أسهم في الدفع بقوانين عنصرية تستهدف حقوق العرب في الداخل، وتؤيد قمع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال

مبادرات عربية لوقف حملة التحريض الإسرائيلية على فلسطينيي 48
فلسطينيان من الداخل يحملان يافطة بالعربية والعبرية تطالب بوقف حملة التحريض الإسرائيلية على فلسطينيي 48 (الجزيرة)

القدس المحتلة- صادق الكنيست الإسرائيلي، فجر الثلاثاء، بالقراءة الأولى، على 3 قوانين تستهدف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وتزيد من الممارسات العنصرية تجاه فلسطينيي 48، وتمسّ كذلك بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، عبر توسيع صلاحيات جيش وشرطة الاحتلال من أجل تحقيق "أهداف أمنية قومية" لإسرائيل.

وتبلورت فكرة تشريع هذه القوانين عقب ما عُرف بـ"هبة الكرامة" في مايو/أيار الماضي نصرة للقدس وحي الشيخ جرّاح، وبعد هروب 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع في سبتمبر/أيلول الماضي.

كما جاءت هذه القوانين بعد فشل الشرطة الإسرائيلية في مكافحة العنف وانتشار السلاح والجريمة بالمجتمع العربي بالداخل، حيث بلغت حصيلة القتلى العرب -فلسطينيي 48- منذ مطلع 2021 وحتى اليوم 105 بينهم 15 امرأة.

وفي جوهرها، تحظى هذه القوانين بإجماع حزبي إسرائيلي، لكن الانقسام في التصويت والمصادقة عليها بفارق صوت واحد، يعكس حالة الإرباك بالمشهد السياسي الإسرائيلي.

وتأتي هذه القوانين ضمن سباق محموم بين الأحزاب الإسرائيلية وصراعاتها الداخلية لقيادة معسكر اليمين، وذلك من خلال تثبيت الائتلاف الحكومي برئاسة نفتالي بينيت أو محاولة إسقاط الحكومة والتوجه إلى انتخابات برلمانية بغية إعادة بنيامين نتنياهو إلى كرسي رئاسة الوزراء.

فلسطينيو 48 يصعدون بالمظاهرات المنددة بالعنصرية وجرائم "تدفيع الثمن"
فلسطينيو 48 في مظاهرات منددة بالعنصرية وجرائم الاحتلال بحقهم (الجزيرة)

اقتحام بلا أوامر

وسرّع احتدام الصراع الداخلي بمعسكر اليمين الإسرائيلي تشريع المزيد من القوانين العنصرية والتمييزية ضد الفلسطينيين. وتحت ذريعة مكافحة العنف والجريمة وفقدان السيطرة على الأمن الداخلي في ظل فوضى السلاح بالبلدات العربية، صادق الكنيست على قانون يسمح للشرطة الإسرائيلية بإجراء تفتيش دون أمر صادر عن المحكمة كما هو معمول به وفقا لأنظمة القانون الجنائي.

ويتيح التعديل على القانون الجنائي الذي بادر إليه وزير القضاء جدعون ساعر، وصودق عليه بأغلبية 60 ومعارضة 58 من أعضاء الكنيست، المجال للشرطة الإسرائيلية وجيش الاحتلال اقتحام البيوت العربية، ومنحهم صلاحيات تفتيشها دون أمر من المحكمة.

وتحت ذريعة الحفاظ على "الأمن القومي" وتعزيز أهداف أمنية إسرائيلية، صودق على بند يتيح للجيش الإسرائيلي إرسال قوات معززة خاصة للشرطة ومكتب رئيس الحكومة والوزارات، وذلك في سياق تأدية مهام مدنية بموجب ما أسماه القانون "خدمة أهداف أمنية قومية"، على أن يتم العمل بهذا القانون حتى نهاية عام 2024.

تعزيز قمع الأسرى

وفي سياق الانتقام من الأسرى عقب الهروب من سجن جلبوع، وبحسب تصريح رئيس الوزراء بينيت، ينص تعديل قانوني جديد على تعزيز مصلحة السجون بجنود من الجيش الإسرائيلي، بموجب قانون "خدمات الأمن".

ويهدف التعديل على القانون إلى تضييق الخناق على الأسرى الفلسطينيين، وإضفاء شرعية على قمعهم، وسلب أبسط حقوقهم، حيث صودق عليه بأغلبية 60 عضوا مقابل 59، إذ عارضته القائمة العربية المشتركة، فيما دعمه نواب القائمة الموحدة ونواب عرب في أحزاب إسرائيلية داعمة للائتلاف الحكومي برئاسة بينيت.

وبموجب البند رقم (9) بقانون "خدمات الأمن"، سيتم توسيع صلاحيات العمل بأمر يجيز تعزيز مصلحة السجون بجنود من وحدات قتالية وأفراد وحدات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي، على أن يتم العمل بهذه التعديلات حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024.

