ذوو المغيبين قسريا بمصر.. أسى مستمر وأمل يتجدد

الأمن ينكر وجود حالات اختفاء قسري في مصر. صور في محيط ميدان التحرير. تصوير زميل مصور صحفي مسموح باستخدمها.
منظمات حقوقية وثقت إخفاء أكثر من ستة آلاف معارض في مصر منذ الانقلاب العسكري صيف 2013 (مواقع التواصل)
"بموت كل يوم". لم تجد السيدة أمل سعد أوفق من هذه الكلمات لتعبر بها عن حالها منذ اختفاء ابنها البكر عمرو عزب (24 عاما) في الثالث من مارس/آذار الماضي، حيث قاربت فترة اختفائه على خمسة أشهر، لم تهنأ فيها بأي سعادة أو راحة بال.

تعيد السيدة أمل الجملة نفسها مرة تلو الأخرى، في محاولة لتأكيد المعنى، وصرف السامع عن اعتقاد المبالغة، ثم تضيف لاحقا ما يفسر قولها بأن الانتظار واللهفة الدائمة سببان كفيلان لموتها اليومي، إلا أن اليقين في ما عند الله وبقاء الأمل يجددان الحياة "البائسة" التي لا تزال تعيشها.

تستذكر السيدة أمل لحظة وصول نبأ اختفاء ابنها الذي كان في عامه الأخير بكلية الطب، بعد أن قدم لها العلاج وأوصل إخوته الصغار إلى مدارسهم، حيث يغيب والدهم المطارد من قبل الأمن، وكيف كانت صدمتها قاسية، فهو سندها ومعينها على الحياة، في ظل الغياب الاضطراري لوالده.

تلح والدة عمرو في حديثها للجزيرة نت على أن تنقل صرختها وتحكي لوعتها وتقدم رجاءها لكل من بيده أن يعين في عودة فلذة كبدها إليها، واجدة في ذكرى اليوم العالمي لمناهضة جريمة الإخفاء القسري ما يجدد أملها في أن تثمر تلك الصرخة وهذا الرجاء نتيجة إيجابية.

لوعة أم إبراهيم تحاكي لوعات المئات من أهالي وذوي المخفيين قسريا، ممن يتلمسون في مناسبة اليوم العالمي لمناهضة الاختفاء القسري تسليطا أكبر للضوء على معاناتهم وقصص ذويهم؛ مما قد يقصر أمد تلك المرحلة التي يرون أنها أسوأ ما قد يمرون به في حياتهم القصيرة.

وتحيي الأمم المتحدة في الثلاثين من أغسطس/آب كل عام اليوم الدولي للمختفين قسريا، بهدف تذكير العالم بمعاناة هؤلاء الأشخاص الذين يتعرضون للسجن في ظروف سرية، ومن دون أي محاكمة قضائية بالمخالفة للقانون الدولي.

ويأمل أهالي المختفين قسريا بمصر أن تساعد تلك المناسبة في لفت الانتباه إلى حال ذويهم، مما يقد يعين على استجلاء أخبارهم والكشف عن أماكن إخفائهم.

تجربة مرعبة
وفي حين هدأ روع أم سلوى، وسكنت لوعتها، بعد ظهور زوجها الذي ظل مختفيا نحو ثلاثة أشهر، فإن قلبها لا زال يرجف من أثر ما عرفته من زوجها عما تعرض له خلال فترة إخفائه من تعذيب وإهانة، والتي فضل إخفاء الكثير من تفاصيله عنها حتى لا يضاعف همها وألمها.

تقول أم سلوى في حديثها للجزيرة نت "حاول زوجي طمأنتي عند أول لقاء بعد ظهوره في النيابة بتأكيده أنه بخير، لكن الحال كانت أبلغ من المقال، فأثر التعذيب الجسدي الذي تعرض له في أول فترة إخفائه القسري، لم يخفه تطاول الأيام اللاحقة".

تنقل أم سلوى ما كشف عنه زوجها بعد إلحاح شديد، حين قال إن كل يوم مر عليه خلال فترة إخفائه القسري كان كالعام، وكيف أن الشيب كاد يستوعب جميع شعر رأسه بسبب الرعب الممنهج، مؤكدا أن من مر بتلك المرحلة لا بد أن يخرج منها بمرض نفسي.

وفي هذا الشأن، يرى أحمد العطار الباحث في التنسيقية المصرية للحقوق والحريات أن تجدد تناول ملف المختفين قسريا واستغلال المناسبات لذلك سيثمر إيقاف تلك العمليات الممنهجة والإستراتيجية التي تقوم بها السلطات المصرية على مدار الساعة.

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحديث المتكرر عن هذا الملف، والعمل على إحداث حالة قوية من تسليط الضوء محليا ودوليا على جريمة الاختفاء القسري وضررها وتأثيرها على المجتمع ومستقبله، من أجل إحداث توعية قانونية وحقوقية للمواطن المصري؛ ستنتهي بإجبار السلطات المصرية على احترام المواطن وحريته.

نشاط موسمي
وتنشط منظمات حقوقية خلال هذه المناسبة في إصدار بيانات وتقارير حقوقية راصدة واقع ملف الاختفاء القسري بمصر، كما تعمل منظمات أخرى على استغلال هذا اليوم في إطلاق حملات حقوقية توعوية بمواقع التواصل الاجتماعي، لتسليط الضوء على هذه الجريمة وآثارها.

ومن تلك الحملات ما دشنه مركز الشهاب لحقوق الإنسان، بالتعاون مع مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان تحت شعار "في الذاكرة"، والتي تدعو إلى التحدث عن جريمة الاختفاء القسري وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع، وتعمل على نشر أسماء وصور وبيانات المختفين قسريا للتضامن معهم.

وفي هذا السياق، يشير مدير مركز الشهاب خلف بيومي في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحملة تهدف إلى استغلال مناسبة اليوم العالمي للإخفاء القسري للضغط على النظام المصري عبر الآليات الدولية لتقنين الجريمة داخل القانون المصري.

ويلفت بيومي إلى أن ما تم توثيقه من المختفين قسريا منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، تجاوز ستة آلاف شخص، مشددا على أنه لا بد من وضع حد لهذه الجريمة.

في حين يكشف مدير منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان علاء عبد المنصف عن أن ما رصدته منظمته منذ مطلع العام الحالي وحتى اليوم من المختفين قسريا في مصر بلغ نحو 145 حالة.

ويرى عبد المنصف في حديثه للجزيرة نت أن هذا العدد يكشف عن أن هذه السياسة باتت ممنهجة وواسعة الانتشار، ومتعمدة من قبل السلطات المصرية كنوع من أنواع التخزين لقضايا تخص معارضين سياسيين.

وأشار في هذا السياق إلى أن مصر منذ أمد طويل ترفض الانضمام لاتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري التابعة للأمم المتحدة، وهو ما يستتبعه تعمد عدم تمكين المجتمع الدولي من التفتيش والتحقيق في الجريمة.

ولفت مدير منظمة السلام الدولية إلى أن منظمته قدمت دعوة لتشكيل هيئة مستقلة، الغرض منها متابعة حالات الإخفاء القسري في مصر، والوصول إلى حصر حقيقي لهذه الحالات، واستبيان موقف الحكومة المصرية منها، ومخاطبة المجتمع الدولي بضرورة فتح تحقيق دولي في هذه الجريمة، لضمان عدم إفلات مرتكبيها.

المصدر : الجزيرة