جواز السفر.. سلاح النظام السوري لإذلال وابتزاز مواطنيه

جواز سفر سوري
رابع أسوأ جواز هو الأغلى في العالم (الجزيرة)

أحمد دعدوش

إلى جانب العدد الهائل من أشكال المعاناة التي يجربها السوريون كل يوم، تأخذ معاناة إصدار جوازات السفر لوحدها أشكالا تجمع بين الإذلال والابتزاز، فضلا عن إكراه المعارضين على تمويل النظام الذي يحاربونه، وتبلغ المفارقة أوجها عندما يصبح رابع أسوأ جواز سفر هو الأعلى كلفة ماديا في العالم كله.

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرا اليوم الاثنين تحت عنوان "النظام السوري يستخدم إصدار جوازات السفر كتمويل للحرب وإذلال للمعارضين"، وتناولت فيه مراحل تطور استخدام النظام لهذا "السلاح" ضد معارضيه، بل ضد شعبه كله، مستندة إلى شهادات العديد من المواطنين.

ومع بداية الثورة السورية عام 2011، اتَّبع النظام سياسة مزدوجة، ففرض على كل من يرغب في الحصول على جواز سفر من داخل البلاد وخارجها الحصول على موافقة من الأفرع الأمنية، مما يعني حرمان كل معارض أو ناشط من الجواز، وفي الوقت نفسه أتاح النظام لشبكات مرتبطة بمسؤولين فاسدين إصدار الجوازات بطرق ملتوية مقابل مبالغ مالية كبيرة قد تبلغ خمسة آلاف دولار.

لكن مع تغول شبكات إصدار الجوازات وحصولها على ملايين الدولارات عبر هذه التجارة، فضلا عن حاجة النظام إلى الأموال في ظل الحرب، أصدر النظام مرسوما منتصف 2015 يسمح بإصدار جوازات السفر لجميع السوريين في الداخل والخارج دون تمييز بين معارض وغيره، مع إجبار المغتربين على دفع 400 دولار لإصدار أي جواز، أو نصف المبلغ عند تجديد أو تمديد الجواز لمدة سنتين فقط.

وفي 2017 أتاح النظام لمن يرغب في الحصول على جواز سفر مستعجل خلال ثلاثة أيام أن يدفع مبلغ 800 دولار، وهو الخيار الذي يلجأ إليه الكثير من المغتربين الذين يضطرون للسفر إلى دول محدودة في العالم ما زالت تستضيف سفارات وقنصليات النظام، لأن خيار الانتظار لمدة أطول قد تصل إلى شهرين سيكلفهم مبالغ طائلة، لذا يصبح إنفاق 800 دولار (وهي أعلى رسوم لإصدار جواز في العالم كله) إلى جانب رسوم السفر إلى الدول المستضيفة بمثابة عقوبة جماعية للسوريين، مقابل الحصول على رابع أسوأ جواز سفر عالميا وفق تصنيف موقع "باسبورت إندكس" (passport index).

‪لاجئ سوري يعود إلى بلاده حاملا جواز سفره‬ (الجزيرة)
‪لاجئ سوري يعود إلى بلاده حاملا جواز سفره‬ (الجزيرة)

ابتزاز ومعاناة
علاوة على كل ما سبق، يستخدم النظام السوري ملايين الدولارات التي يجنيها من مواطنيه لتمويل حربه على مواطنيه أنفسهم، فضلا عن إذلال المعارضين في السفارات والقنصليات بالخارج.

وعلى سبيل المثال، يُجبر المواطن المقيم في تركيا على دفع ما بين 250 و500 دولار مقابل تحديد موعد فقط لدخول قنصلية بلاده في إسطنبول، وعندما يبدأ معاملة إصدار الجواز أو تجديده قد يفاجأ بأشكال متعددة من الإذلال والابتزاز، لا سيما إذا كان معارضا، فقد يمزق الموظف جواز سفر المعارض ويرفض منحه بديلا عنه بحجة أنه مطلوب للجهات الأمنية، أو قد لا يمنحه الموظف إيصالا بالأموال المدفوعة ولا أنه قد سلَّم جوازه المنتهية صلاحيته، ليدخل في متاهة أخرى من الابتزاز.

ووفقا للتقرير، يعاني اللاجئون السوريون في لبنان والأردن ظروفا مشابهة، كما يضطر السوريون المقيمون في السعودية إلى السفر للبحرين، في حين يسافر المقيمون في قطر إلى عُمان. وذكر التقرير تفاصيل من الابتزاز تعرض لها العديد من هؤلاء.

‪بعض السوريين المقيمين في الأردن أمام سفارة بلادهم في عمّان‬ (الجزيرة)
‪بعض السوريين المقيمين في الأردن أمام سفارة بلادهم في عمّان‬ (الجزيرة)

 

تمويل الحرب
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها إن النظام يوظف العائدات المادية التي يحصل عليها في دفع رواتب المليشيات الموالية له، وشراء وصيانة الذخائر والأسلحة، والاستمرار في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مشيرة إلى أن فرض النظام أعلى ثمن في العالم لجواز السفر لم يلق أي إدانة دولية تُذكر.

وأضاف التقرير أن أجهزة الأمن ما زالت تشترط حصول المواطن على موافقة أمنية، وبما أن قوائم المطلوبين تشمل ملايين السوريين، فضلا عن المطالَبين بالالتحاق بالخدمة العسكرية، فهذا يعني تعريض هؤلاء للابتزاز الإضافي، كما أنهم لن يحصلوا في النهاية إلا على جوازات سفر بصلاحية سنتين فقط.

وحسب إحصاءات الشبكة السورية، اعتقل النظام ما لا يقل عن 1249 شخصا، بينهم ثمانية أطفال و138 سيدة، أثناء قيامهم بإجراءات إصدار الجوازات، وما زال الكثير منهم في عداد المفقودين.

وقال تقرير الشبكة إن نهب النظام أموال مواطنيه وإذلالهم مقابل حقهم الطبيعي في امتلاك جوازات سفر يُعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية، فلا تكاد توجد دولة في العصر الحديث "ترتكب هذا النمط من الانتهاكات الفاضحة"، إذ لا تزيد رسوم الجوازات في بقية دول العالم عن 20 دولارا، مع أن المواطن السوري يعاني أصلا من مشكلات اقتصادية خانقة.

كما أوصى التقرير المجتمع الدولي بالضغط على النظام وحلفائه من أجل تخفيض رسوم الجوازات، معتبرا أن إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع النظام بمثابة دعم مباشر "لنظام دكتاتوري قمعي يستغل أبسط حقوق مواطنيه".

المصدر : الجزيرة