تونسيات خلف القضبان.. من يحاسب الجلادين في عهدي بورقيبة وبن علي؟

محمد علي لطيفي -بسمة شاكرة سجينة سياسية تونسية تعرضت للتعذيب في السجون
بسمة شاكر سجينة سياسية تعرضت بشكل متكرر للتعذيب في السجون (الجزيرة)

محمد علي لطيفي-تونس

تعض بسمة شاكر شفتيها ألما على الأيام التي قضتها خلف قبضان السجن، بتهمة انتمائها للتوجه الإسلامي، ومعارضتها لنظام الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، حيث جرى اغتصابها في السجن، ثم تواصلت ملاحقتها في نظام بن علي الذي أسقطته ثورة 14 يناير/كانون الثاني.

نشأت بسمة في أسرة ميسورة الحال تتكون من سبعة أفراد، في محافظة المهدية جنوب تونس العاصمة، وانقطعت عن دراستها في المرحلة الثانوية دون غيرها من بنات جيلها، وسجنت في عمر يناهز 17 عاما بسبب التظاهر ونشرها لبيانات ضد النظام.

ما يؤلمها ويثقل مواجعها هو تسليمها للأمن على يد والدها الذي كان يعارض بشدة توجهها الفكري، وفكرة إكمال دراستها، رغم أنه رجل تعليم، لتجد نفسها بين زنزانات السجن بدل مقاعد الدراسة، بحسب شهادتها للجزيرة نت.

كرسي الاعتراف
اهتزت إرادة المرأة الحديدية لحظة تناوب فيها المحققون على تعذيبها من أجل إجبارها على الاعتراف، دون رحمة، في غرفة التحقيق المظلمة، بعد شربها قارورة من العصير ترجح أنها كانت تحتوي على مخدر، بحسب تعبيرها.

تقول بسمة أو كما يحلو أن يطلق عليها توبة للجزيرة نت إنها سجنت وعمرها لم يتجاوز 17 عاما، حيث أصبحت تتعاطى دواء ومسكنات للنوم بعد تعرضها للتعذيب، وتنام على كوابيس الرعب والخوف، حيث كان يجري نقلها باستمرار إلى طبيب السجن.

وتضيف "وجدت نفسي شبه عارية عند طبيب السجن بعدما فقدت وعيي ذات يوم، حينها فقط علمت أنه تم اغتصابي أكثر من مرة، فقد طلب مني الطبيب الذي سجن لاحقا بتهم التحرش والاغتصاب الجنسي للسجينات بعد الثورة، أن أسكت صونا للعرض، وأن أعتبر نفسي من الـ 4% من النساء اللواتي يولدن فاقدات للبكارة".

ولم تكلف الوزارات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان نفسها للدفاع عن بسمة شاكر، خصوصا أن سنها القانوني كان تحت 18 عاما، حيث كان يجب إيواؤها في الإصلاحية المخصصة لسن الأحداث وتبقى حتى بلوغها سن الرشد.

قطرات دموعها لم تتوقف وهي تكرر بحسرة ومرارة "أكره والدي الذي لم يحضني للحظة، وكان يميزني بين إخوتي الذكور، فكان يتعمد ضربي وإهانتي، إلى درجة أنه يتعمد أن يكون نصيبي وحصتي في الأكل أصغر قطعة من اللحم".

‪مقر هيئة الحقيقة والكرامة التي تنظر في ملفات ضحايا التعذيب في تونس‬ (الجزيرة)
‪مقر هيئة الحقيقة والكرامة التي تنظر في ملفات ضحايا التعذيب في تونس‬ (الجزيرة)

كرامتي وشرفي
تنافخ الإخوة السبعة شرفا حينما قررت بسمة أن تخرج عن صمتها، وأن تبلغ هيئة الحقيقة والكرامة عن جرائم الجلادين، لكن بسمة تقول إن هيئة الحقيقة والكرامة المعنية بجبر الضرر المعنوي والمادي لضحايا الانتهاكات هي الأخرى ما زالت لم تنصفها، والقضاء ما زال ينظر في قضية من اغتصبوها.

انهارت بسمة باكية وهي تفرك أصابعها حسرة "قصفت أحلامي في أن أصبح محامية، وأن أنجب طفلا بعد زواجي، منذ منعتني سلطة الأب الذكوري من إكمال دراستي، ومنذ أن تم اغتصابي لأصبح أما".

قصة بسمة ومواجعها لا تختلف عن قصص أخريات كثر انتمين إلى التوجه الإسلامي، والأحزاب اليسارية من اللواتي تعرضن لأبشع التعذيب النفسي والجسدي داخل الزنزانات بسبب معارضتهن للنظام.

تقول نجوى الرزقي ذات التوجه اليساري للجزيرة نت إنها سُجنت خلال فترة دراستها لسنتين، ثم اعتقلت لاحقا بعد فترة وجيزة من إنجابها طفلها البكر، وتعرضت للنزيف في السجن ولم تتلق الإسعاف هي وابنها طيلة مدة الإيقاف التي دامت ثلاثة أيام.

وأكدت الرزقي أن المعارضات اليساريات والإسلاميات واجهن انتهاكات صارخة في السجون ومراكز الإيقاف بتهمة معارضتهن للنظام، وتابعت أنها تتمنى ألا يقتصر جبر الضرر فقط على التعويضات المادية، بل يجب محاكمة الجلادين.

‪نجوى الرزقي ضحية تعرضت للتعذيب في سجون بن علي بسبب معارضتها للنظام‬  (الجزيرة)
‪نجوى الرزقي ضحية تعرضت للتعذيب في سجون بن علي بسبب معارضتها للنظام‬  (الجزيرة)

جبر الضرر
جبر الضرر لا يرتقي إلى التعويض الكامل عن معاناة ضحايا النظام السابق، وما فقدنه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، ومن المعاملات القاسية التي تعرضن لها، لكنها تبقى بادرة طيبة للمصالحة في إطار ما يعرف بقانون العدالة الانتقالية.

 في هذ السياق، يقول عضو هيئة الحقيقة والكرامة عادل المعيزي للجزيرة نت "طالما أن الملف يتضمن إثباتات حول التضرر، من حق الضحايا المطالبة بحقوقهم التي حرموا منها طيلة عقود من سجن ومحاكمات ظالمة".

وأشار المعيزي إلى أن الهيئة بصدد نشر قوائم المنتفعين بقرارات جبر الضرر المادي والمعنوي من الذين استوفوا الشروط، مؤكدا أن جبر الضرر يتكون أساسا باعتراف الدولة واعتذارها عن الانتهاكات وتأهيل الضحايا مع تقديم تعويض مادي للضحية يكفل لها العيش بكرامة.

من جهته، قال الكاتب العام لمنظمة التعذيب منذر الشارني في تونس للجزيرة نت إن ظاهرة التعذيب في السجون بعد الثورة متواصلة وإن سجلت تراجعا مضطربا بمعدل السنوات حسب ما توثقه المنظمة.

شفاه تنتظر أن تستعيد بسمتها وضحكتها، وأيدٍ تتمنى أن تغرس أصابعها في عين مغتصبيها، وسط كوابيس تستعيد ضحكات جلاديها، ليبقى كل آمالها محاسبة جلاديها الذين تفننوا في تعذيبها.

المصدر : الجزيرة