هاتفي يطاردني.. شرطة الهند الإلكترونية تعذب مسلمين كشميريين بسبب منشوراتهم

A Kashmiri Shi'ite Mulsim reacts as he is detained an Indan policemen while trying to participate in a Muharram procession, in Srinagar
الشرطة الهندية تعامل النشطاء المسلمين بقساوة بالغة وفق المنظمات الحقوقية (رويترز)

تشكّل الحملة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في كشمير جزءا من إجراءات الحكومة الهندية للسيطرة على الإقليم، بعد قرارها في أغسطس/آب من العام الماضي إلغاء الحكم الذاتي.

وفي تقرير نشره موقع "إنترسبت" (Intercept‎‏) الأميركي، يسلط الكاتب أكاش حسن الضوء على شهادات عدد من الكشميريين، الذين اعتقلتهم السلطات الهندية بهدف إسكات الانتقادات ضد سياساتها على مواقع التواصل.

ومن بين أولئك الذين تعرضوا للاعتقال، طالب جامعي من كشمير، أطلق عليه الكاتب اسم أحمد؛ خوفا على سلامته. شعر أحمد بالتوتر بينما كان يقترب من مركز الشرطة، الذي يقف أمام مدخله أفراد أمن مسلحون. وكان قد تلقى في اليوم السابق مكالمة هاتفية من شرطة الإنترنت في جامو وكشمير، وطُلب منه الحضور إلى مركز الشرطة بدون ذكر أي أسباب.

فور وصوله، اقتادته الشرطة إلى مركز آخر، وتمت مصادرة هاتفه المحمول عند البوابة، ووُضع في غرفة مع 4 شبان آخرين، اتضح أنهم يعرفون بعضهم البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وجد الشباب أنفسهم في مجمع كارغو المعروف بسمعته السيئة كمُعتقل يمارس فيه التعذيب. ويُعتقد أن هذه المنشأة الواقعة في سرينغار (عاصمة كشمير) الخاضعة للسلطة الهندية، استخدمت منذ أغسطس/آب في استجواب وتعذيب عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الكشميريين، الذين انتقدوا السياسات القمعية التي تمارسها الحكومة الهندية في المنطقة منذ العام الماضي.

وفي أغسطس/آب، أفاد تحالف منظمات المجتمع المدني في جامو وكشمير، أن الشرطة قدمت شكاوى ضد أكثر من 200 مستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي والشبكات الافتراضية، واستخدمت تكنولوجيا المراقبة لتعقبهم، واستدعائهم إلى مراكز الشرطة بموجب قوانين الإرهاب.

ويذكر الكاتب أن وحدة الإنترنت في الشرطة الهندية اتصلت بأحمد والشباب الآخرين، وطالبتهم بتوقيع تعهد في مركز الشرطة بالتوقف عن انتقاد السلطات المدنية أو القوات المسلحة على وسائل التواصل الاجتماعي. وروى بعض الشباب الآخرين أنهم أُرسلوا إلى مجمّع كارغو وتعرضوا للضرب والسب والتهديد بالسجن أو الإعدام.

وحسب الكاتب، فقد مثّلت حملة الشرطة الأخيرة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي جزءا من حملة رقابة شاملة يقودها رئيس الوزراء القومي، ناريندرا مودي، منذ أغسطس/آب 2019، عندما قررت الحكومة من جانب واحد إلغاء الحكم الذاتي الدستوري في ولاية جامو وكشمير، وتقسيم الولاية إلى أقاليم اتحاديّة خاضعة لسيطرتها المباشرة.

كانت المنشورات التي اعتُقل بسببها الشباب، وأغلبها على تويتر وفيسبوك، تنتقد بشكل صريح الإجراءات التي تتخذها الحكومة الهنديّة ضد الكشميريين، وتندد بانتهاكات حقوق الإنسان، التي ترتكبها قوات الأمن الهندية، وصمت وسائل الإعلام. ومنذ إطلاق سراحهم، قال العديد منهم إنهم توقفوا عن نشر محتوى سياسي على الإنترنت، أو قاموا بإلغاء حساباتهم؛ لتجنب استدعائهم مرة أخرى.

ويؤكد الكاتب أن حملة القمع الأخيرة التي تعرض لها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في كشمير، لم تجد صدى كبيرا في وسائل الإعلام. ويقول جوهر جيلاني، الصحفي والمؤلف، الذي احتجزته الشرطة الإلكترونية بموجب قانون منع الأنشطة غير المشروعة، وهو قانون هندي مثير للجدل، إن ترهيب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والصحفيين يهدف إلى إسكات أي انتقادات ضد الحكومة الهندية.

Protest against Indian government's decision on Kashmir in Islamabad- - ISLAMABAD, PAKISTAN - AUGUST 06: People hold placards during a protest against the Indian government's decision to repeal Article 370 of the Constitution that grants special status to Jammu and Kashmir in Islamabad, Pakistan on August 06, 2019.
إلغاء الحكم الذاتي بولاية جامو وكشمير أثار معارضة واسعة في الإقليم (وكالة الأناضول)

داخل غرفة الاستجواب

فرضت السلطات الهندية إجراءات غير مسبوقة بعد قرار إلغاء الحكم الذاتي في أغسطس/آب 2019، حيث منعت الخدمات الخلوية وخطوط الاتصال الرقمية بدون أي إشعار مسبق. وفي مارس/آذار الماضي، أعادت الحكومة الهندية خدمات الإنترنت، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت محظورة سابقا؛ لكن فقط بسرعة الجيل الثاني البطيئة.

