"صدمة" لإقرار قانون الجمعيات بمصر

التصديق على قانون "يغتال" العمل الأهلي بمصر
حقوقيون كثر رأوا أن قانون الجمعيات المصادق عليه يقضي على كل منافذ العمل الخيري بمصر (الجزيرة)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

خاب رهان كثيرين في أن تؤدي موجة الانتقاد العالية لمشروع قانون "الجمعيات الأهلية" -الذي أقره البرلمان المصري منذ ستة شهور- إلى رفضه أو تعديله، وذلك بعد تصديق رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي عليه ونشره بالجريدة الرسمية منذ أيام.

وعبّر حقوقيون ومراقبون عن "صدمتهم" لتجاهل النظام المصري الانتقادات والملاحظات التي امتلأت بها فضاءات الإعلام المحلي والدولي لمشروع القانون الذي رأوا فيه قضاء على آخر أسباب حياة العمل الخيري في مصر.

ورأت منظمات حقوقية أن التضييقات التي جاء بها القانون لا تتوقف عند الحد من النشاط المجتمعي ومنافعه للفقراء فحسب، بل تجاوزت ذلك لتمس الحريات والحقوق، مما دفع البعض لاعتباره "شهادة وفاة" لمنظومة الحقوق في البلاد.

القانون المكون من 89 مادة الذي أقره البرلمان أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأغلبية ساحقة حظر -وفق منظمات حقوقية- أشكالا معتمدة ومعتادة للعمل الأهلي، وفرض عقوبات واسعة ومغلظة على من يخالفه، ومن المنتظر أن يؤثر على 47 ألف جمعية محلية ومئة أجنبية تعمل بمصر، وفق منظمة هيومن رايتس ووتش.

مصطفى عزب: القانون إنهاء لما تبقى من المجتمع المدني المصري
مصطفى عزب: القانون إنهاء لما تبقى من المجتمع المدني المصري

إنهاء حتمي
مسؤول الملف المصري بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مصطفى عزب، اعتبر القانون بمثابة "إنهاء" لما تبقى من المجتمع المدني المصري، وأنه سيترتب عليه "حتما" تجميد أغلب الجمعيات الأهلية الخيرية أو الحقوقية لنشاطاتها داخل مصر، أو أن تصبح صورا من الجمعيات الحكومية، خاصة مع حظره لأي نشاط سياسي.

ويذهب في حديث إلى الجزيرة نت إلى أن أي محاولة لتلافي أضرار القانون ستصطدم بقرارات الجهة الإدارية المُعينة من الدولة لمراقبة عمل الجمعيات، حيث إن أغلب أنظمة عمل الجمعيات الحالية مخالفة للقانون الجديد والذي يُخضِع كافة تحركات الجمعيات للتحكم من قبل الجهة الإدارية.

ويشير عزب إلى أن استخدام مصطلحات عامة كـ "دعم الإرهاب وتمويله" و"أنشطة تثير العنف والبلبلة" دون تحديد ماهية هذه الأنشطة والأفعال، سيجعل من أي جمعية لا تتوافق مع هوى النظام جمعية تدعم الإرهاب ويجب أن تخضع لقانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال.

واستبعد مسؤول الملف المصري بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أن يتراجع النظام المصري عن هذا القانون في ظل حالة الانهيار والتسييس التي تعاني منها أجهزة الدولة، حتى مع ما هو متاح من جواز الطعن على دستوريته أمام القضاء.

في ذات السياق، يعتبر مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي القانون بمثابة "تأميم" للعمل الأهلي بمصر، لما تضمنه من قيود غير مسبوقة، مشيرا إلى أنه يأتي في إطار سلسلة قوانين سيئة السمعة أصدرها النظام الحالي.

خلف بيومي: القانون تأميم للعمل الأهلي بمصر لما تضمنه من قيود 
خلف بيومي: القانون تأميم للعمل الأهلي بمصر لما تضمنه من قيود 

غير مسبوق
ويلفت -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن مواد القانون تضمنت عقوبات غير مسبوقة وتجريما لكافة أشكال العمل الأهلي، ومن ذلك تجريم إجراء بحوث أو استطلاعات رأي بغير موافقة الحكومة، وكذلك تجريم نقل مقر الجمعية أو التواصل مع جمعيات أخرى دون الرجوع لها.

ورأى أن القيود التي أسرف النظام في وضعها بالقانون ستحول دون عمل المؤسسات الأجنبية بمصر، كما أن المبالغة في العقوبات المترتبة على مخالفة قيوده ستؤثر بشكل كبير على عمل المؤسسات المحلية، مشددا على أنه ليس أمام المؤسسات والجمعيات الأهلية سوى السعي الجاد لإلغاء القانون.

في المقابل، يرى القيادي بتحالف العدالة الاجتماعية أسعد هيكل أن القانون نتاج طبيعي لمرحلة تحديات استثنائية تمر بها مصر داخليا، تتمثل في الظروف الاقتصادية الصعبة والجرائم الإرهابية، وأخرى خارجيه مؤثرة، خاصة بدول الجوار مثل ليبيا وسوريا.

وذهب إلى أن هذه التحديات دفعت إلى إصدار هذا القانون الذي أضفى مزيدا من الرقابة والقيود على العمل المدني، مشيرا إلى أنه بات واجب النفاذ، وليس أمام الجمعيات والمؤسسات القائمة سوى احترامه وتعديل أوضاعها لتتوافق معه.

المصدر : الجزيرة