الأطفال يموتون جوعا في مستشفى يمني تعصف به تخفيضات التمويل الأميركية

طفل يمني يعاني سوء التغذية يحمله أحد العاملين بمستشفى في منطقة أسلم شمال غرب محافظة حجة (الفرنسية-أرشيف)

قلّصت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والدول الغربية الأخرى من المساعدات الموجهة إلى اليمن، وذلك بهدف منع الحوثيين من تحويل الأموال أو تجميدها، لكن نقص الأموال يتسبب في تفاقم أكثر الأزمات الإنسانية خطورة في العالم.

في تقريرهما الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post) الأميركية، يسلط الكاتبان علي المجاهد وسدارسان راغافان الضوء على مستشفى ريدة اليمني، الذي يعاني من نقص التمويل. وقد تكفلت منظمة "أنقذوا الأطفال" الخيرية الأميركية التي تتلقى أموالا من الحكومة الأميركية، ذات مرة بدفع معظم الرواتب والأدوية والمكملات الغذائية ومعدات النظافة وخدمة الإسعافات الأولية.

لكن حسب مدير المستشفى العام عبد الله صالح التام "كل ذلك توقف منذ مارس/آذار الماضي. ونتيجة لذلك، تدهورت الأوضاع هنا في الأشهر القليلة الماضية".

ونقل الكاتبان عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن أن تعهدات تمويل العام الماضي التي بلغ مجموعها 1.61 مليار دولار، تمثل نصف التمويل المقدم في 2019، علاوة على أن مئات الملايين من الدولارات التي كان قد تعهد بها المانحون لم يتم الوفاء بها بعد.

وحسب مسؤولي الأمم المتحدة، تم تقليص أو إلغاء ما لا يقل عن 15 برنامجا رئيسيا من أصل 41 برنامجا تابعا للمنظمة، مع احتمال إلغاء المزيد في الأشهر المقبلة إذا لم يتوفر التمويل.

وتخشى جماعات الإغاثة أن تشتد الأزمة إذا واصلت إدارة ترامب تنفيذ خططها بتصنيف الحوثيين المتحالفين مع إيران منظمة إرهابية أجنبية، وذلك من أجل ممارسة الضغط على إيران. وهذا الأمر سيمنع العديد من منظمات الإغاثة الغربية، التي تشعر بالقلق إزاء الملاحقة القضائية لما قد يعتبر دعما للجماعة المسلحة، من العمل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون حيث يعيش معظم اليمنيين. وقد يدفع التصنيف أيضا الحوثيين لاتخاذ إجراءات انتقامية ضد جماعات الإغاثة، وتقويض الجهود المبذولة لمساعدة ملايين اليمنيين، حسب مقال الكاتبين.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد صرح في بيان صدر مؤخرا بأن تخفيضات التمويل تأتي في وقت "يواجه فيه اليمن خطرا محدقا لأسوأ مجاعة شهدها العالم منذ عقود"، محذرا من "خسارة ملايين الأرواح ما لم يتم القيام بتحرك فوري".

ولعل ذلك ما أكد عليه أيضا رئيس مكتب الأمم المتحدة الإنساني في اليمن آيدان أوليري بقوله إن نقص التمويل قد يؤدي إلى تعليق المساعدات الغذائية الطارئة لخمسة ملايين شخص، وإيقاف الرعاية الصحية الأساسية لتسعة ملايين شخص، بما في ذلك أكثر من نصف مليون طفل يعانون من سوء التغذية.

الحاجة للمساعدات الملحة

ووفقا لعمال الإغاثة، فإن انهيار الاقتصاد المتسارع في اليمن، وغزو الجراد، والفيضانات المدمرة، وانتشار فيروس كورونا، قد فاقمت المشاكل الإنسانية. وفي هذا الإطار، أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" (UNICEF) بأن أكثر من 24 مليون يمني، أي ما يقرب من 80% من السكان، في حاجة إلى مساعدات إنسانية، بما في ذلك أكثر من 12 مليون طفل.

وقالت منظمة أوكسفام (Oxfam) إن نصف المرافق الطبية مدمرة أو معطلة. كما أثرت الكوليرا وحمى الضنك وأمراض أخرى على أجهزة المناعة لدى الملايين، مما جعلهم أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا.

