تقبلني أنا إنسان.. مبادرات إنسانية لدعم الغجر بالعراق

احدى الفتيات الغجريات
إحدى الفتيات الغجريات (الجزيرة نت)

منار الزبيدي

"لا نعرف ما ذنبنا ولماذا يكرهنا الناس؟"، بهذه الكلمات وبصوت خافت خجول تحدثت زينب محمد (17 عاما) إلى الجزيرة نت، وهي تستشعر مرارة التمييز العنصري نحوها ونحو أبناء طائفتها الغجر.

تقول "منذ كنت طفلة صغيرة لم أشعر بمعنى الحياة، كانت أمي تتركني مع أبي وتذهب في كل صباح إلى السوق، لتعود عند الظهيرة بالخبز والطعام".

وتضيف "لم أنس ذلك الصباح، عندما رافقت أمي إلى السوق لأشهد حجم الذل والإهانة اللذين تتحملهما مقابل حصولها على بعض المال، لم يكن الناس يعرفون أن ذات النقاب الأسود التي تجلس على الرصيف امرأة غجرية يرفض الجميع منحها أدنى فرصة عمل فتضطر لهدر كرامتها طلبا للمال".

ذلك الموقف المؤلم الذي عاش في ذهن زينب لسنوات، زرع في داخلها أمنية واحدة لم تستطع تحقيقها كما هي حال أسرتها وقريتها، وهي وظيفة في إحدى المؤسسات الحكومية.

ورغم كل البؤس الذي عاشته، فإن رغبات الطفولة ما زالت تراودها بالتعرف على صديقات جدد من خارج قريتها تقضي برفقتهن أحلى الأوقات، ولكن للأسف لم يتحقق شيء من أمنيات طفلة غجرية حكم عليها المجتمع بالموت بسبب عِرقها الذي لم تختره ولم يتقبله الآخرون، "بمرور الزمن كبر داخلي الألم والخوف من الناس، فهم يعتبروننا عارا لا يمكن تقبله أو التعامل معه".

شباب مبادرة
شباب مبادرة "تقبلني أنا إنسان" في قرية الزهور (الجزيرة)

أنا إنسان
وأطلق عدد من الشباب والشابات مبادرة إنسانية بهدف نشر ثقافة التعايش السلمي والتقبل المجتمعي، واستهدفت المبادرة قرية الزهور في محافظة الديوانية التي يسكنها الغجر.

ويعاني الغجر في العراق عموما من مشكلة التنمر المجتمعي. وبهدف دعمهم معنويا والتعرف على واقعهم وحياتهم اليومية وكسر الصورة النمطية التي شوهت وجودهم، أطلق هؤلاء الشباب مبادرة "تقبلني أنا إنسان"، استطاعوا من خلالها عقد جلسة حوارية مع شباب القرية، بالإضافة إلى فعالية معايشة شبابية استمرت عدة ساعات.

ويقول رضا البديري -وهو أحد الشباب المشاركين في المبادرة- إنها تأتي ضمن مشروع تعليم السلام الممول من جمعية الأمل العراقية.

الغجر بشر
وكان عدد من المتطوعين في محافظة الديوانية قد أطلقوا حملة إنسانية تطوعية بعنوان "الغجر بشر"، استطاعوا من خلالها تحقيق العديد من المكاسب لهذه الفئة، كما يقول أحمد الشيباني أحد أعضاء فريق "تقبلني أنا إنسان" التطوعي.

ويوضح الشيباني للجزيرة نت أن فريقه عمل بالتعاون مع متطوعين فاعلين على دعم الغجر في المحافظة منذ عام 2016، "وما زلنا مستمرين في جهودنا بعد أن حققنا الكثير من المكاسب، أبرزها فتح مدرسة حكومية ابتدائية ومراكز لمحو الأمية بعد حرمان من حق التعليم استمر أكثر من 14 عاما".

ولم يكتف المتطوعون بذلك، وأطلقوا حملة أخرى للمطالبة بحق الغجر في الحصول على البطاقة الوطنية أسوة ببقية العراقيين، فتمكنوا من ذلك بمساعدة بعض المسؤولين الحكوميين. كما نفذ الشباب ضمن الحملة أنشطة توعية وخدمية بالتعاون مع الجهات الرسمية المحلية والفرق التطوعية الأخرى.

شاب غجري وسط شباب آخرين من خارج القرية (الجزيرة)
شاب غجري وسط شباب آخرين من خارج القرية (الجزيرة)

كسر الحاجز
ومن أبرز مكاسب حملة "الغجر بشر"، كسر جزء من الحاجز المجتمعي الظالم، وفق ما يقول الشيباني، فضلا عن أن التعاطف والاهتمام بشريحة الغجر بدأ ينمو رغم أنه بطيء وتدريجي، ولكنه يعتبر مؤشرا إيجابيا على نجاح واستدامة أهداف حملة "الغجر بشر" في خلق وتعزيز التعايش السلمي، وهو أمر صعب يحتاج إلى الصبر والتحمل والاستمرار، وفق الشيباني.

وترى الباحثة الاجتماعية ابتسام المحنة أن ما يعانيه الغجر من الفقر وسوء الخدمات أمر طبيعي يعيشه أي عراقي في الظروف الراهنة، ولكن التمييز من قبل المجتمع وعدم تقبلهم من أصعب وأبرز المشاكل التي تواجههم.

وتشير ابتسام إلى أن عدم إصلاح الواقع القانوني للغجر، ووضع علامة في أوراقهم الرسمية لتمييزهم عن غيرهم من العراقيين، هو السبب الرئيس في معاناتهم التي لن تنتهي إلا بإزالة ذلك التمييز.

وتقول إن عدم الاهتمام الفعلي بشريحة الغجر وتغافل المنظمات الدولية وأغلب المنظمات المحلية عن تقديم المساعدة، أسهم بشكل فعال في تفاقم معاناتهم وضياع حقوقهم، ولذلك فإنها توصي بضرورة العمل جديا لمواجهة التحديات التي فرضت الانعزال على الغجر وقوضت التعايش السلمي.

ويعيش الغجر في العراق على شكل أفراد أو في تجمعات صغيرة في قرى معينة، أبرزها في الديوانية وديالى والبصرة وشمال بابل ومدن أخرى، وغالبا ما يخفون هويتهم. وتمتهن نساؤهم التسول في الشوارع والتقاطعات فيما لا يجد الرجال أبسط فرص للعمل.

ويعيش الغجر بعد احتلال العراق 2003 ظروفا معيشية سيئة، في ظل غياب تام لأبسط مقومات الحياة إضافة إلى الحجر المجتمعي والتمييز والرهاب النفسي.

المصدر : الجزيرة