فلسطين.. بلال السقا أسير الإعاقة والفقر وعقوبات السلطة

يحلم بلال بكرسي كهربائي يساعده على الحركة والتنقل -رائد موسى-الجزيرة نت.
بلال يحلم بكرسي كهربائي يساعده على الحركة والتنقل (الجزيرة نت)

رائد موسى-غزة

يعيش الطفل بلال السقا أسيرا لإعاقته الحركية وظروفه المعيشية الصعبة، وتتملكه مشاعر الألم إثر قطع السلطة الفلسطينية مخصصات الإعانة المالية، التي تصرفها للأسر الفقيرة.

يقول بلال (17 عاما) للجزيرة نت إنه تفاجأ وأسرته بقرار وزارة الشؤون الاجتماعية في رام الله قطع "راتب الشؤون"، الذي تصرفه لهم كإعانة للتغلب على ظرف الحياة القاسية.

ولا يتوفر على نحو الدقة رقم محدد لأعداد الأسر التي شملها قرار الوزارة في رام الله، غير أن الرقم المتداول يتراوح بين 2000 و2500 أسرة، تم حرمانها من مخصصات الإعانة الاجتماعية خلال الشهور الأربعة الماضية.

معاناة
يتقاضى بلال -الذي يعاني من إعاقة حركية منذ ولادته- مبلغ 1500 شيكل (الدولار يعادل 3.5 شيكلات) مرة واحدة كل أربعة شهور، كمعونة مالية تساعد أسرته على توفير أدويته واحتياجاته الحياتية.

ولبلال ستة أشقاء وشقيقة واحدة، ويقول والده أيمن (خمسون عاما) -الذي يعمل موظفا حكوميا في غزة- إن راتبه الشهري الذي يقدر بـ 1200 شيكل لا يكفي لتوفير الاحتياجات الأساسية لأسرته الكبيرة.

ويحتاج بلال وحده نحو خمسمئة شيكل من أجل الأدوية وحفاظات الأطفال التي يستخدمها لمعاناته من التبول اللاإرادي نتيجة إعاقته الحركية.

وتساءل بلال بألم ومرارة: "لماذا يقطعون راتبي، ألا يكفي ما أعاني منه؟!"

مريم السقا تلقت صدمة شديدة بقطع السلطة معونة ابنها المعاق(الجزيرة)
مريم السقا تلقت صدمة شديدة بقطع السلطة معونة ابنها المعاق(الجزيرة)

وأقصى ما يتمناه بلال أن تتراجع السلطة الفلسطينية عن قرار قطع معونته المالية، وأن يتوفر له كرسي كهربائي يتمكن بواسطته من التحرك بسهولة ورؤية الشارع.

وكانت مريم (والدة بلال) أول من تلقت صدمة قطع المعونة، عندما توجهت الشهر الماضي إلى المصرف، لتتفاجأ أن اسم بلال ضمن قوائم الأسر التي قررت السلطة وقف مخصصاتها المالية الاجتماعية.

وقالت للجزيرة نت "في ذلك اليوم لم أكن أمتلك شيكلين أجرة المواصلات للبنك، فأخذتهما من ابني الأكبر محمد، ولم يكن يمتلك سواهما، على أمل أن أعود للبيت براتب بلال ونتدبر أمورنا، ولكن الحمد لله على كل حال، وربنا لن ينسانا من رحمته".

ودفعت الصدمة مريم –رغم ما تعانيه من أمراض- إلى السير على قدميها نحو كيلومترين، كونها لا تمتلك أجرة العودة إلى البيت، وهي تفكر في ما ستقوله لبلال الذي كان ينتظرها بما اعتاد أن تحمله له في كل مرة تذهب فيها إلى المصرف من حلويات وفواكه.

وشردت أم بلال بذهنها بعيدا والدموع في عينيها، ثم استكملت حديثها "كنا بأمس الحاجة لهذا المبلغ من أجل شراء كسوة الشتاء لبلال".

عقوبات جماعية
قال رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي للجزيرة نت إن الأصل في ظل ظروف الحصار القاسية زيادة أعداد المستحقين للمساعدات الاجتماعية وليس قطعها.

وأكد أن قرار قطع المخصصات الاجتماعية يندرج في إطار "العقوبات الجماعية"، ويفاقم الكوارث الإنسانية التي يعاني منها قطاع غزة المحاصر منذ 13 عاما، ويعتمد نحو 80% من سكانه -وعددهم مليونا نسمة- على المساعدات الإغاثية.

وأوضح عبد العاطي أن هذا القرار يمثّل انتهاكا لحقوق الفئات الهشّة والفقيرة، وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الفلسطينية، وسببا إضافيا لإفقار المواطنين، ويعود بالدرجة الأولى لأسباب سياسية، وليس نتيجة دراسة التطور الاقتصادي للحالات المستحقة.

‪عبد العاطي: قطع المخصصات الاجتماعية دافعه سياسي بالدرجة الأولى‬ (الجزيرة)
‪عبد العاطي: قطع المخصصات الاجتماعية دافعه سياسي بالدرجة الأولى‬ (الجزيرة)

غياب التنظيم
ورفض مسؤولون في وزارة التنمية الاجتماعية في رام الله التعقيب للجزيرة نت على هذا القرار.

وكانت الوزارة بررت في وقت سابق قرارها بأنه نابع من بحث اجتماعي أثبت أن الأسر التي شملها القرار لم تعد بحاجة للمساعدة جراء تطور وتحسن أوضاعها الاقتصادية، وأنها أضافت لقائمة المستحقين أسرا جديدة، ليبلغ عدد الأسر المستفيدة نحو 74 ألف أسرة في قطاع غزة و41 ألف أسرة في الضفة الغربية.

وتقدمت أسر شملها قرار قطع المخصصات الاجتماعية بشكاوى قانونية للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان.

وقال محامي الهيئة بكر التركماني للجزيرة نت إن "الأمر غير واضح، ولا نعلم حتى اللحظة هل القرار صادر من وزارة المالية أم من وزارة الشؤون الاجتماعية، وما مبرراته الحقيقية؟" وأضاف أن ما يرد عن السلطة الفلسطينية في رام الله أنها تعاني من عجز في الموازنة.

وأوضح التركماني "لسنا ضد التنظيم وتطبيق معايير واضحة على الأسر المستحقة للمعونة الاجتماعية، ولكن يجب مراعاة أوضاع الأسر الفقيرة والمعدمة في ظل وضع معيشي مترد في قطاع غزة".

وأكد أن أغلب الأسر في قطاع غزة تعاني من واقع مرير، وجراء الحصار الإسرائيلي والانقسام الداخلي فإن "كثيرين هبطوا من أعلى الهرم الاجتماعي من حيث مستوى المعيشة إلى أسفله".

المصدر : الجزيرة