الصحفيون.. حين تتكسر النصال على النصال

محمد غلام-الدوحة

سهام تتناوشهم من كل جانب، وسيوف مصلتة على رقابهم، تجزها أحيانا حقيقة لا مجازا، حتى لكأنهم المعنيون ببيتي المتنبي:

رماني الدهر بالأرزاء حتى       فؤادي في غشــاء من نبالِ
فصرت إذا أصابتني سهـام      تكسرت النصال على النصالِ

تلك ضريبة الكلمة الحرة التي يدفعها الصحفيون، ويواجهون بسببها القتل والذبح والعنف الجسدي والمعنوي والتضييق المالي، وذلك وفق آخر تقريرين دوليين صدرا قبل أيام رصدا واقع حرية الكلمة في العام الحالي وشنّعاه في العالم العربي.

فالحكومات والإرهابيون والمجرمون وملاك وسائل الإعلام عصفوا بحرية الصحافة -وفق تقرير لمؤسسة فريدوم هاوس صدر الأربعاء- إلى أسوأ مراحلها في عشرة أعوام.

وتقول مديرة التقرير جينيفر دنهام، إن الصحفيين واجهوا ضغوطا مكثفة من جميع الجهات "فالحكومات تستخدم قوانين الأمن أو مكافحة الإرهاب كذريعة لإسكات الأصوات الناقدة، والجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية تستخدم تكتيكات وقحة بشكل متزايد لترهيب الصحفيين، وعالج أصحاب وسائل الإعلام المحتوى الإخباري خدمة لمصالحهم السياسية أو أعمالهم التجارية".

ووصل إلى الخلاصة نفسها تقرير آخر للجنة حماية الصحفيين صدر الاثنين، مؤكدا أن الصحفيين باتوا عالقين بين مطرقة المجموعات الإرهابية وسندان الحكومات التي تقيد حرياتهم تحت ستار مكافحة الإرهاب.

وتشمل التهديدات التي تواجه الصحفيين -وفق التقرير- "مراقبة الصحفيين، والرقابة الذاتية مرورا بالعنف والسجن"، وهو ما يجعل من هذه المرحلة "الأكثر خطورة ودموية للصحفيين في التاريخ الحديث"، مشيرة في هذا الصدد إلى اعتقالاتهم في إثيوبيا التي سجن فيها العديد من المراسلين بتهمة "الترويج للإرهاب"، ومصر بتهمة ارتباطهم بالإخوان المسلمين.

حريات مقموعة
وبحسب تقرير فريدوم هاوس، فإن 71 دولة سجلت ضمن مجموعة الصحافة ذات الحرية الجزئية بنسبة 36% من مجموع الدول التي تم مسحها، بينما بلغ عدد الدول التي لم تتمتع بحرية الصحافة 65 دولة، أي بنسبة 32%.

وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، يعيش 2% فقط من السكان في بيئة تتمتع بصحافة حرة، بينما يرزح 93% في بلدان لا تتمتع بحرية صحافة.

ومن بين أسوأ عشر دول في العالم حلت إيران وسوريا، بجانب روسيا البيضاء وكوبا وغينيا الاستوائية وإريتريا وكوريا الشمالية وتركمانستان وأوزبكستان وشبه جزيرة القرم الخاضع لروسيا.

وسجلت مصر -التي صنفت ضمن البلدان غير الحرة- درجة 73 (من أصل مائة نقطة) وهي الأسوأ خلال 11 عاما، وذلك بسبب القبض على الصحفيين، وعدد من الدعاوى القانونية المعيبة بشكل كبير تمخضت عن عقوبات قاسية لصحفيين وعاملين في وسائل الإعلام، وحلت قبلها مباشرة العراق (72).

ومن بين دول العالم العربي سجلت تونس تقدما ملحوظا، وحلت في المرتبة 48 ضمن الدول المصنفة "حرة جزئيا" إلى جانب موريتانيا (50) ولبنان (55) والكويت (59)، وحلت أغلب الدول العربية في تصنيف "غير حرة".

وذكرت لجنة حماية الصحفيين -ومقرها نيويورك- أن 27 صحفيا قتلوا خلال عام 2014، في 15 دولة، أربعة منهم في الصومال، وثلاثة في سوريا، ومثلهم في باكستان.

وتشير منظمة مراسلون بلا حدود إلى وجود 158 صحفيا سجينا، فضلا 176 مواطنا صحفيا.

وتلفت لجنة حماية الصحفيين إلى أن الصحفيين في أوروبا يخضعون أحيانا إلى بعض القيود المتعلقة بـ"حماية الحياة الخاصة" إضافة إلى تهديدات اليمين المتطرف، وفي الولايات المتحدة يواجهون قيودا مرتبطة بالأمن القومي "تجبر الصحفيين على التحرك كجواسيس".

وفي نقاط مضيئة قليلة، حصل تقدم جيد وفق فريدوم هاوس في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وقد حصدت غانا المرتبة 28 ضمن الدول الـ"حرة".

المصدر : الجزيرة