استهداف الصحفيين الفلسطينيين.. سياسة الاحتلال لطمس جرائمه
فادي العصا-الخليل
تأخذ أم الشهيد عمر البدوي نفَسا بين الكلمات التي تتحدث فيها عن اللحظات الأخيرة في حياة نجلها، الذي قتله جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل متعمد أمام منزله في مخيم العروب للاجئين الفلسطينيين شمال الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة.
كان الفلسطينيون يحيون ذكرى وفاة رئيسهم الراحل ياسر عرفات في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قبل اندلاع مواجهات في المخيم يطلق الجنود خلالها الرصاص الحي والقنابل الغازية من البرج العسكري المقابل لمنازل المخيم.

قنبلة فحريق
عبد الرحمن حسان صحفي فلسطيني كان يغطي الموجهات مع عدد من الصحفيين الآخرين، يحتمي بجدران أحد منازل المخيم المقابل للبرج العسكري، قبل أن تشتعل قنبلة في الجدار فوق رأسه، يخرج له الشهيد عمر البدوي من المنزل لمساعدته.
يترك حسان كاميراته على الأرض ويتجه إلى المنزل، ويخرج عمر بقطعة قماش مبللة لإطفاء النار التي اشتعلت في الجدار وفي أغصان شجرة قريبة، قبل أن يصطدم بالجنود الذين اقتحموا المخيم. يشير عمر إلى أن ما في يده مجرد قطعة قماش، وأنه يريد إحضار الماء لإطفاء الحريق، فيطلق جندي الرصاص الحي عليه من مسافة قريبة فيسقط أرضا.
يتسارع المشهد عندما يخرج عبد الرحمن من منزل عمر ويبدأ بتسجيل ما يحصل، ويتجمع الصحفيون الآخرون للقيام بعملهم، قبل تعرضهم لوابل من قنابل الغاز والرصاص الحي والمطاطي.
ينزف عمر على الأرض مدة من الزمن، يحاول تغيير موقعه دون فائدة، والدماء بدأت تسيل على الدرج المؤدي لمنزله.

شهيد في المخيم
رغم ذلك، ووسط حالة الهرج والمرج هذه، يستطيع بعض المواطنين بمساعدة الصحفيين القريبين إنقاذ عمر ونقله إلى مركبة خاصة تأخذه إلى عيادة في المخيم، ومن ثم في مركبة إسعاف إلى المستشفى بمدينة الخليل، وبعد محاولات عدة لإنقاذه يرتقي عمر شهيدا متأثرا برصاصة اخترقت كبده وخرجت متفجرة من ظهره.
تبدأ سريعا وسائل الإعلام بتناقل الخبر، ويتميز في التغطية من كان من الصحفيين في المكان لتوثيقهم جل ما حدث. فعمر -كما تظهر الفيديوهات- قضى أمام منزله دون أن يشكل أي خطر على الجنود، ودون مشاركته في المواجهات، وقد عطل الاحتلال إسعافه وعلاجه.
انتشرت الصور والفيديوهات بسرعة كبيرة، مما دفع قادة جيش الاحتلال لاقتحام المخيم في اليوم التالي للتحقيق مع الأهالي، الذين يقولون للجزيرة نت إنهم على ما يبدو كانوا يحققون مع جنودهم أيضا خشية الفضيحة.

استهداف الصحفيين
يقول عبد الرحمن حسان للجزيرة نت إن مخابرات الاحتلال استدعته بعد الواقعة، وكان جل التحقيق معه حول وجودهم في المكان وسببه، في محاولات لتوجيه تهم له.
أما الصحفي معاذ عمارنة الذي استهدفه الاحتلال في وقت لاحق من هذا الحدث برصاصة أفقدته عينه اليسرى، فيرى أن استهداف الصحفيين كان لمجرد فضحهم لجرائم الاحتلال، وكأنه يقول "صورتك التي تنشرها تعادل حياتك".
فالصحفيون لم يفعلوا شيئا في مخيم العروب ومع الشهيد البدوي إلا نقل الحقيقة، ولكن أكثر من 80 صحفيا على الأقل، تم الاعتداء عليهم من الاحتلال عام 2019، بحسب عمارنة.
فتح الصحفي مصعب شاور من الخليل هاتفه وعرض لنا المقطع المصور لكامل القصة، وقال للجزيرة نت معلقا عليها "بعد توثيق جرائم الاحتلال تعرضت للاحتجاز ومصادر كاميراتي وهواتفي، وتم إيقافي أكثر من مرة في البرد الشديد، والتهديد بإطلاق النار المباشر إذا ما التقطت الصور للجنود".
بعد الانتهاء من مراسم تشييع الشهيد عمر البدوي من أهله في المخيم، وبعد معرفتهم بما حصل مع الصحفيين من ملاحقة، قررت العائلة تكريمهم وشكرهم.
جمعت عائلة البدوي كل الصحفيين في المخيم مرة أخرى وقدمت لهم الشكر على محاولتهم إنقاذ حياة نجلها عمر أولا، ومن ثم نشر الصور والفيديوهات التي جلبت تضامنا محليا ودوليا معه، والتي أظهرت جريمة قتل شاب لم يقم بأي شيء.