جدل بشأن الاستثناءات.. عوائق النفاذ للمعلومات بتونس

بدرالدين الوهيبي - مقر هيئة النفاذ الى المعلومة
مقر هيئة النفاذ إلى المعلومة

بدر الدين الوهيبي-تونس

عاد الجدل في تونس حول جدّية تعاطي جهات سيادية وحكومية مع النصوص الدستورية القاضية بإتاحة النفاذ إلى المعلومات كحق من حقوق الإنسان، ولتعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة.

واحتدم الجدل إثر القرار الذي أصدرته الهيئة التونسية للنفاذ إلى المعلومة في أغسطس/آب الماضي ضد البنك المركزي التونسي، بعد امتناعه عن تمكين الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري من معلومات تخصّ التحويلات البنكية التي تتم من وإلى حسابات جمعيات وشركات مستغلّة لقنوات تلفزية وإذاعية خاصة.

ولم يكن البنك المركزي التونسي حالة استثنائية في رفض العديد من مطالب النفاذ إلى المعلومة، الذي نص عليه الدستور، والتي عارضتها الأحكام القضائية الابتدائية الصادرة عن الهيئة، بل سبقتها إلى ذلك رئاسة الحكومة ووزارتا الداخلية والخارجية ومجلس نواب الشعب في قضايا عرفت زخما إعلاميا كبيرا في تونس.

والقانون الصادر في 2016، والذي أنشئت إثره هيئة النفاذ إلى المعلومة، يهدف إلى ضمان حق كل شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومة، بغرض تعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة، خاصّة في ما يتعلّق بالمرفق العام التونسي، من أجل تحسين جودته ودعم الثقة بين الدولة والمواطن والمجتمع المدني.

‪عماد الحزقي: القوانين التونسية ذات العلاقة بشفافية العمل الإداري وتسيير المرافق العمومية‬ (الجزيرة)
‪عماد الحزقي: القوانين التونسية ذات العلاقة بشفافية العمل الإداري وتسيير المرافق العمومية‬ (الجزيرة)

ثغرة الاستثناءات
ويقول رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومات عماد الحزقي للجزيرة نت إن القوانين التونسية ذات العلاقة بشفافية العمل الإداري وتسيير المرافق العمومية؛ تعد ثورية من الناحية الديمقراطية والهيكلية للمرفق العمومي، نظرا لما تطلبته من تغييرات جوهرية في شفافية إجراءات وقرارات المؤسسات العمومية.

في المقابل، فإن القرارات والأحكام الصادرة عن هيئة النفاذ إلى المعلومة، والتي تنشرها دوريّا على موقعها الرّسمي، وألزمت فيها مؤسسات عمومية بتمكين أفراد أو مؤسسات مجتمع مدني من معلومات تخصّ أنشطتها؛ تبين أن اختلافات في تفسير النص القانوني تقف وراء رفضها التفاعل بإيجابية مع مطالب النفاذ.

ويعد الامتناع عن الإفصاح عن المعلومة، وعدم احترام الآجال، وإعطاء تأويلات وتفسيرات بهدف المماطلة، أو في بعض الحالات الاستجابة الجزئية والتعلل بالمسّ بالمعطيات الشخصية للأفراد؛ من أبرز الإخلالات التي ترتكبها مؤسسات الدولة في تعاطيها مع مطالب النفاذ إلى المعلومة، حسب تقارير الهيئة.

وفي هذا الصدد، يقول قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري والمترشح للرئاسيات في تونس للجزيرة نت إن تعاطي الحكومة ومؤسساتها مع قانون النفاذ إلى المعلومة، خاصة في حالات الامتناع عن توفير معطيات ومعلومات لجهة معينة، ينبع من الفكر السياسي المنغلق القائم منذ عقود، ورغم تغيّر التشريعات فلا زال هناك كثيرون ممن لم يطوّروا طرق تفكيرهم.

ويضيف أن الاستثناءات التي نص عليها الدستور تمثّل ثغرات قانونية تلجأ لها المؤسسات أو السياسيون للتهرّب من تطبيق النص الدستوري، وأن القضايا التي طرحت أمام المحكمة الإدارية بخصوص استئناف الأحكام بشأن النفاذ إلى المعلومة دليل على احتمالية تعدّد التأويلات.

والاستثناءات التي نص عليها قانون النفاذ إلى المعلومة تخص معطيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو العلاقات الدولية، والمعلومات المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية والملكية الفكرية وهويّة الأشخاص الذين قدّموا معلومات تهدف إلى إماطة اللثام عن تجاوزات وحالات فساد.

1120 قضية تم رفعها أمام هيئة النفاذ إلى المعلومة (الجزيرة)
1120 قضية تم رفعها أمام هيئة النفاذ إلى المعلومة (الجزيرة)

نقص الإمكانات
ويجبر الدستور التونسي الإدارات والمؤسسات المتمتعة بالتمويل العمومي على تعيين مكلّفين بالنفاذ إلى المعلومة في الإدارات، وإنشاء وتحيين مواقع إنترنت تنشر من خلاله كل المعطيات التي لها علاقة بسير العمل والقرارات والوثائق الصادرة عنها أو عن مختلف فروعها.

وفي المقابل، يرى الحزقي أن "الجانب المتعلّق بتوفير الإمكانات التقنية والموارد البشرية لدى عدد من المرافق العمومية لا يزال يقف عائقا أمام انخراطها في منظومة شفافية المرفق العمومي التي كفلها الدستور".

وبلغ عدد القضايا التي أحيلت إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة، والتي تمثل قراراتها أحكاما ابتدائية قابلة للاستئناف لدى المحاكم الإدارية بتونس؛ 1120 قضية رفعها أفراد أو منظمات المجتمع المدني ضدّ وزارات ومنشآت عمومية، وحتى شخصيات سياسية، والهدف تمكينها من معلومات ووثائق إدارية.

المصدر : الجزيرة