طارق برغوث.. كيف حولته محاكم إسرائيل من محام لمقاوم؟

قبل اعتقاله .. صورة لطارق برغوث قبل ترافعه عن أحد الأسرى وقد جلس في قفص المعتقلين وقالت عائلته إنه كان يشعر بشعورهم كمقيدين
صورة أرشيفية لطارق برغوث قبل اعتقاله وهو يستعد للترافع عن أحد الأسرى وقد جلس في قفص المعتقلين (فيسبوك)

ميرفت صادق-رام الله

"سئمت الدفاع عن الأسرى في محاكم غير عادلة"، هكذا نقلت الصحافة الإسرائيلية عن المحامي الفلسطيني طارق برغوث أثناء ترافعه عن نفسه في إحدى جلسات محاكمته بتهمة المشاركة في عمليات إطلاق نار استهدفت جنودا ومستوطنين إسرائيليين قبل شهور.

وأدانت محكمة عوفر الإسرائيلية غرب رام الله الثلاثاء المحامي طارق محمد برغوث من القدس (43 عاما) بالمشاركة في هجمات مسلحة على المستوطنات المحيطة بمدينتي رام الله والبيرة نهاية عام 2018 وبداية 2019، وحكمت عليه بالسجن 13 عاما ونصف العام مع غرامة مالية.

وجاء في قرار الحكم أن برغوث شارك في إطلاق النار على حافلات وقوات إسرائيلية مرات عدة، وأصيب في هذه الهجمات ثلاثة مستوطنين بجروح طفيفة.

واعتقل المحامي برغوث الذي عرف بصفته أبرز المدافعين عن الأسرى في المحاكم الإسرائيلية، في اقتحام عنيف لمنزله برام الله في الـ27 من فبراير/شباط الماضي، وفي اليوم ذاته اعتقل القيادي السابق بكتائب شهداء الأقصى زكريا الزبيدي، واتهم كلاهما بشن هجمات على أهداف إسرائيلية.

وفي سبيل الضغط عليه، اعتقل الاحتلال لاحقا زوجته أمل برغوث من بين أطفالها. وقالت إنها عرضت عليه من خلال زجاج فاصل وكان ذلك أصعب مراحل التحقيق معه. كما تلقت تهديدات بحرمانها وأطفالها من زيارته إذا لم تكشف عن نشاطات زوجها.

وأفرج عن الزوجة بعد يومين، واستمر التحقيق مع برغوث 75 يوما في مركز تحقيق المسكوبية بالقدس. وقالت عائلته إنه رفض خلالها الاعتراف بالتهم الموجهة إليه وكان في مواجهة مباشرة مع المحققين عندما تعرض للضرب المبرح.

وقال شقيقه الأكبر خالد برغوث إنه تعرض للشبح (يجلس معصوب العينين ومربوطا من يديه مع شد رِجليه خلف الكرسي) واستمر التحقيق معه لمدة 19 ساعة يوميا، وحرم النوم لأيام طويلة. كما منع من لقاء محاميه لمدة 35 يوما، وسمح للصليب الأحمر بزيارته بعد 16 يوما من اعتقاله.

وأثناء محاكمته، كان برغوث يدير قضيته بالاشتراك مع محاميه، وقال في إحدى مرافعاته إنه بذل قصارى جهده لتخليص الأسرى من عذاباتهم لكن كل ذلك كان في محاكم غير عادلة.

صورة للمحامي طارق برغوث خلال مقابلة صحفية منشورة على صفحته بالفيسبوك (مواقع التواصل)
صورة للمحامي طارق برغوث خلال مقابلة صحفية منشورة على صفحته بالفيسبوك (مواقع التواصل)

من غير إنذار
وقبل قليل من اعتقاله، كان برغوث يظهر انحيازا واضحا للمقاومة في منشوراته اليومية، واستعان بشعر إبراهيم طوقان، "قل لمن عاب صمته، خُلق الحزم أبكما.. وأخو الحزم لم تزل يده تسبق الفما". وعلق بأن "هذا البيت فيه وصف حاد لمنطق الثورة، (فهي) تأتي من غير إنذار".

