الموت أو الحرية.. معركة ضد القمع في سجن العقرب

منظمات حقوقية ترصد الانتهاكات داخل السجون المصرية -تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة
معتقلو سجن العقرب دخلوا في إضراب شامل عن الطعام إلى أجل غير مسمى (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

 

ثمة زمن ثقيل، تتداخل فيه الأيام والأشهر والسنوات مع اختفاء الشمس، وكأن الحياة مخبأة داخل ثقب أسود ولا شيء ظاهرا سوى درجات العتمة المحيطة، وعلى ذلك يصبح "الموت أو الحرية" خيارين لا ثالث لهما.

وأمام الأزمنة الثقيلة المعتمة صار الوصول للحرية أو الانتهاء إلى الموت هدف المعتقلين داخل سجن طرة شديد الحراسة "992" والمعروف في مصر باسم سجن "العقرب" لشدة الانتهاكات التي تقع داخله.

فأخيرا تم تسريب رسالة من داخل سجن العقرب تحت عنوان "الحرية أو الموت" تعلن بدء المعتقلين -باستثناء المرضى- إضرابا شاملا عن الطعام إلى أجل غير مسمى، اعتراضا على سوء ظروف احتجازهم.

وحملت الرسالة قول أحد المعتقلين إن "المعتقلين ملوا من القهر والذل والقتل البطيء وقرروا الخروج ولو جثثا".

ويأتي الإضراب على خلفية الانتهاكات الواسعة التي يتعرض لها المعتقلون وأسرهم بشكل دائم غير أن حدته ارتفعت خلال الأسابيع الماضية.

‪المعتقلون قرروا الدخول في إضراب عن الطعام لوقف الانتهاكات الأمنية‬ (الجزيرة)
‪المعتقلون قرروا الدخول في إضراب عن الطعام لوقف الانتهاكات الأمنية‬ (الجزيرة)

قمع متزايد
إجراءات التعسف والقمع عديدة ومتنوعة بحق السجناء داخل العقرب، فقد جردت إدارة السجن المعتقلين من جميع متعلقاتهم الشخصية، ومنعت عنهم الأدوية والعلاج.

وكشفت مصادر داخل السجن عن زيادة معدلات تسكين الزنازين بشكل غير مسبوق، حيث وصل عدد نزلاء الزنزانة -التي لا تزيد مساحتها على عشرة أمتار× ثلاثة أمتار- إلى 25 نزيلا.

وتضمنت إجراءات التعسف والقمع تجريد السجناء من الملابس والأغطية (البطانيات)، ومصادرة الكتب الدراسية والمتعلقات الشخصية، بخلاف تقليص ساعات التريض من ساعتين إلى ساعة ومنعها تماما عن بعض المعتقلين.

وحول الانتهاكات التي تمارس بحق المعتقلين، علقت الناشطة سناء سيف شقيقة الناشط السياسي علاء عبد الفتاح المعتقل في سجن العقرب قائلة إن "شقيقها محروم من التريض والكتب والجرائد والمراسلات والراديو، وكذلك ممنوع عنه الورق والأقلام".

وأضافت -عبر حسابها بفيسبوك- "كل تفصيلة عادية في حياتكم اليومية، هي حق هم بيسعوا (يسعون) له في كل لحظة من يومهم.. أكل ومياه نظيفة ورعاية صحية لائقة.. شمس وهوا (هواء).. وقت دافئ مع عائلاتهم.. كتب ومواد للقراءة.. مزيكا (موسيقى) وأنشطة".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كذلك قلصت إدارة السجن مدة زيارة السجناء من نصف ساعة إلى عشر دقائق وفي بعض الحالات إلى ثلاث دقائق فقط، وعدد الزائرين إلى شخصين بعد أن كانوا ثلاثة، ومنعت الزيارة نهائيا عن عنابر بعينها لمدة شهر كامل.

رجيم وليس إضرابا
ومع تسرب أخبار الإضراب نفى الإعلامي المؤيد للنظام المصري محمد الباز، خلال تقديمه برنامج "90 دقيقة" على إحدى القنوات الفضائية، إضراب المعتقلين عن الطعام.