وفي رد فعل على هذه الإجراءات، لجأ الكشميريون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن شعورهم بالإحباط تجاه الحكومة؛ لكن السلطات الهندية قابلت تلك الانتقادات بحملة اعتقالات.

أمضى أحمد أكثر من 3 ساعات في غرفة الاحتجاز، ثم نُقل إلى غرفة استجواب، حيث كان عدة ضباط في انتظاره، وبدؤوا يصرخون في وجهه، وقام أحدهم بصفعه وركله.

وينقل الكاتب عن الطالب الكشميري قوله "طُلب مني أن أفتح هاتفي، وبدأ أحد الضباط في تصفّحه، ثم طلب مني ضابط آخر مده بكلمات المرور الخاصة ببريدي الإلكتروني وحساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي".

بدأ أحد الضباط باستجوابه بشأن تغريداته الأخيرة، التي دعا فيها إلى مساءلة الشرطة والجيش الهندي عن انتهاكات حقوق الإنسان؛ مثل عمليات قتل المدنيين خارج نطاق القضاء في اشتباكات مسلحة.

وصرح طالب جامعي آخر، لموقع "إنترسبت" أن ضابط شرطة صادر هاتفه أثناء احتجازه واطلع على صور والدته وإخوته، وهدده بأنهم سيلاقون المعاملة ذاتها. وأضاف بلال (اسم مستعار)، واثنان آخران من ضحايا الحملة الهندية، أن الضباط اقترحوا عليهم أن يتعاونوا معهم، ويقدموا معلومات عن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الآخرين، الذين تراقبهم الشرطة مقابل إطلاق سراحهم، مع تهديهم بالسجن أو القتل في اشتباك مسلح إذا لم يتعاونوا مع السلطات الهندية.

تقنيات الرقابة

يضيف الكاتب أن الحكومة الهندية أعطت صلاحيات كبيرة للشرطة الإلكترونية في كشمير بعد فترة وجيزة من إجراءات الإغلاق، التي اتخذتها في أغسطس/آب من العام الماضي، بهدف الحد من "الجرائم الإلكترونية".

منذ ذلك الحين، أصبحت هذه الوحدة تدير عملية مراقبة معقدة، وتستخدم أحدث الأجهزة والتقنيات لتعقب الكشميريين، بما في ذلك مراقبة المصابين بكوفيد-19. وقد حصل طاهر أشرف بهاتي، رئيس مجمّع كارغو والمسؤول عن الشرطة الإلكترونية، على ميدالية من الحكومة الهندية في يوم الاستقلال.

ويقول بهاتي لموقع "إنترسبت" إن الوحدة الإلكترونية تنظر عادة في قضايا تتعلق بالاحتيال المالي و"التنمر الإلكتروني"، ونفى استدعاء أشخاص أو تعذيبهم بسبب تعبيرهم عن آرائهم السياسية عبر الإنترنت.

لكن بهاتي متهم -كما يقول الكاتب- بالاعتداء على واحد على الأقل من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، الذين تم احتجازهم، إذ صرح أحد المعتقلين أنه استدعي إلى مركز شرطة الإنترنت في أغسطس/آب الماضي بعد أن سخر من بهاتي على تويتر، ونُقل إلى كارغو حيث اعتدى عليه بهاتي بحزام جلدي مرارا وتكرارا لمدة 3 أيام؛ لكن بهاتي نفى وقوع الحادث.

كما رفض بهاتي الحديث عن تقنيات المراقبة، التي تستخدمها الشرطة الإلكترونية لجمع المعلومات عن الكشميريين الذين يعيشون داخل الإقليم وخارجه. وقد أكد العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أن الشرطة تعرفت على هوياتهم رغم استخدامهم "الشبكة الافتراضيّة الخاصة".

ويفتخر بهاتي بأن "الأمر لا يستغرق سوى نصف ساعة لتحديد موقع أحد المستخدمين وكل بياناته"، وذلك بفضل فريق يتألف من 40 شرطيا بارعا في مجال التكنولوجيا، في حين أن القضايا الأكثر صعوبة يتم إسنادها إلى شركات خاصة لم يحدد هويتها.

التزام الصمت

يرى أن ما تقوم به الشرطة الإلكترونية في كشمير، والذي يكتنفه الكثير من الغموض، أدى إلى نتائج كارثية على نشاط وسائل التواصل الاجتماعي في الإقليم، إذ اختفت العديد من الحسابات، بينما التزم البعض الصمت أو توقفوا عن نشر أي محتوى سياسي.

وقد أفاد 3 من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أنهم لاحظوا نشاطا مشبوها على حساباتهم منذ إطلاق سراحهم، مثل الإعجابات أو الرد على التغريدات، أو متابعة حسابات أخرى وإلغاء متابعتها. وقال الكثيرون ممن تم اعتقالهم إنهم يعيشون حالة من الخوف جراء ما حدث لهم مع رجال الشرطة الإلكترونية.

وبعد تعرضه للاستجواب 4 أيام على التوالي، يقول أحمد إنه تم إطلاق سراحه بشرط أن يتوقف عن انتقاد الحكومة الهندية وقوات الأمن على الإنترنت، وأن يتعهد بالقدوم إلى مركز الشرطة كلما تم استدعاؤه. ومنذ إطلاق سراحه، يؤكد أحمد أنه تعرض لنوبات هلع وفقدان الشهية، ولم يعد قادرا على أن ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي كما كان يفعل في السابق. ويختم قائلا "أحيانا أكتب منشورا طويلا، وفي النهاية أحذفه وأبكي؛ لأن هاتفي يطاردني".

المصدر : إنترسبت