ولا تعتقد عائلة برغوث أن ابنها عاش نقطة تحول جعلته يغادر مهمة الدفاع القانوني عن الأسرى إلى النضال بالسلاح. ويقول شقيقه إنه عاش الاعتقالات واقتحامات الاحتلال لمنزل عائلته منذ صغره، وعاش طيلة حياته متنقلا بين مهمته بصفته محاميا وصاحب واجب إنساني تجاه الأسرى وعائلاتهم.

وقال شقيقه الأكبر "في بعض الأحيان، كان برغوث يدفع من جيبه الخاص الغرامات المالية المفروضة على الأسرى وخاصة الأطفال كيلا يطول اعتقالهم". ويضيف "وكثيرا ما كان يغادر المحاكم لا إلى بيته بل إلى بيوت الأسرى لمؤازرتهم".

أما زوجته فقالت "إن أوجاع الأسيرة إسراء الجعابيص التي اعتقلت بعد إصابتها بحروق شديدة وحكمت بالسجن 11 عاما وإدخال العلاج لها كانت تحتل اهتمامه اليومي. ويحدّث أبناءه دائما عن الطفل الأسير أحمد مناصرة الذي حكم بالسجن 12 عاما وكان برغوث يحرص على إطعامه ورعايته في أيام اعتقاله الأولى بعد إصابته بالرصاص في 2015".

ويعتقد شقيقه الأكبر أن طارق رأى في أحمد مناصرة طفولته، عندما اختطفه الاحتلال من المنزل في الـ12 من عمره عام 1991 للضغط على أشقائه المطاردين، ثم أعيد اعتقاله وسجنه العام التالي ولمدة سنة بتهمة رشق جنود الاحتلال بالحجارة.

عاش طارق برغوث -وهو أصغر أشقائه- في عائلة من أربعة شبان كانوا جميعا مطاردين من الاحتلال. وبدأ بزيارتهم بعد اعتقالهم في السجون الإسرائيلية منذ مطلع الثمانينيات. وسبق أن اعتقل والده في مراحل مبكرة من الثورة الفلسطينية، كما كبر على قصة استشهاد جده حسن برغوث أثناء قتاله العصابات الصهيونية في النكبة.

وأنهى برغوث دراسة الحقوق في جامعة الدار البيضاء بالمغرب وعادة مباشرة إلى فلسطين. ومنذ بداية عمله في المحاماة أصبح مدافعا عن قضايا الأسرى.

ويقول شقيقه الأكبر خالد إنهم سعوا إلى إنهاك طارق والضغط عليه جسديا خلال التحقيق لإجباره على الاعتراف. وعلمت عائلته أن الاحتلال استعان في إدانته بتسجيلات صوتية ومشاهد مصورة تظهر أنشطته وحتى حياته اليومية مع عائلته في رام الله والقدس، وترصد تحركاته الأخيرة قبيل تنفيذ الهجمات التي اتهم بالمشاركة فيها.

وفي آخر محاولة لإطلاق النار، كانت كتيبة إعدام إسرائيلية بانتظار الزبيدي وبرغوث، حسبما علمت العائلة، لكن الرجلين لم يقتربا من المكان بسبب الانتشار المريب لقوات الاحتلال فيه.

وقال شقيقه الأكبر إن طارق كان يقدم جلسات محاكمته التي استمرت خمسة أشهر، مستندا إلى أن النضال بكافة أشكاله حق لكل إنسان يعيش تحت الاحتلال، سواء بالدفاع القانوني أو العمل العسكري.

وأضاف أنه "لم يكن لديه (طارق) شك في أن القضاء الإسرائيلي غير عادل، لكنها مهمة (أخلاقية) كان يقوم بها للتخفيف عن الأسرى"، لا باعتباره محاميا بل بصفته صاحب مهمة وطنية وإنسانية.

المصدر : الجزيرة