السجن والتعذيب.. قدر المهاجرين السودانيين الذين رفضتهم أوروبا

An Eritrean asylum seeker rests inside a new arrivals center in Wad Sharifey refugee camp during a visit by European Union Ambassadors to the camp at Kassala State in East Sudan October 22, 2015. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah
جميع السودانيين الذين تم طردهم تعرضوا للعديد من أعمال العنف وسوء المعاملة بعد وصولهم إلى ديارهم (رويترز)

في تحقيق مطول أعده مجموعة من الصحفيين بالشراكة مع غرفة أخبار الهجرة في موقع ميديا بارت، تقصى الموقع الفرنسي آثار مهاجرين سودانيين طردوا من فرنسا وهولندا وإيطاليا، وقال إنهم تعرضوا للتهديد وربما للتعذيب عند عودتهم، مما يعني ضرورة مساءلة الاتحاد الأوروبي عن العلاقات المميزة التي يحتفظ بها مع الدكتاتوريات.

وانطلق الموقع من اختفاء الشاب السوداني جلال، القادم من دارفور، الذي لم يسمع أحد عنه شيئا بعد طرده من فرنسا يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد رفض المكتب المسؤول عن منح وضع اللاجئ طلبه، دون أن يسمح له حتى بأن يروي لهم قصته، كما يقول متأسفا عضو جمعية تدعم المهاجرين.

وبمجرد وصول جلال إلى مطار الخرطوم، تم استجوابه من قبل الشرطة السودانية، وفقا لعدد من أقاربه -تمكن الموقع من الوصول إليهم- وسألته الشرطة إلى أين ذهب ومن قابل وماذا قال للسلطات الفرنسية في سياق طلب اللجوء؟

ومع أن المقابلة مع الشرطة في المطار لم تدم طويلا، وخرج جلال بعد حوالي أربعين دقيقة، ثم أجرى مكالمة هاتفية مع شابة فرنسية تدعى ستيفاني كان على اتصال بها، فاعتقل فورا ووضع في السجن.

وكما نقل أحد أصدقائه لستيفاني، فإن "جلال محبوس في زنزانة انفرادية، وقد استجوب لمدة أربعة أيام، صباحا ومساء".

ورغم أن السودان -كما يقول الموقع- هو أحد أكثر الوجهات التي تطرد إليها فرنسا خطورة، فإن ثلاثين سودانيا أعيدوا إلى الخرطوم، بين عامي 2014 و2018، من مراكز الاحتجاز في فرنسا، إلا إذا أضفنا من أعادتهم إلى بلد أوروبي آخر من المحتمل أن يطردهم بدوره إلى السودان، حيث سيرتفع العدد إلى أكثر من 285.

وفي الوقت الذي تناضل فيه عدة جمعيات من أجل وقف عمليات الطرد هذه، مثل سيماد ومنظمة العفو الدولية، تم اعتقال أكثر من سبعمئة سوداني في العام الماضي، مع أو دون ترحيل.

ثلاثون سودانيا أعيدوا إلى الخرطوم من مراكز الاحتجاز الفرنسية بين عامي 2014 و2018 (رويترز)
ثلاثون سودانيا أعيدوا إلى الخرطوم من مراكز الاحتجاز الفرنسية بين عامي 2014 و2018 (رويترز)

مصير مجهول
تساءل الموقع ماذا يحدث لأولئك الذين يصلون إلى الخرطوم؟ ليكون الجواب "لا أحد يعرف، ولا يمكننا أن نتحقق من ذلك" كما قال دبلوماسي لميديا بارت، حيث إن هذه القضية تشير إلى عمى لدى الحكومات الأوروبية التي تربط بعضها علاقات مميزة بالسودان البلد الرئيسي في القرن الأفريقي وعلى الحدود الجنوبية لمصر وليبيا.

ومن فرنسا، قال الموقع إن جلال لم يكن وحده من طرد وسجن، وفقا لشهادة رجلين سجنا في مدينة الخرطوم بحري، هما محمد س. المنشق الشهير وخالد الذي نتحفظ من ذكر اسمه الأول الحقيقي، وقد سجنا في الفترة بين مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني 2017، ونقلا أسرار اثنين من رفاقهما كانا مسجونين في فرنسا ورفض طلبهما للجوء.

عندما وصل الرجلان إلى الخرطوم، استجوبا واعترف الأول منهما للشرطة بأنه تقدم كإريتري في فرنسا من أجل الحصول على أوراق بصورة أكثر سهولة، في حين أن الشرطة كانت تشتبه في أن الآخر جاسوس لجماعة مسلحة تقاتل من أجل تحرير دارفور، إلا أنهما في النهاية أطلق سراحهما، بعد أن تعرضا للتعذيب عدة مرات، حسب قولهما.

وقد اتفق ما وصفاه مع أقوال اثنين من المهاجرين ممن طردتهم فرنسا في الفترة نفسها، حيث قالا إن مسؤولين سودانيين من بينهم عسكريون، زاروهما في السجن لتسهيل التعرف على طالبي اللجوء المرفوضين وإبعادهم قسرا، وقد أبعدا بعد بضعة أسابيع فقط من هذه الزيارة.

تشابه حالات الطرد
منحت باريس الحماية لسوداني تم التعرف عليه في بلجيكا من قبل بعثة مماثلة، وقد كتبت المحكمة الوطنية لحق اللجوء بشأنه، "كون السلطات السودانية استجوبته حول أسرته وأنشطته، ينذر بأنه سيتعرض للاعتقال وإساءة المعاملة على يد قوات الأمن السودانية عند وصوله إلى الخرطوم".

