المصحات القانونية بالمغرب تقدم خدماتها بالمجان

سناء القويطي/ واجهة البناية التي تحتضن المصحة القانونية بكلية الحقوق بالرباط
واجهة البناية التي تحتضن المصحة القانونية بكلية الحقوق بالرباط (الجزيرة)

سناء القويطي-الرباط

وسط قاعة فسيحة في كلية الحقوق بالرباط، جلس عبد العزيز في انتظار موعده داخل المصحة القانونية، يلتفت يمنة ويسرة ويده لا تفارق محفظته الجلدية.

بعد لحظات يصل حكيم (طالب في الماجستير) وسلمى (باحثة في الدكتوراه) ويدعوانه للجلوس حول طاولة كبيرة تتوسط القاعة.

يبدأ عبد العزيز سرد قصته دون أن يعرف من أين يبدأ، تتداخل أمامه تفاصيل سنوات من العمل المضني انتهت بضغوط يتعرض لها من مشغِّله، بهدف طرده من العمل ومن سكنه الوظيفي.

حمل هذا الرجل الخمسيني همومه وقصد المصحة القانونية المجانية بعدما وجهه إليها أستاذ جامعي يقدم برنامجا في إحدى الإذاعات المحلية، آملا أن يجد فيها حلا يحميه من التشرد ويحفظ حقوقه.

يستمع حكيم وسلمى بإمعان لقصة هذا الرجل، يدونان ملاحظاتهما حول قضيته، وبين الفينة والأخرى يستفسران عن جزئيات غير واضحة في كلامه. 

يحكي عبد العزيز بعيون مبللة بالصدمات، كيف قضى سنوات من العمل حارسا بإحدى المؤسسات التعليمية الخاصة دون عطل أو ساعات عمل محددة، وبأجر شهري لا يتجاوز 1500 درهم (نحو 160 دولارا) بدل 2440 (نحو 260 دولارا) التي وعدوه بها.

يمضي الرجل الخمسيني في حكايته التي طرقت أبواب المحكمة بعدما طرده مدير المؤسسة شفويا، وبين جملة وأخرى يمد يده إلى حقيبته الجلدية ليخرج وثيقة تدعم قصته.

يقول إن المدير أنكر أمام القضاء واقعة الطرد التعسفي، وقام بتسوية وضعيته المالية، لكنه -في المقابل- همشه وبدأ التضييق عليه إلى أن أوقف ربط مسكنه بالماء والكهرباء. 

‪سلمى وحكيم طالبان بكلية الحقوق يستمعان لعبد العزيز وهو يحكي قضيته‬ (الجزيرة)
‪سلمى وحكيم طالبان بكلية الحقوق يستمعان لعبد العزيز وهو يحكي قضيته‬ (الجزيرة)

صقل المعارف
ليست هذه هي المرة الأولى التي تجلس فيها سلمى بوجلابي قبالة أحد المواطنين تستمع لشكواه، بل إنها مع تكرار مثل هذه اللقاءات خبرت التعامل مع القضايا والحالات الواردة على المصحة القانونية.

تلخص سلمى للجزيرة نت قضية عبد العزيز، وتقول إنه يتعرض لتحرش معنوي ومحاولات للتضييق من قبل مشغله بهدف دفعه لمغادرة عمله، وبالتالي التنصل من أداء مستحقاته.

بعد مرحلة الاستماع والاطلاع على الوثائق الخاصة بهذه القضية، ستقوم سلمى وزميلها حكيم في مرحلة ثانية بإعداد تقرير يتضمن رأيهما القانوني فيها، قبل عرضه على الأساتذة، ثم الاتصال بعبد العزيز وإخباره بالطريق القانوني الذي سيسلكه في مواجهة مشغله.

تقول سلمى للجزيرة نت إن المصحة القانونية مكنتها من تنمية مهاراتها، فهي تعاين حالات حية وإشكالات قانونية حقيقية، وبذلك تختبر ما اكتسبته في الكلية من معارف من خلال البحث عن حل قانوني لتلك الإشكالات، لكنها تؤكد أنها وزملاءها لا يحلون محل المحامين، بل يقومون فقط بالإرشاد والتوجيه. 

