مصر.. حكايات الرعب والرجاء في رحلة البحث عن جثة مختف قسريا

A policeman stands guard in front of a morgue where the bodies of Saturday's plane crash victims are kept, in Cairo, Egypt November 1, 2015. Russia has grounded Airbus A321 jets flown by the Kogalymavia airline, Interfax news agency reported on Sunday, after one of its fleet crashed in Egypt's Sinai Peninsula, killing all 224 people on board. REUTERS/Asmaa Waguih
مع كل إعلان لوزارة الداخلية عن تصفية مجموعة من المسلحين يسرع أهالي المختفين قسريا لمشرحة زينهم للبحث عن ذويهم (رويترز)

نجحت في رؤيته مرتين أو ثلاثا أثناء تجديد حبسه بالنيابة، وشعرت بأن الحياة ابتسمت لها أخيرا حينما حصل على البراءة، لكنه اختفى من قسم عين شمس شرق القاهرة لمدة خمسة وأربعين يوما، حتى ظهرت جثته في مشرحة زينهم.

كتبت زينب على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "الآن لا أخشى أن يحسدني الناس عليك"، داعية الله أن يجمعهما زوجين في الآخرة.

ومضت زينب في رحلة شاقة للتعرف على جثة زوجها بين أربعين جثة، أعلنت الشرطة تصفيتهم بالقاهرة وشمال سيناء عقب حادث تفجير حافلة سياحية بالجيزة (غرب القاهرة) نهاية الشهر الماضي.

تصاعدت المأساة حينما ذهبت وأهلها إلى مشرحة زينهم للتعرف على جثة أحمد، حيث اكتشفوا بالمصادفة جثة ابن خالته إبراهيم بين الأربعين قتيلا.

وعادة ما ينجح ذوو المختفين في معرفة أسماء ذويهم من ملابسهم التي كانوا يرتدونها وقت اختفائهم.

واعتاد ذوو المختفين قسريا تبادل النصائح والأنباء عقب كل إعلان للداخلية عن تصفية "إرهابيين" في اشتباكات مع قوات الشرطة، تحسبا لأن يكون ذووهم بين القتلى، إلا أن هذه المرة كانت مختلفة.

فلم تعلن الداخلية أي أسماء خلافا للمعتاد، كما لم تنشر صورا للقتلى، ولا مكان قتلهم أو مكان وجود جثثهم، مما صعّب من مهمة الأهالي، الذين بدؤوا رحلتهم من مشرحة زينهم، وتنقلوا من مشرحة إلى أخرى بمحافظات عدة حيث تتوزع الجثث.

كان من بين النصائح المتبادلة ألا يذهب الشباب للمشرحة تجنبا للاعتقال، وأن يحذف الذاهبون بيانات هواتفهم المحمولة لأنها معرضة للفحص والتفتيش من قبل أفراد ينتمون لجهاز الأمن الوطني عند المشرحة، كما تناصح الأهل بأن يكون الذاهبون من غير ذوي القلوب الضعيفة لبشاعة المشاهد.

وشارك نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تحث أهالي المختفين على تسجيل أسماء وصور ذويهم وتفاصيل اختفائهم في قوائم تيسر الوصول إليهم، لتسهيل مراجعتهم للقائمين على ملف الإخفاء القسري والتيسير على الأهالي وصولا لجثث ذويهم.

جثث عدد من ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية في أحد مستشفيات القاهرة (غيتي إيميجز)
جثث عدد من ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية في أحد مستشفيات القاهرة (غيتي إيميجز)

رحلة الرعب والرجاء
ظلت الجثث في مشرحة زينهم لنحو أسبوعين دون السماح بدخول الأسر لرؤيتها والتعرف عليها ثم دفنها.

وذهبت رضوى -وهي زوجة مختف قسريا منذ سنوات- إلى المشرحة بمشاعر متناقضة، فهي ترجو أن تعرف مصيره ولو بالموت، ومرعوبة من التيقن من أنها لن تراه حيا مجددا.

عقب السماح للأهالي بدخول المشارح قبل يومين، طلبت منهم إدارة المشرحة إحضار صورة شخصية وصورة من بطاقة الهوية أو شهادة ميلاد المختفي قسريا المحتمل أن يكون بين القتلى، مما جعلهم يعودون أدراجهم للحصول على المتطلبات الجديدة.

تناصح الأهالي بضرورة التأكد من رؤية كافة الجثامين الجديدة، لأن بعضها ما زال قيد التشريح، كما يوجد بالمشرحة جثث قديمة لأشخاص تمت تصفيتهم على يد قوات الأمن ولم يتسلمهم ذوهم بعد.

يزيد من معاناة الأهالي من خارج العاصمة ضرورة الحصول على طلب زيارة المشرحة من قبل المستشفى الجامعي التابع للمحافظة.

وحذر نشطاء الأهالي من التباطؤ في الذهاب للمشرحة، حيث يتم دفن الجثث في مدافن الصدقة، وبالتالي يصعب الوصول إلى الجثة في المستقبل.

وناشد حقوقيون أقارب وأصدقاء أهالي المختفين قسريا الوقوف بجانب أسرة المختفي قبل وبعد زيارة المشرحة، وتقديم الدعم الديني والنفسي لهم.

بنك القتلى
يؤكد حقوقيون أن الداخلية تحرص على الاحتفاظ بالمعتقلين المختفين قسريا -حتى لو أفرج القضاء عنهم- في "بنك" للمختفين والقتلى المحتملين والمستهدفين بالتصفية.

وحال وقوع "جريمة إرهابية" يجري سحب عدد من هؤلاء المختفين وتصفيتهم لـ"سرعة ردع الإرهابيين"، لكي يدركوا أن الثأر سريع وعنيف.

ودائما ما يثير الحقوقيون جملة من الملاحظات بشأن صور القتلى، تثير الشك في كونهم قتلوا في اشتباكات، منها الأوضاع التشريحية للجثث، فضلا عن صور لجثث مقيدة اليدين.

كما يستند الحقوقيون إلى فيديو نشرته قناة "مكملين"، يظهر تصفية قوات الجيش لمعتقلين في سيناء ووضع أسلحة بجوارهم والتقاط صور لهم، وهي الصور التي نشرها لاحقا المتحدث باسم الجيش على أنها صور لعناصر "إرهابية" قتلت في اشتباكات مسلحة.

وبحسب مصادر حقوقية، شهد شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي وحده الإعلان عن تصفية 62 شخصا، دون إعلان عن أسماء وبيانات تخصهم.

ويؤكد حقوقيون أن التطور الأخير بعدم الإعلان عن معلومات عمن جرت تصفيتهم ولا الكيفية أو مكان التصفية، يعد إنذارا خطيرا لمرحلة غير مسبوقة من القتل دون رقيب أو حسيب، مما يهدر حقوق القتلى.

إضافة إلى أن هذا التعتيم، يجهض محاولات النشطاء والأهالي تقديم بلاغات عن تصفية أبنائهم أو محاسبة القتلة في المستقبل بشكل قانوني.

المصدر : الجزيرة