القانون ينتصر لابنة أحمد وزينب.. فمن يعيد حقوق أطفال مصر ضحايا السيسي؟

من فيديو المقلب الذي نفذه أحمد حسن وزوجته زينب في ابنتهما الصغيرة إيلين والذي تسبب بذعرها (مواقع التواصل)

لم تمض أيام قليلة على اهتمام النظام الحاكم في مصر بقضية "ترويع" طفلة صغيرة بواسطة والديها، حتى عاد ذلك النظام إلى إظهار وجهه القبيح باعتقال عشرات الأطفال، في استمرار لانتهاكات مروعة طالت آلاف الأطفال بدأت منذ الانقلاب العسكري عام 2013 ولم تنتهِ حتى اليوم.

بداية القصة كانت عبر مقطع مصور نشره صانع المحتوى (يوتيوبر) أحمد حسن وزوجته زينب أثناء تنفيذهما "مقلبا" في ابنتهما الصغيرة إيلين تسبب في شعورها بالذعر، ولقي انتقادات واسعة على مواقع التواصل.

لكن المثير للدهشة كان الاهتمام غير المسبوق للمجلس القومي للطفولة والأمومة (حكومي) ووزارة التضامن وتقدمهما ببلاغات رسمية ضد الزوجين تطالب بمعاقبتهما، بينما انبرت وسائل الإعلام التابعة للسلطة في التنديد بترويع الطفلة الصغيرة.

ولم تتأخر النيابة العامة في الاستجابة للبلاغات وأمرت بالقبض على أحمد وزينب ووجهت لهما اتهامات الاتجار في البشر (تصل عقوبتها للسجن المؤبد) وتعريض حياة طفلة للخطر، وبعد حبسهما 4 أيام تم إطلاق سراحهما بكفالة مالية كبيرة، في انتظار إحالتهما للمحاكمة.

الرحمة الزائفة

اهتمام السلطة ومؤسساتها وإعلامها بالطفلة أثار علامات استفهام كبيرة ولاسيما أن سجل النظام الحاكم حافل بانتهاكات واسعة ضد آلاف الأطفال، بتأييد وتحريض من الإعلام الموالي، وصمت مطبق من مؤسسات حقوق الطفل الرسمية والجهات القانونية.

وفسر مراقبون اهتمام السلطات بأنه محاولة لتجميل سجل حقوق الأطفال المتردي في مصر، فضلا عن استغلال القضية لشغل الرأي العام عن تظاهرات 20 سبتمبر/أيلول التي كان يجري الدعوة لها، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية وعمليات هدم منازل المواطنين.

وما أن جاء يوم 20 سبتمبر/أيلول وبدأت الاحتجاجات في محافظات عدة تطالب برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي، حتى نفض النظام عن نفسه مظاهر الرحمة الزائفة بالأطفال، وبدأ في اعتقال العشرات منهم على خلفية التظاهرات.

 

ووثق مركز بلادي للحقوق والحريات اعتقال 39 طفلا تتراوح أعمارهم بين 11-17 عاما، والتحقيق معهم بنيابة أمن الدولة العليا، على خلفية تظاهرات حراك سبتمبر.

وقال المركز الحقوقي يوم الأحد إن النيابة أصدرت قرارات بحبس جميع الأطفال على ذمة القضية رقم 880 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، باستثناء طفلين من النوبة أمرت النيابة بتسليمهما لذويهما، بعد توعد الأهالي بالتصعيد إن لم يفرج عنهما.

وفي وقت لاحق، اتضح أن أعداد الأطفال المعتقلين كانت تفوق بكثير ما استطاعت المنظمات الحقوقية توثيقه، بعدما أعلنت النيابة العامة إخلاء سبيل 68 طفلا من المقبوض عليهم ضمن الأحداث الأخيرة، دون توضيح ما إذا كان هناك المزيد من الأطفال قيد الاعتقال على ذمة هذه القضية.

انتهاكات مروعة

ويحفل سجل نظام السيسي منذ الانقلاب بقائمة طويلة من الانتهاكات المروعة بحق أطفال مصر تشمل عمليات قتل وتعذيب، واعتداءات جنسية، واختفاءات قسرية، ومحاكمات عسكرية وأحكاما بالسجن لسنوات طويلة وحتى أحكاما بالإعدام وثقتها عشرات التقارير الحقوقية الدولية والمحلية المستقلة.

في مارس/آذار الماضي أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة "بلادي – جزيرة الإنسانية" الحقوقية تقريرا يندد بالاختفاء القسري وأعمال التعذيب التي يتعرض لها الأطفال القُصّر من قِبل قوات الأمن المصرية، وغض النيابة والقضاة البصر عن القضية.

