الانتهاكات بمصر.. المحاكمة أهم من الاعتذار
دعاء عبد اللطيف-القاهرة
وقال الوزير عبد الغفار خلال مؤتمر صحفي الاثنين الماضي بحضور رئيس الوزراء شريف إسماعيل، "نقبل رأس كل مواطن تعرض لانتهاك أو إساءة أو تصرف غير كريم من رجال الشرطة خلال الفترة الماضية".
قتلة محترفون
رئيس ما يعرف بـ"البرلمان المصري بالخارج" الدكتور جمال حشمت من جهته رأى في اعتذار وزير الداخلية فعلا اضطراريا لتهدئة الرأي العام. ووصف في حديثه للجزيرة نت وزير الداخلية ومساعديه بالقتلة المحترفين، وأضاف" لكنهم لا يستطيعون قتل الشعب كله وعندما تورط جنودهم في ذلك توجبت التهدئة ليبقى مستوى المذابح في إطار معارضي السلطة فقط".
وزاد حشمت أن اعتذار عبد الغفار لن يبني شيئا ملموسا، مشيرا إلى أن "الرجل يقود وزارة فلسفة وجودها مبنية على استعمال العنف للسيطرة على الشعب" والحال أن الحاجة ماسة لإعادة بناء مؤسسة الشرطة بما يشمل الانتماء والأهداف والوسائل والأفراد والقيادات.
وأوضح المتحدث أن وزارة الداخلية كانت منذ نشأتها هيئة مدنية حتى جاء الانقلاب العسكري ووضعها في دستوره ضمن الأجهزة العسكرية.
وفي السياق نفسه، اعتبر مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات عزت غنيم اعتذار عبد الغفار غير ذي نفع على المستوى المادي والمعنوي، مؤكدا أن محاكمة مرتكبي الجرائم من أفراد الشرطة هي الأهم، وأوضح في تصريح للجزيرة نت أن الاعتذار صدر بعدما فاض الكيل من التجاوزات بحق المواطن في الشارع.
اعتذار انتقائي
وزاد غنيم أن "الوزير لم يعتذر عن حالات الاختفاء القسري أو التعذيب حتى القتل بالسجون أو التصفيات الجسدية خارج إطار القانون"، مشيرا إلى أن الشرطة تتعامل بنظام ما قبل دولة القانون.
ولم يبد الكاتب الصحفي أحمد القاعود أي تفاؤل خاص بنيّة النظام محاكمة المتجاوزين، معتبرا تصريحات وزير الداخلية محاولة لامتصاص غضب شعبي تجاه الانتهاكات الشرطية والانهيار الاقتصادي، وأن احتواء الغضب ليس لتصحيح وضع، وإنما لحماية مصالح من وصفها بـ"العصابة الحاكمة".
وقال القاعود للجزيرة نت إن النظام الحالي يدرك أن استمرار مساندة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية له مرهون باستقرار نسبي يضمن حماية مصالحهما بالمنطقة.
وجاء اعتذار وزير الداخلية المصري وسط حالة من الاحتقان الشعبي الناتج عن سلسلة من الانتهاكات الشرطية وقعت مؤخرا ليكون الفريد من نوعه بعد عقود من التجاوزات.
وكان مقتل مواطن الأسبوع الماضي برصاص أمين شرطة في حي الدرب الأحمر وسط العاصمة القاهرة دفع أهالي الحي إلى التظاهر أمام مقر مديرية أمن القاهرة، في سابقة لم تحدث منذ أكثر من سنتين، حيث هتفوا ضد رجال الداخلية.
وبعد 24 ساعة من حادثة القتل المذكورة، اقترح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع بوزير الداخلية تعديل بعض القوانين لضبط الأداء الأمني في الشارع بما يضمن محاسبة المتجاوزين، ومواجهة بعض التصرفات غير المسؤولة لأفراد بجهاز الشرطة.
انتهاكات بالجملة
ويأتي اقتراح السيسي بعد أيام قليلة من ضرب شرطيين لطبيبين بمستشفى المطرية، مما أشعل انتفاضة للأطباء ودفعهم لعقد جمعية عمومية انتهت بالتهديد بالإضراب في حال عدم معاقبة المتجاوزين.
ولم تقتصر التجاوزات والانتهاكات على المصريين، بل امتدت يد الشرطة للوافدين الأجانب، ورجح كثيرون تتبعوا خيوط قصة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي اختفى يوم 25 يناير/كانون الثاني الماضي تعرضه للتعذيب، قبل العثور على جثته بعد عشرة أيام وعليها آثار تعذيب شديد.
وانتقد نحو أربعة آلاف أكاديمي غربي في بيان مشترك السلطات الأمنية في مصر، في حين ذكرت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين المصريين خلال مؤتمر صحفي عقد الشهر الجاري أن الشرطة ارتكبت نحو 782 انتهاكا ضد الصحفيين بين السجن والمنع من الكتابة وتعطيل طباعة صحف.
وعلى صعيد الاعتقالات والقتل داخل أماكن الاحتجاز، قالت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في تقرير لها إن هناك نحو أربعين ألف معتقل سياسي في السجون المصرية، كما طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش بالكشف عن أماكن احتجاز العشرات من المختفين قسريا.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي أكد تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وفاة 337 محتجزا نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب وسوء أوضاع الاحتجاز في السجون المصرية منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013.