ونبه الموقع إلى قصة رامي القادم من دارفور الذي وجد عائلة فرنسية تقبل بتبنيه في نانت، ولكنه أعيد إلى الخرطوم، بعد إقامة طويلة في مركز احتجاز رين ورفض طلبه للجوء، وربطت الشرطة الفرنسية يديه وقدميه وحملوه في الطائرة.

وبعد قصة رامي، يسرد الموقع قصة إبراهيم، ملاحظا التشابه بين حالات الطرد كلها، حيث تربط الأقدام والأيدي على متن الطائرة، وتكون النهاية الوصول إلى الخرطوم لمواجهة الاستجواب نفسه، إلا أن إبراهيم الذي أعيد بعد تغير النظام يقول إن "جهاز الأمن والمخابرات لم يتغير، وكذلك الشرطة، الشيء الوحيد الذي تغير هو الرئيس".

وسرد الموقع أيضا رحلة ثمانية مواطنين سودانيين اعتقلوا بين عامي 2015 و2017، وتم تهديدهم وإساءة معاملتهم، حيث طرد ستة منهم من الأردن في ديسمبر/كانون الأول 2015، وتم احتجاز أربعة منهم عند وصولهم لنحو 24 يوما، وقد بلغوا جميعهم عن العديد من أعمال العنف وسوء المعاملة.

ونبه الموقع إلى التشابه بين حالات الطرد من فرنسا وهولندا، حيث يسلم المطرود مباشرة من قبل الشرطة إلى جهاز المخابرات السوداني، ويتم استجوابه أيضا لمدة طويلة عن محتوى طلب اللجوء الذي قدمه وعن رحلته.

‪حالات الطرد من هولندا وفرنسا متشابهة حيث يسلم المطرود مباشرة إلى جهاز المخابرات السوداني ويتم استجوابه‬ (غيتي)
‪حالات الطرد من هولندا وفرنسا متشابهة حيث يسلم المطرود مباشرة إلى جهاز المخابرات السوداني ويتم استجوابه‬ (غيتي)

في الثلاجة
أما أحمد، فقد أمضى بعد طرده من إيطاليا في سبتمبر/أيلول 2017، ثلاثة أشهر في السجن، مما أضر بصحته، يقول الشاب الذي قابله الموقع في الخرطوم في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019 وهو يعمل في البناء لإطعام أسرته، كما يقول "ألم في الصدر. ومشكلة في المعدة. وصداع".

وأشار الموقع إلى أن القصة التي يرويها أحمد عن سجنه مرعبة، حيث سلمته مرافقته الإيطالية عند نزوله من الطائرة إلى شرطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وقام المسؤولون باستجوابه، وبصفته من عرقية في دارفور وكان ناشطا أيام الجامعة، اعتقدت الشرطة أنه قدم معلومات إلى الوكالات "الأجنبية" حول ما يجري في دارفور، كما يقول.

وقد تم تقييد أحمد ووضع لمدة ثلاثة أشهر في زنزانة انفرادية مظلمة -كما يقول- وقد استجوب عدة مرات "عندما لم أجب عن الأسئلة، هددني الضباط وكانوا سبعة من حولي بالقتل"، وقد تعرض للتعذيب بتغيرات ثابتة في درجة الحرارة في زنزانته، فإما أن توقف الشرطة تكييف الهواء لتصبح الزنزانة فرنا، وإما أن يضعوا المكيف على الحد الأقصى فيكون التجمد من البرد.

وأشار الموقع إلى أن العديد من النشطاء الذين تمت مقابلتهم في تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية وصفوا ممارسات مماثلة خلال الثورة السودانية، حيث تستخدم هذا النوع من الزنزانات التي تسمى "الثلاجة" منذ عام 2009 من قبل الشرطة السودانية للقضاء على المحتجزين.

وبعد ثلاثة أشهر، تم إطلاق سراح الشاب مع بعض الاحتياطات والتهديدات من جانب سجانيه السابقين.

قلق حقوقي
منذ عدة سنوات، أعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها في تقريرين حول مخاطر عودة المنفيين السودانيين من بلجيكا وإيطاليا بعد رفض طلبات اللجوء، عقب إعلان معهد التحرير أن العديد من طالبي اللجوء من بلجيكا تعرضوا للاغتصاب عند عودتهم.

وعلى الجانب الفرنسي، كشفت مقالة في "ستريتبرس" عام 2017، عن وجود روابط بين الدكتاتورية وباريس، من قبيل تبادل المعلومات وزيارة المسؤولين السودانيين لمراكز الاحتجاز لتسهيل طرد المواطنين إلى بلدانهم الأصلية.

إلا أن وزارة الداخلية الفرنسية تقول "لم يتم إبرام أي اتفاق مع السلطات السودانية ولم تكن هناك اتصالات جديدة منذ بعثة 2017. لذلك لا يمكننا التحدث عن "الشراكة" مع السلطات السودانية".

وختمت بأن المسؤول الفرنسي، عندما سئل عن حالة هؤلاء المهاجرين الذين تبين أن عودتهم إلى البلاد خطرة، اكتفى بالتعليقات ذات الطبيعة القانونية كالقول إنه "لا يمكن البت في إجراء الطرد إلا إذا كان وفقا للاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها فرنسا".

المصدر : ميديابارت