ووثق التقرير مأساة 20 طفلا تعرضوا للاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب وصدرت ضدهم أحكام بالسجن، وكان أصغرهم الطفل السيناوي عبد الله بومدين الذي لم يكن عمره يتجاوز 12 عاما، عندما وقع ضحية اختفاء قسري لمدة 6 أشهر في شمال سيناء، رغم معاناته من إعاقة في يده اليمنى وحساسية مزمنة في الصدر.

وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 رصدت 3 منظمات مصرية اعتقال نحو 4 آلاف طفل منذ الانقلاب العسكري عام 2013 وحتى 2019.

وفي أبريل/نيسان 2019 أصدر مركز بلادي للحقوق والحريات تقريرا يرصد 4130 انتهاكا بحق أطفال مصر بدواعي خلفية سياسية وحراك مجتمعي، بينها 198 حالة اختفاء قسري و71 حالة تعذيب من بينها 3 حالات أفضت إلى الموت.

وسبق أن أكد تقرير لفريق الاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة في يوليو/تموز 2015 أن اعتقال الأطفال في مصر منهجي وواسع الانتشار، وأن عدد الأطفال المعتقلين في مصر منذ 30 يونيو/حزيران 2013 وحتى نهاية مايو/أيار 2015، بلغ أكثر من 3 آلاف طفل تحت سن 18 عاما، تعرض معظمهم للتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز المختلفة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وثق المرصد المصري للحقوق والحريات عمليات قتل الأطفال بدم بارد وتعذيب المئات منهم، إلى جانب العشرات من الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال المعتقلين.
وقال المرصد وقتها إن هذه الجرائم تفاقمت عقب تولي السيسي مقاليد الحكم، حيث قُتل 12 طفلا بالرصاص الحي خلال الـ 100 يوم الأولى من حكمه، واعتُقل 144 طفلا وجرى تعذيب 72 طفلا داخل مقرات الاحتجاز، كما تعرض 26 طفلا للاعتداء الجنسي.

قضايا هزلية

ووجهت لكثير من الأطفال اتهامات هزلية كانت مثار سخرية العالم أشهرها استخدام مسطرة عليها شعار رابعة (في إشارة إلى اعتصام أنصار الشرعية في ميدان رابعة العدوية)، أو حمل بالون أصفر اللون يحمل الشعار ذاته، كما اتهم أطفال بسرقة مدرعة شرطة، وآخرون بقتل ضباط وعساكر وقطع طريق.

وصدرت أحكام بالإعدام وأخرى بالسجن بحق أطفال دون السن القانونية، في مخالفة صريحة لقانون الطفل والدستور المصريين والمعاهدات الدولية.

 

مشاهد لا تنسى
"اصحي يا ماما.. يا ماما.. اصحي بالله عليكي" بهذه الكلمات صرخ الطفل رمضان إبراهيم في هلع ودموعه الغزيرة تنهمر محاولا إيقاظ والدته الملقاة أرضا في المستشفى الميداني باعتصام رابعة العدوية.

لم يكن الطفل رمضان يدرك أن أمه فارقت الحياة برصاص قوات الأمن خلال مذبحة فض الاعتصام في 14 أغسطس/آب 2013، والتي وصفتها هيومان رايتس ووتش بـ"أسوأ واقعة قتل جماعي للمتظاهرين في التاريخ الحديث".

لم يمح مشهد رمضان من الذاكرة، كمثل المجزرة التي سقط فيها مئات القتلى، بينهم عشرات الأطفال.

وبحسب بيانات مركز بلادي للحقوق والحريات قتلت قوات الأمن 29 طفلا في فض اعتصام رابعة، بينهم طفل تم العثور على جثته محترقة بالكامل، في حين قُتل 6 أطفال بطلق ناري في الرأس، و22 آخرون بطلق ناري في الصدر.

جرائم بلا حساب

الطفل رمضان الذي نجا من الموت في رابعة، هو واحد من آلاف الأطفال الذين تعرضوا لتجربة مريرة باستشهاد آبائهم وأمهاتهم أو اعتقالهم أمام أعينهم، ومنعهم من زيارتهم والتواصل معهم.

وعلى خلاف ابنة اليوتيوبر الشهير، لا يجد هؤلاء الأطفال أي رعاية أو اهتمام أو تأهيل نفسي من جانب الدولة -الملزمة بذلك قانونا- أو من مؤسسات حماية الطفولة الرسمية، فضلا عن غياب أي تحرك قانوني لعقاب المتورطين في هذه المذابح والانتهاكات القانونية، وتجاهل البلاغات بشأن التعذيب والاختفاء القسري والإهمال الطبي في السجون.

ويزيد من وطأة مأساة هؤلاء الأطفال ما تردده أبواق النظام في الإعلام من تشف وتحريض وتشجيع لمثل هذه الانتهاكات!

المصدر : الجزيرة