معاناة لا توصف إذا كنت من عائلة أسير فلسطيني مريض

فادي العصا-بيت لحم

"لدقيقتين فقط رأيت ابني محمد المصاب بالفشل الكلوي داخل محكمة الاحتلال". بهذه الكلمات بدأ والد الشاب الفلسطيني محمد علي طقاطقة ذي العشرين ربيعا حديثه عن ابنه المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو أسبوعين.

أصيب طقاطقة بالفشل الكلوي عام 2013، واعتقل المرة الأولى من قبل جنود الاحتلال من منزله في بيت فجار (جنوب بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة) عام 2018، وأمضى خمسة أيام داخل السجن –من دون تهمة- قبل الإفراج عنه.

بعد اعتقاله الأول تفاقم وضعه الصحي، وبدأ غسل الكلى ثلاث مرات أسبوعيا على الأقل، قبل اعتقاله المرة الثانية منتصف فبراير/شباط الجاري.

لم تقبل والدة محمد الحديث أصلا لفرط الحسرة، أما والده فلم يرد إكمال المقابلة، ويرى أنه لا يستطيع عمل شيء لابنه الذي يعلم أنه فيما يسميها الاحتلال عيادة سجن الرملة. وشاهده في المحكمة دقيقتين وتأكد أنه لم يغسل كليتيه، وهو ما يعني أنه سيدخل مرحلة صحية خطيرة.

والد محمد طقاطقة تحدث بشكل مقتضب عن ابنه الذي لا يعرف عنه الكثير بعد نحو أسبوعين من أسره (الجزيرة)
والد محمد طقاطقة تحدث بشكل مقتضب عن ابنه الذي لا يعرف عنه الكثير بعد نحو أسبوعين من أسره (الجزيرة)

صور في المستشفى
إذا أرادت العائلة اليوم تذكر محمد فإنها تنظر إلى صوره التي التقطها لنفسه (سلفي)، والتي في معظمها من داخل مستشفى بيت جالا الحكومي، حيث يتلقى العلاج، وغسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيا.

يخشى خلدون طقاطقة (عم محمد) على حياة ابن أخيه، فالعائلة تعلم تماما أن الأسرى بين يدي احتلال لا يحترم القيم الإنسانية، ويسعى لسلب إراداتهم وتحطيمها، ويهمل علاجهم، خاصة أنه لا يقدم العلاج لهم ويماطل في ذلك، ويريدهم بصحة سيئة، ويسعى لقتلهم، حسب خلدون طقاطقة.

والدة شهيد وأسيرين
وفي حالة مشابهة، تقول والدة الشهيد سامي أبو دياك، والأسيرين سامر وصلاح؛ "عندي أربعة أبناء، أحدهم استشهد واثنان في السجن"، وابنها الشهيد كان محكوما بثلاثة مؤبدات وثلاثين عاما، أمضى 18 عاما منها في السجن، وعانى من مرض السرطان خمس سنوات قبل استشهاده داخل السجون.

لم تنم أم سامي ليلة الأحد الماضي وهي تحضر نفسها، بعد أن سمح لها الاحتلال بزيارة نجلها الأسير سامر داخل السجون، الذي رافق شقيقه الشهيد المعتقل في عيادة سجن الرملة في لحظات حياته الأخيرة نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

‪والدة سامي أبو دياك الذي عانى من مرض السرطان خمس سنوات قبل استشهاده داخل السجون‬ (الجزيرة)
‪والدة سامي أبو دياك الذي عانى من مرض السرطان خمس سنوات قبل استشهاده داخل السجون‬ (الجزيرة)

الرفض أمنيا
تسلمت أم سامي -وهي من بلدة سيلة الظهر بمحافظة جنين (شمال الضفة الغربية)- تصريحا سمح لها بزيارة نجليها الأسيرين، زارت صلاح مرتين، قبل إبلاغ الصليب الأحمر لها أنها حصلت على تذكرة عبور من أحد الحواجز العسكرية قرب رام الله (وسط الضفة الغربية) بزيارة نجلها سامر، الذي لم يرها منذ استشهاد شقيقه.

تقول أم سامي للجزيرة نت إنه رغم قرب حاجز الجلمة على سكنهم للدخول إلى الأرض المحتلة، فإن الاحتلال أعطاها التصريح قرب رام الله البعيدة عنها، ورغم ذلك ذهبت إلى هناك، وتفاجأت بإيقافها وهي تسير في طابور دخول أهالي الأسرى، بحجة أنها "مرفوضة أمنيا".

لا حياة لي من دونهم
استغربت ذلك، فهي تملك تصريحا صدر عن سلطة الاحتلال، وتذكرة عبور عبر حاجز نعلين في رام الله، وتنتهي مدة التصريح بعد عشرة أشهر.

جادلت والدة الشهد سامي جنود الاحتلال على الحاجز، لكنهم هددوها بالاعتقال، إلا أنها تعتبرهم مسؤولين عما حصل معها؛ "قلت لهم اعتقلوني؛ أنتم لم تبقوا لي حياة، قتلتم نجلي، واعتقلتم اثنين من أبنائي".

ترى أن نجلها سامي بحاجة للزيارة أكثر منها، فهو في حالة نفسية صعبة، بعد استشهاد شقيقه، جراء الإهمال الطبي داخل السجون، ورغم أنها حضّرت نفسها جيدا للزيارة فإنها شعرت بخيبة أمل كبيرة.

‪دعوات لإنقاذ الأسير المريض محمد طقاطقة‬ الجزيرة)
‪دعوات لإنقاذ الأسير المريض محمد طقاطقة‬ الجزيرة)

أهل قلقون
تُحصي هيئة شؤون الأسرى والمحررين نحو سبعمئة أسير فلسطيني مريض داخل معتقلات الاحتلال الإسرائيلي؛ منهم عشرة مصابين بالسرطان، و180 إلى 200 أسير بحاجة لعناية طبية فائقة.

وفي سؤال الجزيرة نت للمتحدث باسم الهيئة حسن عبد ربه عن حال أهل هؤلاء الأسرى، يقول إن "الأهل يكونون قلقين على أيّ من أفراد الأسرة إذا دخل المستشفى بحالة مرضية طبيعية، فكيف إذا كان أسيرا مريضا داخل السجون، لا يستطيع أهله رؤيته، وأحيانا أخرى لا يراه محاميه، عدا عن عدم ثقة الأهل أصلا في الخدمات الطبية التي تقدم للأسرى داخل السجون".

فأهل الأسرى يعيشون في قلق على مدار الساعة، وأخطر حالاتهم الصحية الأسير المسن موفق عروق 77 عاما، المعتقل منذ عام 2003، والذي تم نقله من مستشفى "برزلاي" إلى مستشفى" سجن الرملة" في حالة صحية حرجة، وقام الاحتلال بطرد أهله من المستشفى لأنه معتقل فلسطيني من الداخل المحتل عام 1948؛ ويتساءل عبد ربه: كيف يكون شعورك إذا كنت مكانهم؟

المصدر : الجزيرة