فضيحة ليستر.. الانتهاكات ضد عمال بإنجلترا تكشف وجها آخر للعبودية الحديثة

ظروف المصانع البريطانية أسوأ مما هي عليه في آسيا - صحيفة تلغراف البريطانية
ظروف المصانع البريطانية أسوأ مما هي عليه في آسيا (صحيفة تلغراف البريطانية)

تعالت الأصوات مؤخرا في بريطانيا تنديدا بظروف العمل المهينة في قطاع النسيج بمدينة ليستر الإنجليزية، حتى إن البعض وصف الانتهاكات بـ"العبودية الحديثة".

وقالت الكاتبة سيسيل ديكورتيو في تقريرها الذي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، إن انتشار وباء "كوفيد-19" في مختلف أنحاء العالم كشف عن الكثير من أوجه الاستغلال الاقتصادي في العديد من البلدان.

وأكدت الكاتبة أن أزمة كورونا سلطت الضوء مجددا على فضيحة هزت مدينة ليستر الإنجليزية خلال السنوات الماضية وندد بها كثيرون دون أن يتم اتخاذ إجراءات ملموسة.

ويعمل آلاف الأشخاص في قطاع النسيج بالمدينة بأجور تناهز 3.5 جنيهات إسترلينية للساعة (3.86 يوروهات)، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى القانوني (8.72 جنيهات للعاملين الذين تبلغ أعمارهم 25 عاما فما فوق).

ومع الموجة الجديدة من تفشي فيروس كورونا وارتفاع عدد الإصابات في شهر يونيو/حزيران، فرضت الحكومة البريطانية إجراءات إغلاق صارمة في المدينة، وقد تبيّن أن مصانع النسيج استمرت في العمل بشكل طبيعي في ذروة انتشار الوباء ولم تتخذ أي تدابير وقائية لحماية العمال.

تحقيق داخلي
وفي نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، اتهمت منظمة "ليبور بيهايند ذي لابل" (Labour Behind the Label) غير الحكومية شركة "بوهو" (Boohoo) لبيع الملابس بالتجزئة بإجبار العمال على مواصلة العمل خلال الجائحة.

وتقول المنظمة النقابية المدافعة عن حقوق العمال إنها "جمعت معلومات تفيد بأن الشركة طلبت من موظفيها الاستمرار في العمل حتى لو ظهرت عليهم أعراض الإصابة بفيروس كورونا، وحذرتهم من فقدان وظائفهم إذا لم يفعلوا ذلك".

وأوضحت الكاتبة أن مراسل صحيفة صنداي تايمز نجح في إثارة القضية مجددا في أوائل شهر يوليو/تموز، حين تظاهر بأنه يبحث عن عمل دون الكشف عن هويته، وتم توظيفه لبضع ساعات في أحد مصانع شركة "ناستي غال" (Nasty Gal).

وكشف مراسل الصحيفة الإنجليزية أن مدير المصنع عرض عليه أجرا يتراوح بين  3.5 و4 جنيهات إسترلينية في الساعة، ونقل عن المدير أنه لا توجد أي ورشة في مدينة ليستر تدفع أكثر من هذا المبلغ، وأنه هو نفسه يعمل في هذا القطاع منذ خمس سنوات وإلى الآن يتقاضى خمسة جنيهات في الساعة.

ومع تعالي الأصوات المنددة بتردي أوضاع عمال النسيج في المدينة، طلبت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل من الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة فتح تحقيق حول حالات استغلال العمال و"العبودية الحديثة" في ليستر.

من جانبها، أعلنت شركة "بوهو" فتح تحقيق داخلي حول الانتهاكات التي كُشف عنها مؤخرا، بينما فقدت أسهم المجموعة ما يقرب من نصف قيمتها منذ 1 يوليو/تموز.

وتساءلت الكاتبة عما إذا كانت السلطات البريطانية جادّة في اتخاذ إجراءات رادعة لإيقاف هذه الانتهاكات التي يشهدها قطاع النسيج في مدينة ليستر؟

وفي هذا السياق، تنقل الكاتبة عن مارك ستيفنسون الأستاذ في كلية الإدارة بجامعة ليستر قوله "ليس من السهل اكتشاف هذه الممارسات، فالشركات المعنية صغيرة، وفي أحيان كثيرة يعمل الموظفون من المنزل".

ويؤكد ستيفنسون أن إغلاق الحكومة لهذه الورش سيجعل العمال -وأغلبهم من المهاجرين- يعيشون أوضاعا أكثر سوءا.

في قفص الاتهام

وأوضحت الكاتبة أن قضية سوء أوضاع العمال في مدينة ليستر اتخذت أبعادا سياسية، حيث اتُّهم الحزبان الرئيسيان في البلاد بالتقاعس وعدم التحرك لإيجاد حلول لوقف الانتهاكات.

وندد النائب عن حزب المحافظين في مقاطعة "ليسترشير" أندرو بريدجين بما سماه "مؤامرة الصمت"، قائلا إن هناك حوالي 10 آلاف شخص في مدينة ليستر يعملون في ظروف يمكن وصفها بـ"العبودية الحديثة".

وقالت إميلي كينواي عضو منظمة فليكس الحقوقية، إن ليستر ليست المكان الوحيد الذي تُنتهك فيه حقوق العمال، مؤكدة أن هناك تجاوزات في جميع أنحاء المملكة المتحدة وفي قطاعات متنوعة منها الزراعة والبناء.

وتشير كينواي إلى أن الإجراءات المشددة التي تتخذها السلطات ضد المهاجرين المقيمين في بريطانيا بشكل غير شرعي، تزيد من حجم الانتهاكات، حيث يخشى العمال المهاجرون من الإبلاغ عن تجاوزات أصحاب العمل خوفا من الوقوع في يد الشرطة.

وتعبّر كينواي عن قلقها من تفاقم الوضع خاصة مع استمرار أزمة "كوفيد-19″، حيث سيضطر أولئك الذين فقدوا وظائفهم ولم يعد لديهم مدخرات كافية إلى العمل تحت أي ظرف، وهو ما سيعرضهم لمزيد من الاستغلال حسب رأيها.

المصدر : الصحافة الفرنسية