جحيم السجون المصرية نعيم بتصريحات مسؤوليها

عبد الكريم سليم-القاهرة
استقبل نشطاء مصريون بسخرية واسعة تصريحات اللواء زكريا الغمري مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون بشأن وصول مرتبات السجناء لستة آلاف جنيه (نحو ثلاثمئة دولار)، إذ يفوق هذا المرتب دخول معظم المصريين خارج الأسوار.
وطالما رصد مراقبون وحقوقيون قسوة ظروف السجون بمصر على خلاف ما قاله المسؤول في ندوة بمركز بحوث الشرطة إن لحوم البط والحمام والنعام متوفرة بالسجون.
ليس هذا فحسب، بل صرفت وزارة التضامن 102 مليون جنيه معاشات لأسر السجناء خلال 2018، وفق تصريحاته في اللقاء ذاته.
ولفت الغمري إلى أن في السجون مستشفيات ذات خدمات صحية عالية المستوى، وتابع أن تعليم السجناء متاح من محو الأمية وصولا للدكتوراه.
وبحسب حديث ذوي سجناء -تحفظوا على ذكر أسمائهم- للجزيرة نت، يعاني السجناء جحيما لا يوصف، ويتكدس في الزنزانة الواحدة ذات المساحة التي لا تزيد على عشرة أمتار مربعة عشرات السجناء.
ويقول خالد إن شقيقه -وهو سجين سياسي- يضطر للنوم ورأسه قرب ستارة حمام الزنزانة حينما يغالبه النوم ولا يجد مترين يمدد عليهما جسده المتعب من كثرة الوقوف بين رفاق السجن النائمين متجاورين.
ولا يخفف تعاقب فصول السنة معاناة السجناء من قيظ الصيف وزمهرير الشتاء.
ويؤكد نائل حسن -وهو ضابط شرطة سابق قضى مؤخرا عاما في أحد السجون المصرية بتهمة إهانة رئيس الجمهورية- أن المساجين لا مرتبات لهم باستثناء الحرفيين شرط ألا يكونوا سياسيين وفق تعليمات جهاز الأمن الوطني.
ويحصل السجين على المقابل في شكل كوبونات تذهب لإدارة السجن التي تمنح لكل حرفي عشرين جنيها يوميا تودع أمانات لدى الإدارة.
أما طائفة الصناع فتشغلهم إدارة السجن، وتحصل على عوائد إنتاجهم لتمنحهم جانبا منها بالطريقة المذكورة.

أسعار فلكية
ووجبة الإفطار للسجين عبارة عن فول وبيضة وقطعة جبن بيضاء وقطعة حلوى طحينية من إنتاج مصانع وزارة الداخلية، أما وجبة الغداء فالبروتين الحيواني هو قطعة لحم أسود اللون ليوم أسبوعيا.
وتتكون وجبات الغداء طوال الأسبوع من باذنجان أو لوبيا أو عدس، ومعظم هذه الوجبات يلقيها السجناء في القمامة لرداءة طعمها، وبعضها يؤكل أحيانا اضطراريا.
ويصل الطعام إلى السجناء في أكياس بلاستيكية "تباع لهم" يتوجب عليهم استلامها حتى لو كانوا سيلقونها في القمامة لاحقا، لأن رفض استلامها يعني إعلان الإضراب عن الطعام.
ويتوافر البط والحمام والجمبري بالفعل ولكن في "مقصف" السجن وبأسعار فلكية، إلى جانب مواد غذائية أخرى، وإيرادات المبيعات تذهب لإدارة السجن.
ويحظر تداول الأموال بين السجناء، فيحصل السجين على احتياجاته من مقصف السجن بكوبونات يشتريها له ذووه من إدارته، ولو لم يستخدمها خلال شهر تبطل صلاحيتها.
وكثيرا ما تجبر إدارة السجن السجناء على الشراء من المقصف بعدم السماح بإدخال أي طعام مشترى من خارجه، ويجد كثير من ذوي السجناء تعنتا عند زيارتهم، فتعليمات الزيارة تتغير باستمرار، وكثيرا ما يتم تفتيش كل شيء حتى الطعام.
ولا تتم الزيارات لسجناء "العقرب" المتهمين في قضايا خطيرة إلا بإذن من النيابة، ويراهم ذووهم من وراء زجاج ويحادثونهم عبر هاتف داخلي، وحين يحظى السجين بفرصة نادرة للعرض على طبيب تصرف له فقط حبتا دواء، أما الأمراض الخطيرة فلا علاج لصاحبها في السجن.
تشابه
ولا تختلف هذه الأحوال كثيرا من سجن إلى آخر إلا بدرجة المعاناة، وفي السجون الـ53 بمصر تتباين تقديرات أعداد شاغليها، فحسب منظمات حقوقية تبلغ أربعين ألف سجين سياسي فقط، في حين يشمل هذا العدد كل السجناء وفق رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب علاء عابد، وهو ضابط سابق متهم بالتعذيب.
ويقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد فريد مولانا إن الفترة الحالية تماثل في قسوتها على السجناء وذويهم فترة التسعينيات من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك التي تحسنت فيها ظروف السجون بآخر عامين من حكمه.
وتعد الفترة الفاصلة بين ثورة يناير 2011 وانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 أفضل الفترات للسجناء، إذ اقتصرت على سجن الجنائيين.
أما الآن فالسجون مكتظة، ويبلغ التضييق على الأهالي والمعتقلين مداه، ويجري التعذيب يوميا في بعض السجون مثل العقرب.
ويرى مولانا -الذي قضى فترات في سجون مبارك ثم السيسي- أن السياسة الحالية تتعمد عقاب المساجين وأسرهم من باب الضغط على الحاضنة المجتمعية واستنزافها ماديا ونفسيا ودفعها إلى الاستسلام للنظام، وهي سياسة حققت نجاحا مع الوقت منذ أيام مبارك.