خدمة مجانية
افتتحت أول مصحة قانونية بالمغرب، في أبريل/نيسان 2015، في كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، بهدف تقديم الاستشارات القانونية للمواطنين بالمجان، بإشراف من أساتذة جامعيين ومتخصصي القانون.

وأوضحت إلهام الحمضي الأستاذة الجامعية في القانون والمسؤولة على هذه المصحة، أن التجربة بدأت بالتعاون مع جامعة بوردو الفرنسية، التي أطلقت مصحة قانونية عام 2014، واقترحت الفكرة على جامعة محمد الخامس.

وتضيف للجزيرة نت أن هذه المبادرة انطلقت وعينها على تكوين الطلبة تكوينا تطبيقيا وعمليا، يختبرون فيها ما تعلموه من نصوص قانونية ونظريات على أرض الواقع، كما أنها ستمكن من مساعدة الفئات الهشة في المجتمع التي لا تتوفر لديها الإمكانيات المادية لطلب الاستشارة من المحامين.

بيد أن انطلاق المصحة في عملها جعلها مقصدا لأطباء ومهندسين وموظفين. هؤلاء لم تدفعهم مجانية الخدمات لطلب الاستشارة، بل ثقتهم في الجامعة وفي أساتذتها، وفق ما يقول خالد عنتري منسق المصحة، مضيفا أنهم يقصدونها لسماع رأي قانوني محايد في قضاياهم الرائجة في المحاكم.

وتستقبل المصحة القانونية مساء كل خميس الراغبين في الاستشارة، في مجالات القانون المختلفة، وتقول الدكتورة إلهام الحمضي إن معظم القضايا تتعلق بالقانون الاجتماعي، أي قانون الشغل والتأمين الصحي وغيرها، إلى جانب قضايا أخرى تتعلق بقوانين العقود والأسرة والقانون الجنائي.

‪كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط‬ (الجزيرة)
‪كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط‬ (الجزيرة)

وبعد الرباط، امتدت التجربة إلى جامعات أخرى، فافتتحت في طنجة مصحة قانونية متخصصة في قضايا المهاجرين واللاجئين، وثانية متعددة التخصصات في جامعة سطات، وثالثة في جامعة الدار البيضاء متخصصة في قضايا حقوق الإنسان واللاجئين والمهاجرين، وتجري الاستعدادات لإطلاق مصحة متعددة التخصصات في جامعة مكناس.

إكراهات
لم تكن الطريق مفروشة بالورود أمام الفريق المشرف على هذه المصحة، فقد كان بعض ممارسي القانون يعتقدون أن هذه المصحات المجانية ستنافسهم.

تشرح إلهام كيف غيّر هؤلاء أفكارهم حول هذه المبادرة بعد حوارات ومقالات ولقاءات إذاعية تناولت الموضوع، وليس ذلك فقط، فالمبادرة لقيت انتقادات من قبل بعض المتابعين الذي اعتبروها غير ذات جدوى وبلا نفع.

بفخر وثقة، يقول خالد إن إيجابيات المصحة ظهرت من خلال تفاعل طلبة الماجستير والدكتوراه معها، فرغم أن المشاركة في هذه التجربة اختيارية، فإنهم أبدوا رغبة في المشاركة فيها، مما زاد من إيمان المشرفين عليها بأهميتها وجدواها.

هي فضاء -كما يقول خالد- لتمرين الطلبة على الاحتكاك المباشر بالمواطنين ولمس القانون، ففيها يتعلمون كيف يستمعون للمشتكين ويميزون الجانب القانوني في كلامهم، ويتمرنون على الانتباه للجزئيات والتفاصيل التي قد لا يلقي لها صاحب القضية بالا.

وتضيف إلهام أن هذه المصحة ستساعد الطلبة على الاندماج المهني بعد تخرجهم محامين ومستشارين قانونيين وقضاة، وهي فرصة للتكوين لم يحظ بها جيلها.

المصدر : الجزيرة