بعد منع مقالات ومصادرة صحف.. تساؤلات عن الرقيب الخفي بمصر

صحفيون ينتقدون الضعف الذي أصاب نقابة الصحفيين (مواقع تواصل)
الرقيب الخفي يسيطر على الإعلام المصري وسط غياب لنقابة الصحفيين (مواقع التواصل)

محمد العربي-القاهرة

لم يُخفِ صحفيون مصريون شعورهم بالقلق لمنع نشر مقالات الكاتب الناصري عبد الله السناوي في جريدة الشروق (مستقلة)، دون تقديم توضيحات لسبب المنع.

وزادت المخاوف بعد منع نشر مقال للناقد الفني لويس جريس بجريدة الجمهورية (حكومية)، لانتقاده احتكار شركة محددة للأعمال الدرامية في رمضان الماضي مما جعلها تخرج بشكل هزيل، بالإضافة لمصادرة ثلاثة أعداد متتالية من جريدة الأهالي المعارضة تحدثت عن فساد مسؤولين في الحكومة المصرية.

صحفيون بارزون -مثل نقيب الصحفيين الأسبق يحيى قلاش- علقوا على ذلك بتساؤلات عما وصفوه بـ"اللهو الخفي" الذي قرر منع نشر مقالات السناوي.

وقال قلاش عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إن "استمرار إيقاف مقال عبد الله السناوي في جريدة الشروق، بقرار من اللهو الخفي، على مدى الأسابيع الماضية، هو تغييب لقلم وطني ورصين وعاقل ومستنير، ويفتقد لأي منطق"، مضيفا "تجفيف مداد الأقلام لا يحقق أي مكاسب، بل هو خسارة يدفع ثمنها وطن لو كنتم تعلمون".

رئيس تحرير مصر
وحول "اللهو الخفي" وسيطرته على الصحافة المصرية، انتقد عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية محمد سعد عبد الحفيظ، سيطرة هذا اللهو الخفي على العمل الصحفي، ووصفه بأنه أصبح "رئيس تحرير مصر"، مؤكدا في تعليق له بصفحته على فيسبوك أن "اللهو الخفي وكالعادة منعَ الجمهور عمدا ومع سبق الإصرار والترصد من ممارسة حقه في معرفة تفاصيل خبر، ظني أنه الأهم في مصر هذا العام، بعد تمرير التعديلات الدستورية الأخيرة".

ورغم أن عبد الحفيظ لم يتحدث عن منع نشر مقالات السناوي في الجريدة التي يعمل بها، فإنه تحدث عن دور اللهو الخفي في تغطية خبر وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وتأثير ذلك على مستقبل الحريات الصحفية بمصر.

وأضاف عبد الحفيظ "جميع الصحفيين نقلوا عن السيد رئيس تحرير مصر، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وواضع الأجندة التحريرية، ما أراد أن يبثه للجمهور بصيغة بدائية بعيدة عن أي مهنية، وتركنا للمنصات الإعلامية التي تبث من الخارج ولمواقع السوشيال ميديا الساحة خالية، فتحول الجمهور إليها بسرعة البرق بحثا عن معلومة أو تحليل".

وتابع "عظم الله أجركم، ليس فقط في وفاة محمد مرسي الرئيس المصري المعزول، والذي مات ودفن دون تغطية إعلامية على قدر الحدث، لكن في الإعلام الذي سلمه الزملاء رؤساء التحرير والسادة رؤساء وأعضاء الهيئات الإعلامية إلى البشوات الجدد، طوعا ودون أي مقاومة تذكر".

مصادرات سابقة
ووفقا للباحث القانوني بمؤسسة حرية الفكر والتعبير محمد ناجي، فإن الأمر تخطى مرحل الرقابة إلى المصادرة، مثل ما حدث مع جريدة الأهالي الحزبية.

وأشار ناجي في ورقة بحثية صدرت قبل أيام إلى أن الرقيب الذي يحكم الصحافة المصرية تدخل بمصادرة صحف مثل المصريون والدستور وصوت الأمة والصباح والبوابة، حيث تم وقف بعض هذه الصحف أو وقف طباعتها أو منع الطباعة أو جمعت بعد الطبع وتم فرمها.

وتساءل ناجي عن هذا الرقيب الجديد الذي يتحكم في مفاصل الصحافة المصرية، مؤكدا أن الدستور المصري منح الصحافة بأنواعها المختلفة حرية مطلقة في اﻷوقات غير الاستثنائية، حيث ينص الدستور على أنه "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة".

مقص الرقيب يسيطر على الصحف المصرية بمختلف توجهاتها (الجزيرة)
مقص الرقيب يسيطر على الصحف المصرية بمختلف توجهاتها (الجزيرة)

النظام يكره الإعلام
وفي تعليقه على ما تشهده الصحافة المصرية من منع ومصادرة، يؤكد وكيل المجلس الأعلى للصحافة بمصر سابقا قطب العربي، للجزيرة نت، أن القضية ليست في نصوص دستورية أو قانون ينظم عمل الصحافة أو يمنحها الحرية المطلقة، وإنما في تطبيق هذه السلطات الحاكمة لنصوص الدستور ومواد القانون.

ويضيف العربي أن "أول خطوة للانقلاب العسكري كانت بوقف بث كل القنوات الفضائية المؤيدة للرئيس محمد مرسي، ثم مصادرة واقتحام جريدة الحرية والعدالة الناطقة بلسان أكبر حزب سياسي في البلاد وقتها، وكذلك وقف جريدة الشعب، ثم اعتقال عدد من الصحفيين والإعلاميين وملاحقة آخرين بالقضايا المختلفة".

ويشير العربي إلى أن نظام السيسي "كأي نظام دكتاتوري يكره حرية الصحافة والإعلام، ويعمل على محوها من الذاكرة، وتحويل الصحف ووسائل الإعلام نشرات موجهة تخدم آراءه وسياساته"، بحسب وصفه.

متابعا "وبالتالي ليس مستغربا أن يتم منع نشر مقالات السناوي رغم تأييده المعروف للنظام وموقفه المعادي للرئيس الراحل والنظام السياسي الذي كان ينتمي إليه".

ويتوقع العربي الذي يدير المركز العربي لحريات الإعلام، أن تتوسع خلال الفترات المقبلة مثل هذه الإجراءات، بالشكل الذي يمنع وجود أي صوت مخالف للنظام الحاكم، حتى لو كان هذا الصوت من أحد مؤيديه أو داعميه.

وعن دور نقابة الصحفيين والهيئات الأخرى المعنية بشؤون الصحافة في مصر، يؤكد العربي أن هذه المؤسسات لم يعد لها قوة أو نفوذ، وقد تحولت من قلاع لحماية الصحافة وحريتها لمؤسسات تابعة للنظام لا تستطيع مخالفته، مستدلا بفشل مجلس نقابة الصحفيين الجديد في تشكيل هيئة مكتبه رغم مرور ثلاثة أشهر على الانتخابات النقابية.

ويعتبر العربي أن تدخلات السلطة كانت حاضرة في تشكيل هيئة مكتب نقابة الصحفيين، مما يعني أنها أصبحت متدخلة في كل الشؤون الصحفية الأخرى، بما فيها المنع من النشر وشكل التغطيات الصحفية، وكل ما يتعلق بالحريات المنصوص عليها في القوانين المختلفة التي تنظم عمل الصحافة والإعلام بمصر. 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي