في مصر.. رغم قيود السجن.. زواج يتوج قصة حب طويلة

يعاني الكثير من النشطاء والمعارضين في مصر جراء الحبس الاحتياطي - رويترز
مئات النشطاء المصريين يقبعون بالسجون فترات متطاولة بفعل آلية الحبس الاحتياطي (رويترز)

الجزيرة نت- خاص

سنوات مريرة من الفراق بينها وبين خطيبها المعتقل محمد عادل مضت من حياتها، إلا أن ذلك لم يفتّ في عضدها وأملها في انقشاع الغيوم وكتابة الحروف الأخيرة من كتاب المعاناة التي امتدت قرابة 7 سنوات دون أي بوادر بانفراجة قريبة في ظل الحبس الاحتياطي الذي منيت به باعتقال شريك حياتها المرتقب لا لشيء إلا لمجرد آرائه السياسية التي تجسدت في منشور عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وكحال الكثير من أسر المعتقلين في مصر تبدو الصورة قاتمة ومجهولة بخصوص مصيرهم الذي لا يتم تحديده في المعتاد سوى بعد شهور أو سنوات طويلة، إلا أن اللافت هنا هو أنه برغم تلك الظروف الصعبة إلا أن "رفيدة حمدي" الشابة وفي خضم الضباب الذي يلبد علاقتها بشريك حياتها في ظل حبسه قررت أن تخطو خطوة مختلفة لتحريك المياه الراكدة في علاقتها بخطيبها المعتقل عبر قرارها عقد القران في بيتها وبحضور عدد محدود من الأهل والأصدقاء.

ولمن لا يعرف محمد عادل، فهو من مؤسسي حركة شباب 6 أبريل (ضمن طليعة الحركات الشبابية التي شاركت بثورة 25 يناير). وكان قد واجه حكم الحبس في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 على خلفية مظاهرة أمام محكمة عابدين حيث وجهت له تهم التظاهر دون ترخيص والاعتداء على أحد أفراد الأمن المكلفين بحراسة المحكمة ليتم اعتقاله وإصدار حكم بالحبس مدة 3 سنوات ومدة مراقبة مثلها وغرامة 50 ألف جنيه.

وبعد إخلاء سبيله ودخوله قيد المراقبة الشرطية جرى اعتقاله على ذمة قضية جديدة عام 2018 الماضي بتهمة إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ونشر بيانات كاذبة وتكدير السلم العام بعد بلاغ من مجهول.

يذكر أنه كان قد صدر حكم إخلاء سبيل الناشط في 9 أبريل/نيسان الماضي بقرار من محكمة جنايات المنصورة بضمان محل الإقامة، إلا أنه ووجه بالحبس احتياطي مدة 45 يوما بعد قيام النيابة العامة بالاستئناف على الحكم وقبوله في 9 أبريل/نيسان، وبعد يومين فحسب من قرار إخلاء السبيل ليتم التجديد على ذمة القضية نفسها.

وبحسب رفيدة فإنه من المفترض أن زوجها استنفد مدة الحبس الاحتياطي لكنه ما زال حبيس جدران السجن، حيث لم يتم إخلاء سبيله ولا إصدار حكم عليه.

وتقول رفيدة إن الحبس الاحتياطي يزيد المعاناة في ظل عدم وضوح الرؤية. وتلفت إلى أن الزيارة كانت منتظمة على مدار عام ونصف العام، قبل أن تصدر السلطة قرارات تقصر الزيارة على أقارب الدرجة الأولى وهو ما جعل الزيارة بالسجن غير ممكنة.

وتابعت في مقال لها تشرح فيه دوافع الزواج، وقد تلقفته مواقع التواصل الاجتماعي، بأن ذلك كان دافعا لاتجاههما إلى قرار الزواج برغم الصعوبات التي صادفتهما، وبرغم العراقيل التي عطلت الحصول على توكيل الزواج بعد قيام عادل بعمل توكيل بالزواج لوالده ليتم الأمر، آملة أن يتم قرار الإفراج عنه قريبًا خاصة بعد مرور عامين و5 أشهر على الاعتقال.

ويقول محمد عاشور، الحقوقي والخبير القانوني، إن الملف الحقوقي في مصر بحاجة إلى إعادة النظر في ظل الانتهاكات الحقوقية التي نالت من الآلاف من المعتقلين الشباب الذين جرى اعتقالهم في السجون المصرية لآرائهم السياسية.

وتابع -في تصريحات للجزيرة نت- أن القانون ينص على أن حبس المتهم احتياطيا لا يجوز أن يتجاوز عامين، وأن ذلك يكون في حال جنايات عقوبتها السجن المؤبد أو الإعدام بحسب تعديلات قانونية أجريت خلال تولي المستشار عدلي منصور، منصب رئاسة الجمهورية بصورة مؤقتة في سبتمبر/أيلول 2013، ولكن هذا حاليًا لا يطبق على أرض الواقع.

ولفت إلى أنه إذا ما تم تطبيق القانون والالتزام بنصوصه من حيث إبطال قرارات الحبس الاحتياطي حال توافر المبررات لذلك، فإنه ستكون هناك انفراجة لأغلب قضايا المعتقلين السياسيين بمصر والمحبوسين على ذمة قضايا الرأي والتعبير، ومن أول جلسة تجديد حبس لهم، سواء بضمان محل إقامة أو ضمان مالي أو تدابير احترازية واقترانها بقرار منع من السفر.

ومن جانبه يأمل الناشط السياسي والحقوقي كمال خليل حدوث موقف مماثل لما أصدر الرئيس الراحل أنور السادات أوامر عام 1973 بإسقاط جميع قضايا الشباب بالمحاكم، ومن ثم خروجه وخروج أصدقائه بموجب قرارات الإفراج من السجون.

ولفت -خلال منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك- إلى أن هناك حاجة ماسة حاليًا لإخراج العديد من الشباب من ملفات القضايا السياسية من أمام المحاكم، والإفراج العام عن كل سجناء الرأي وتعويضهم ماديا وأدبيا، وإلغاء التدابير الاحترازية، وإسقاط كافة القوانين المقيدة للحريات والتي تتضمن (قوانين إلغاء حق التظاهر، قوانين الحبس الاحتياطي، قوانين الإرهاب.. إلخ) بجانب فتح المجال العام أمام حرية التعبير.

يذكر أن ملف الحريات بمصر من ضمن أسوأ الملفات بالمنطقة، مما يجعلها تواجه بانتقادات محلية ودولية في ظل ارتفاع نسب الاعتقالات والحبس بسبب الآراء السياسية، وهو الأمر الذي تنفي السلطة وقوعه مبررة الاعتقالات بأنها شرعية وضد أشخاص متهمين بالانضمام لجمعيات تسمها بالإرهاب ومخالفة القانون.

المصدر : الجزيرة