رحاب نجت من "صبرا وشاتيلا" فذاقت مرارة التشتت

أحمد فياض-غزة

بدعاء إلى لملمة شتات الشعب الفلسطيني، وعلى وقع البكاء وتمني لقاء قريب، أنهت كل من الشاعرة رحاب كنعان من غزة وابنتها ميمنة من لبنان مكالمتهما الهاتفية المؤثرة التي تذكّر خلالها البنت أمها بأنها لم تحتضنها سوى ثلاث أو أربع مرات منذ اكتشفت الأخيرة أن ابنتها ما زالت حية.

فاحتضان الأم ابنتها للمرة الأولى كان بمبادرة من إحدى القنوات العربية بعد مرور 24 عاما على تشتت الأم عن طفليها، ولم يطفئ نار شوقها إلى ابنتها التي ظنت أنها قضت إلى جانب شقيقها ماهر في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982.

توقعت الأم والبنت أن ذلك اللقاء الذي جمعهما في أبوظبي سيضع حدا لتشتت الأسرة، لكن سرعان ما عادت البنت إلى حياة الشتات بمخيم في صبرا وشاتيلا، والأم إلى غزة، محطة الشتات الأخيرة التي قدمت إليها من تونس، بعد اضطرارها إلى الخروج من لبنان مع رجال الثورة الفلسطينية عام 1982.

بعد بضعة أيام أخرى، نجحت الشاعرة رحاب، التي فجعت باستشهاد 54 فردا من أفراد عائلتها في مجزرتي تل الزعتر وصبرا وشاتيلا، في احتضان ابنتها مرة أخرى على أرض لبنان لمدة شهر بمساعدة جمعية الأخوة اللبنانية، وبعدها عادت حياة الفراق لتستمر عشرة أعوام.

لقاء تحت الأرض
في عام 2012، تمكن شقيق ميمنة من مفاجأة والدته في جلب اخته من لبنان إلى غزة لزيارة والدتها، لكن هذه المرة عبر الأنفاق الممتدة أسفل الحدود المصرية مع قطاع غزة.

صُدمت ميمنة المتزوجة في لبنان بمرورها لأول مرة في حياتها إلى جزء من وطنها الذي تربت على عشقه من نفق تحت الأرض، وعادت إليها الذكريات المؤلمة فور محاولة نزولها من فوهة النفق من الجانب المصري متذكرة لحظات استشهاد شقيقها ماهر الذي استشهد على مدخل الملجأ الذي لجآ إليه معا إبان مجزرة صبرا وشاتيلا.

قبل نهاية النفق من الجانب الفلسطيني تفاجأت ميمنة باستقبالها من قبل شقيقها الثاني من والدتها، الذي ما إن وصل بها خارج النفق إذ بقواها تنهار من هول صدمتها بلقاء شقيقها وأرضها للمرة الأولى في حياتها، فافترشت الأرض وأخذت تقبض التراب وتشمه كأنه المسك، وفق ما تقول.

وتمنت في حديثها للجزيرة نت أن يشاركها أهل الشتات تلك اللحظات التي يلتقي فيها كل المحرومين بمحبيهم وذويهم ممن فرقتهم الحروب والملمات لينعموا بلقاء أرضهم ويطفئوا نار الغربة والتشتت قبل أن توافيهم المنية.

ألم وأمل
شاءت الأقدار أن تعيش ميمنة مع أسرتها تفاصيل الحرب العدوانية على غزة في ذلك العام، لتعود بعدها إلى زوجها وأطفالها في لبنان، حاملة مشاهد لملمة الفلسطينيين جراحهم في غزة، وليكتب عليها من جديد أن تعيش ألم البعد والتشتت عمن تلمست عطفهم وشوقهم منذ سنوات طويلة.

وتحمل حكاية رحاب وابنتها الكثير من معاني الألم والأمل، إلا أنها تبقى رغم تفاصيها المأساوية والمفرحة أفضل حالا من مئات آلاف الأسر الفلسطينية المتشتت أفرادها بفعل المذابح والحروب داخل الوطن المحتل وخارجه.

وإن كان الحظ حالف الشاعرة رحاب كنعان الملقبة "بخنساء فلسطين" بأن تلتقي ابنتها بعد عشرات السنيين، فإن حكايات التشتت والتشرد لا تفارق أي بيت فلسطيني، فمنهم من شردته المجازر والحروب، ومنهم شتته النزوح، ومنهم من شتته شظف العيش، ومنهم من تاه في أصقاع الأرض لا يملك من الأوراق الثبوتية ما يعيده إلى أهله وأرضه.

المصدر : الجزيرة