وفي مارس/آذار الماضي علقت إدارة ترامب ما لا يقل عن 73 مليون دولار من المساعدات بعد اتهام الحوثيين بتحويل الأموال وتجميدها، وحذا المانحون الغربيون حذو إدارة ترامب. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجدت دراسة أجرتها اليونيسف أن معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة في بعض مناطق اليمن كانت الأعلى تاريخيا.

المتحدث الأميركي

دافع متحدث باسم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (الهيئة المانحة للحكومة الأميركية) عن تخفيض مساعداتها، قائلا إن الولايات المتحدة ما زالت أكبر مانح لليمن، على الرغم من التخفيضات. وأضاف المتحدث باسم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بوجا جونجونوالا أن الحكومة الأميركية "تظل ملتزمة بتقديم المساعدة للمجتمعات الأشد ضعفا في اليمن".

وفقا لبيانات الأمم المتحدة، فإن مساهمة الولايات المتحدة في عام 2020 البالغة 530 مليون دولار تعادل حوالي 60% من مساهمتها لعام 2019. لكن جونجونوالا زعم أن بيانات الحكومة الأميركية، التي تستند للسنة المالية وليس السنة التقويمية، تظهر انخفاضا بنسبة 15%.

مصير مجهول

إن إمكانات مستشفى ريدة اليمني لا ترقى لإمكانات مستشفى متكامل، إلا أنه يستقبل المرضى من جميع أنحاء المنطقة. وقد تكفلت منظمة "أنقذوا الأطفال" الخيرية الأميركية التي تتلقى أموالا من الحكومة الأميركية، ذات مرة بدفع معظم الرواتب والأدوية والمكملات الغذائية ومعدات النظافة وخدمة الإسعافات الأولية. لكن حسب مدير المستشفى العام عبد الله صالح التام "كل ذلك توقف منذ مارس/آذار الماضي. ونتيجة لذلك، تدهورت الأوضاع هنا في الأشهر القليلة الماضية".

وأضاف التام أن مرضى الأمراض المزمنة لا يستطيعون اليوم إيجاد الأدوية الأساسية لأمراض الجهاز التنفسي والإسهال وسوء التغذية، حيث قال "حتى الأشخاص ميسورو الحال بدأت تظهر عليهم علامات سوء التغذية. ولا يقتصر الأمر على الأطفال فحسب، بل يشمل النساء الحوامل والمرضعات أيضا".

في عام 2019، وصلت مساعدات منظمة "أنقذوا الأطفال" إلى 1.2 مليون بالغ وطفل في جميع أنحاء شمالي اليمن، بما في ذلك المنطقة التي يقع فيها مستشفى ريدة. أما في العام الماضي، فقد أجبرت تخفيضات التمويل هذه المؤسسة الخيرية على تقليل الدعم الغذائي لحوالي 21 ألف أسرة.

من جهتها، قالت كريمة المآخذي، ممرضة في مستشفى ريدة متعاقدة مع منظمة "أنقذوا الأطفال"، إن هناك العديد من الأشخاص غير القادرين على تحمل تكاليف الرحلة إلى المستشفى. كما أكد مدير المستشفى أنه "في أكتوبر/تشرين الأول الماضي توفي 6 أو 7 أطفال لأن أسرهم لم تستطع تحمل تكاليف نقلهم إلى المستشفى، كانوا جميعهم تحت سن الخامسة. وفي الآونة الأخيرة، اضطررنا إلى رفض استقبال الآباء والأمهات الذين كان أطفالهم بحاجة إلى الطعام عندما نفدت الإمدادات".

الموت في المنزل

سلط الكاتبان الضوء على حكاية هند القرة البالغة من العمر 18 عاما، التي جاءت بابنتيها التوأم الرضيعتين إلى مستشفى ريدة قبل عدة أشهر لمعاناتهما من سوء تغذية حاد وإسهال. وكانت حالة إحداهما شديدة لدرجة أن مدير قسم التغذية في المستشفى منصور مطر نصح بنقلها إلى مستشفى أكبر في عاصمة المقاطعة، لكن إمكانات الأسرة لم تسمح بذلك.

لذا قام مطر وموظفو المستشفى الآخرون بجمع الأموال لدفع ثمن الأدوية والمكملات الغذائية، وأجرى زيارات متابعة إلى منزل الأسرة، وبفضل ذلك لا تزال الطفلتان على قيد الحياة. لكن عددا لا يحصى من الأطفال الرضع لا ينجون، وبالتحديد في المناطق النائية حيث أصبح الوصول إلى مرفق صحي عبئا ماليا هائلا.

المصدر : واشنطن بوست