مسنو الروهينغا.. حين تُهدر الكرامة الإنسانية

رابية خاتون داهمها مرض السكري فجأة دون أن تجد الدواء وهي تشكو من قلة المراحيض وعدم مناسبتها لمن هم في مثل سنها المتقدم.
رابية خاتون داهمها مرض السكري فجأة دون أن تجد الدواء، وهي تشكو من قلة المراحيض وعدم مناسبة الموجود منها (الجزيرة)

محمد غلام-الحدود البنغالية الميانمارية

لم تنته رحلة المسنين الروهينغيين مع المعاناة بما كابدوه من أهوال في ميانمار، وما قاسوه من مشاق الطريق في رحلة هرب مضنية عبر الجبال والأنهار.

بل استمرت إلى ما بعد وصولهم هنا إلى بنغلاديش، وبشكل لا يقل قساوة ومرارة. فإضافة إلى ما يلازم أجسادهم المهدودة بفعل عاديات الأيام وصروف الليالي، تمتد المعاناة إلى صميم كرامتهم الإنسانية.

تروي بلقيس عبد القادر ذات الـ95 عاما لمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، كيف تشعر بالمهانة وهي تقضي حاجتها في وعاء خاص توفره منظمات دولية، حيث تمنع اللوائح في المخيم بناء أي مراحيض خاصة، ولا يتوفر العمومي منها إلا بشكل محدود وعلى مسافات متباعدة.

بلقيس عبد القادر تشعر بالمهانة من ظروف حياتها في المخيم (الجزيرة)
بلقيس عبد القادر تشعر بالمهانة من ظروف حياتها في المخيم (الجزيرة)

تضاريس وعرة
وازدحام المخيمات وتضاريسها الوعرة يجعلها بيئة صعبة على المسنين ذوي القدرة المحدودة -أو المعدومة- على الحركة، حيث يعجز العديد منهم عن الوصول إلى الخدمات الحيوية، ومنها الصحية.

وتقول المئوية الروهينغية -بمساعدة ابنتها الوحيدة نور ألجان- إنها تعاني من مشاكل مزمنة في القلب ينجم عنها ضيق شديد في التنفس، وإنها لم تتلق أي علاج ذي صلة بمرضها الحاد، وإنما بعض أدوية الحمى والصداع.

ولا يختلف وضع بلقيس عن وضع عجَزة آخرين كثيرين هنا وأخريات، ومن هؤلاء "دلابي" وهي في التسعين من عمرها، وتقضي أغلب وقتها مستلقية فيما يشبه حالة إغماء نتيجة الحرارة الشديدة والرطوبة في المخيم، حيث لا كهرباء ولا مراوح.

دلابي تقضي أغلب وقتها مستلقية فيما يشبه حالة إغماء نتيجة الحرارة الشديدة والرطوبة في المخيم حيث لا كهرباء ولا مراوح (الجزيرة)
دلابي تقضي أغلب وقتها مستلقية فيما يشبه حالة إغماء نتيجة الحرارة الشديدة والرطوبة في المخيم حيث لا كهرباء ولا مراوح (الجزيرة)

أمراض متكالبة
ليس لدلابي أولاد، وزوجها توفي منذ أمد في ميانمار، ولولا جارتها في أركان -وقد عثرت عليها صدفة في الطريق- لكان وضعها هنا أسوأ بكثير، لكنها الآن تقوم على رعايتها هنا كما لو كانت ابنتها، وهي تأخذها إلى الحمام الكائن على بعد نحو مئة متر من خبائها البالي.

وكبلقيس ودلابي، تلازم كلثوم عمر ذات الـ80 عاما خباءها البالي وقد هدها الزمن وأعياها كر الليالي، وكذلك رابية خاتون ذات الـ75 ربيعا وقد داهمتها أمراض القلب والسكري فجأة دون أن تجد الدواء الناجع، وهي ذاتها تشكو من قلة المراحيض وعدم مناسبتها لمن هم في مثل سنها المتقدمة.

كلثوم عمر مسنة روهينغية (الجزيرة)
كلثوم عمر مسنة روهينغية (الجزيرة)

نوم في مرحاض
وفي شهادة مماثلة لمنظمة العفو الدولية في تقرير أخير صدر قبل ثلاثة أشهر بعنوان "الفرار طوال حياتي: محنة المسنين في الصراع والنزوح في ميانمار"، يقول الروهينغي مولوي هارون -وهو في التسعينيات من عمره- "أذهب إلى المرحاض هنا، أنا آكل وأنام هنا. لقد أصبحت مثل بقرة أو معزى. ماذا سوف أقول أكثر من ذلك؟ الأبقار تغوط وتبول في نفس المكان الذي تأكله فيه… الآن أنا نائم في مرحاض".

على أن هؤلاء -وقد أمنت جلودهم من بطش جيش ميانمار والمليشيات البوذية المرتبطة به- يبقون أحسن حالا بكثير من عجزة ومسنين آخرين بقوا في ميانمار وقد قعد بهم عن الهرب التمسك بالأرض والديار أو العجز البدني عن الفرار.

ويقول تقرير العفو الدولية المشار إليه إن بعض أولئك المسنين ممن بقوا في قراهم المهجرة يعاملهم الجيش بقسوة حين العثور عليهم، حيث "يحتجزهم الجنود تعسفا ويعرضونهم للتعذيب، وفي بعض الأحيان للقتل".

المصدر : الجزيرة