واعتبر الحديث عن الاضراب أكاذيب يروجها ما وصفهم بنشطاء جماعة الإخوان المسلمين، مشيرا إلى عدم الإبلاغ بوجود إضراب في أي سجن من السجون المصرية.

وأوضح أن هناك واقعة واحدة في سجن القناطر للنساء حيث امتنعت نساء "الإخوان" عن تناول العشاء، وأردف "عندما تم سؤالهن عن السبب قلن إنهن لا يردن أن تزيد أوزانهن" واستطرد "عاملين رجيم تقريبا"!

وحاولت الحكومة المصرية تكذيب الانتهاكات التي تشهدها السجون من خلال تنظيم زيارة لوفد من المراسلين الأجانب والصحفيين المصريين لمجمع سجون طرة، الأسبوع الماضي.

وأظهرت مقاطع مصورة خلال الزيارة، السجناء وهم يمارسون رياضة كرة القدم، وتُقدم لهم خدمة طبية عالية الجودة ويقضون وقتا داخل مكتبة السجن، إلى جانب لقطات لملاعب تنس أرضي وورش تصنيع ومزارع دواجن ونعام وأماكن للشواء.

انتهاكات بالجملة
وفي عام 2017، قدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير لها، عدد السجناء السياسيين في مصر بنحو ستين ألف معتقل. كما أشارت المنظمة الحقوقية إلى مئات حالات الاختفاء القسري.

وخلال تقرير مشترك، استنكرت خمس منظمات حقوقية -هي مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان ومنظمة هيومن رايتس مونيتور ومركز الشهاب لحقوق الإنسان ومنظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان ومنظمة إفدي الدولية- الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في مصر.

وتطرق التقرير إلى ظروف احتجاز المتهمين، حيث يتعرضون للتعذيب الشديد للاعتراف بالجرائم الموجهة إليهم، ويتم احتجازهم في أماكن غير لائقة ولا يتم السماح بإجراء تحقيق حول ما يتعرضون له من تعذيب.

وأوضح عدم تقديم الرعاية الطبية للمحبوسين على ذمة القضايا، ما أدى إلى إصابة بعض الحالات بالشلل النصفي والكلي ووفاة العديد من الحالات، حيث تم رصد 122 حالة وفاة داخل أماكن الاحتجاز.

ومن جهته، تحدث مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان هيثم أبو خليل، عن الانتهاكات التي يتعرض لها سجناء العقرب، من منع العلاج والزيارات والتريض، معتبرا إياها قتلا ممنهجا للمعتقلين.

ووصف للجزيرة نت ما يحدث داخل سجن العقرب بالعار على كل المصريين، مضيفا أن من بين المعتقلين نماذج خدمت الوطن فمنهم رؤساء أحزاب ووزراء وقيادات عمل وطني إلى جانب الشباب الذي حلم برفعة البلاد.

وأشار أبو خليل إلى ارتفاع عدد القتلى داخل أماكن الاحتجاز إلى 1075 شخصا منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013.

وعن مدى جدوى إضراب المعتقلين، قال الناشط الحقوقي إن الإضرابات في عهد المخلوع حسني مبارك كانت تلقى ردود فعل فتتحرك مصلحة السجون وتفتح النيابة العامة التحقيقات ويتم تنظيم ما يسمى بجلسات نصح للسجناء لفك إضرابهم.

غير أن الوضع اختلف الآن -بحسب رأي أبو خليل- حيث إن النظام الحالي يرتبط استمراره بقمع المصريين، لذلك لا يحرك ساكنا أو يهتم بأمر الإضراب.

وفي السياق نفسه، قال الناشط السياسي أحمد البقري إن "الرسالة التي يريد النظام إرسالها من خلال قمع المعتقلين والمؤمنين بالثورة تتلخص في تخيير المصريين بين الاستسلام التام له أو القتل بالجوع والتعذيب والسجن".

ورأى البقري في حديثه للجزيرة نت، أن السلطة ترتبك أمام صمود وتحدي المعتقلين رغم كل المعاناة التي يعيشونها، وأردف "رغم قسوة المحنة يخرج المعتقل من السجن بعزيمة لا تلين في الاستمرار بالحلم الذي ناضل من أجله".

المصدر : الجزيرة