المحامي فؤاد سلطاني: القوانين انتقاما من الأسرى وترويع للفلسطينيين بالداخل
المحامي فؤاد سلطاني: القوانين الجديدة تأتي انتقاما من الأسرى ولترويع فلسطينيي الداخل (الجزيرة)

بلا رقابة ولا مرجعية قانونية

واستعرض عضو مجلس إدارة المركز الحقوقي (عدالة)، المحامي فؤاد سلطاني، الهدف من التعديلات على القوانين التي تطال فلسطينيي 48 وتسلب حقوقهم الأساسية، والتستر على تقاعس الشرطة الإسرائيلية مع عصابات الجريمة المنظمة وفوضى السلاح.

وحذر سلطاني، في حديثه للجزيرة نت، من تداعيات التعديلات على القانون الجنائي تحت ذريعة "مكافحة العنف والجريمة" في البلدات العربية، مشيرا إلى أن ذلك سيطلق العنان لأفراد الشرطة باقتحام المنازل والمؤسسات والمحال التجارية العربية دون أمر محكمة ودون أي رقابة أو مرجعية قانونية.

ولا يستبعد المحامي إمكانية أن يوظف تعديل القانون الجنائي من أجل الانتقام من المواطنين العرب وإرهابهم، سواء بسبب مواقفهم السياسية أو نشاطهم المجتمعي وفعالياتهم الوطنية، بحيث سيتم اقتحام البلدات العربية ومنازلها بحسب مزاج وأهواء عناصر الشرطة.

وقال سلطاني إن الأقلية العربية بالداخل (الأراضي المحتلة عام 1948) لا تثق أصلا بالشرطة الإسرائيلية التي تتعامل مع فلسطينيي 48 كأعداء، حيث قُتل 70 شابا منذ الانتفاضة الثانية (عام 2000) برصاصها، دون أن يُقدم عناصرها الضالعون بالقتل للمحاكمة.

وشكك سلطاني في جدوى ونجاعة التعديلات القانونية في وقف جرائم القتل بالبلدات العربية، أو وقف فوضى السلاح فيها، حيث يُقدّر عدد قطع السلاح غير المرخصة بنصف مليون. وأكد أن "هذه التعديلات توسع صلاحيات الشرطة لاستهداف العرب ليس بالحيز العام فقط، بل بالحيز الخاص وانتهاك خصوصياتهم وحرمة بيوتهم بذريعة مكافحة العنف والجريمة".

لكن في الوقت ذاته، يقول سلطاني إن هذه القوانين تأتي في سياق صراعات داخلية لدى أحزاب اليمين، ويتم تمريرها بدعم من نواب القائمة الموحدة وأعضاء كنيست عرب من أحزاب إسرائيلية، "وهو ما يشكل صفعة لفلسطينيي 48 وطعنة بالظهر للأسرى".

وقفة احتجاجية ببلدة باقة الغربية بالداخل الفلسطيني تنديدا باستباحة الدم الفلسطيني والتشريعات العنصرية الإسرائيلية
وقفة احتجاجية ببلدة باقة الغربية بالداخل الفلسطيني تنديدا باستباحة الدم الفلسطيني والتشريعات العنصرية الإسرائيلية
(الجزيرة)

مسؤولية الأحزاب العربية

ويعكس المصادقة على هذه القوانين والمبادرة لمشاريع قوانين مثيرة للجدل، السلوك السياسي للأحزاب العربية التي تشارك بانتخابات الكنيست الإسرائيلية وسلوك العرب في الداخل ممن لا يقاطعونها، بحسب الناشط بالحركة الوطنية الكاتب الصحفي سليمان أبو إرشيد.

وأوضح أبو إرشيد للجزيرة نت، أن ما نشهده من تناحر وانقسام ودعم عربي لهذا المعسكر الإسرائيلي أو ذاك، ليس وليد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وأن من شق هذا النهج كان القائمة المشتركة منذ انطلاقتها الأولى في عام 2015.

ويعتقد الناشط بالحركة الوطنية أن المشتركة غيّبت القضية الفلسطينية على حساب خطاب "الإنجازات الآنية"، وهو النهج الذي تعاطت معه كافة الأحزاب العربية الممثلة بالكنيست، مؤكدا على ضرورة أن تنطلق قيادة عربية تحظى بإجماع من أجل كبح نهج القائمة العربية الموحدة، ودعمها المطلق للائتلاف الحكومي.

ويرى إرشيد أن نهج الموحدة والمشتركة -القائمتين العربيتين في الكنيست- والاستعداد لتقديم التنازلات مقابل إسقاط بنيامين نتنياهو أو دعم الائتلاف الحكومي برئاسة نفتالي بينيت، خلق حالة يتم استغلالها الآن بتشريع قوانين مثيرة للجدل وحتى عنصرية وتمييزية ضد الشعب الفلسطيني، بموافقة بعض العرب في الكنيست.

المصدر : الجزيرة