رسالة للصحفي بالجزيرة بيتر غريست من زنزانته بمصر


تحتجز السلطات المصرية عددا من مراسلي وصحفيي ومصوري شبكة الجزيرة الفضائية منذ مدة، ومن بينهم الزميل بيتر غريست الحائز على جائزة المراسل الأجنبي من شرق أفريقيا، والذي أرسل رسالة من زنزانته، هذا نصها:
أشعر بالعصبية وأنا أكتب، فأنا داخل زنزانتي الباردة بعد التمرين الرياضي الرسمي -أربع ساعات في الحديقة العشبية خلف جناح السجن- وأنا لا أرغب في أن يتم انتزاع ذلك الحق مني.
ولقد تم حجزي في زنزانتي للعشرة أيام الماضية على مدار الساعة، ولم يكن يسمح لي بالخروج إلا لمقابلة المحقق الذي يستجوبني، ولذلك، ففرصة النزهة تحت أشعة الشمس المعتدلة في الشتاء تعتبر فرصة ثمينة. وكذلك الأمر بالنسبة لكتب التاريخ واللغة العربية والخيال التي أوصلها إلي جيراني، وللكراسة والقلم اللذين استخدمهما في الكتابة الآن.
أود التشبث بهذه الأشياء الصغيرة التي تبعث على الفرح، وأن أتجنب أي شيء قد يجعل سلطات السجن تعاقبني بسحبها مني. كما أود حماية هذه الأشياء بقدر رغبتي في استعادة حريتي. ولهذا فإنني سعيت حتى الآن إلى محاربة شعوري بالسجن عن طريق الهدوء من داخل نفسي، وعن طريق جعل سلطات السجن تدرك أن عملية سجنها لي ما هي سوى خطأ فادح، وأنه تم القبص علي وسط صراع سياسي لست متورطا فيه بأي شكل كان.
ولكن وبعد مرور أسبوعين على سجني، فإن من الواضح أن قراري هذا يعتبر خطيرا، وأنه يشرّع الهجوم، ليس فقط على شخصي وعلى زميليَّ الاثنين، ولكن على حرية التعبير في جميع أنحاء مصر.
اقتحام الفندق
فجأة بدت كتبي ليس ذات أهمية، فلقد أمضيت مدة أسبوعين فقط في القاهرة قبل أن تقتحم عناصر من وزارة الداخلية غرفتي بالفندق، حيث كان يقيم معي زميلي المنتج محمد فهمي، وتقتحم منزل منتج آخر من موظفي الجزيرة وهو باهر محمد.
الدقة والنزاهة والتوازن
فنحن كنا نقوم بالضبط بما قد يقوم به أي صحفي محترف مسؤول، نسجل ونتعامل مع الأحداث التي تتكشف بكل الدقة والنزاهة والتوازن التي تتطلبها مهنتنا.
لم يكن التحرك صعبا في غالبية الوقت، ولكن عندما أعلنت الحكومة المصرية جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية"، فإنها أقصت الوسطية والاعتدال عن الخطاب. فعندما يُعتبر الطرف الآخر -سياسيا كان أو غير ذلك- "إرهابيا"، فلا توجد بعد ذلك طريق محايدة.
تماما كما أحبَّ الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أن يعلنها إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول إما أن تكون مع الحكومة أو مع "الإرهاب". فحتى الحديث مع جماعة الإخوان المسلمين يعتبر عملا من أعمال الخيانة، ناهيك عن بث أخبارها مهما تكن حميدة أو عادية.
وفي اليوم التالي حددت الحكومة تعريفها للمصطلح بالقول إن أي شخص يقبض عليه يوزع منشورات الإخوان المسلمين أو يشارك في مسيرة احتجاجية ضد الحكومة، فإنه قد يتعرض للاعتقال وللسجن بتهمة "نشر الفكر الإرهابي".
فثلاثتنا الآن متهمون بالتعاون مع "منظمة إرهابية" (الإخوان المسلمين) ومتهمون باستضافة اجتماعات للإخوان المسلمين في غرفنا في الفندق الذي كنا نقيم فيه، وباستخدام معدات غير مرخصة من أجل بث معلومات كاذبة لتحقيق أهدافهم وقذف وتشويه سمعة الدولة المصرية، ولكن الدولة لم تقدم أي دليل لدعم تلك المزاعم |
رئيس منتخب
جماعة الإخوان المسلمين فقدت الكثير من الدعم والمصداقية التي كانت لديها، وذلك عندما أصبح زعيمها السياسي محمد مرسي أول رئيس لمصر، منتخب بشكل ديمقراطي قبل نحو عام ونصف العام.
وكثيرون هنا يعتبرونها مسؤولة عن موجة العنف الإسلامي المتزايدة في البلاد، ولكن الجماعة تبقى القوة الوحيدة السياسية والاجتماعية الأوسع والأفضل تنظيما في مصر.
فماذا يكون حال الصحفي الذي يسعى إلى "التوازن والإنصاف والدقة؟". فكيف يمكنك كتابة التقارير عن الصراع الدائر في مصر بدقة وإنصاف دون التحدث إلى جميع المعنيين؟
لقد كنا أنا وزميلي محمد فهمي قلقين بهذا الشأن، ولكننا قررنا أن الخيار كان واضحا، وهو الخيار الذي ندفع ثمن اختيارنا له في الوقت الراهن.
فثلاثتنا الآن متهمون بالتعاون مع "منظمة إرهابية" (الإخوان المسلمين)، ومتهمون باستضافة اجتماعات للإخوان المسلمين في غرفنا في الفندق الذي كنا نقيم فيه، وباستخدام معدات غير مرخصة من أجل بث معلومات كاذبة لتحقيق أهدافهم وقذف وتشويه سمعة الدولة المصرية.
ولكن الدولة لم تقدم أي دليل لدعم تلك المزاعم، كما أننا لم نُتهم رسيما بارتكاب أي جريمة. ولكن المدعي العام قد مدد للتو حجزنا لخمس عشرة يوما أخرى بعد الخمس عشرة يوما التي قضيناها، وذلك من أجل إعطاء التحقيق مزيدا من الوقت من أجل العثور على أي شيء.
ويمكن للمدعي العام إعادة وتكرار حبسنا لمثل هذه المدة لمرات متعددة ولأجل غير مسمى، فأحد زملائي هنا في السجن لا يزال خلف القضبان منذ ستة أشهر دون أي اتهام.
أنا في سجن طرة وهو مجمع مترامي الأطراف يقع جنوبي المدينة حيث تنتهك السلطات بشكل روتيني حقوق السجناء المنصوص عليها قانونا، حارمة إياهم من زيارات المحامين، ومبقية الزنزانات مغلقة لعشرين ساعة في اليوم (ولأربع وعشرين ساعة في أيام العطل الرسمية) وهلم جرا |
السجون تفيض
أنا في سجن طرة وهو مجمع مترامي الأطراف يقع جنوبي المدينة حيث تنتهك السلطات بشكل روتيني حقوق السجناء المنصوص عليها قانونا، حارمة إياهم من زيارات المحامين، ومبقية الزنزانات مغلقة لعشرين ساعة في اليوم (ولأربع وعشرين ساعة في أيام العطل الرسمية)، وهلم جرا. ولكن تلك الظروف تعتبر أفضل من تلك التي يعيشها ويعانيها زميلي الاثنين الآخرين.
فزميلي فهمي وباهر تم اتهامهما بأنهما عضوان في جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك فهما محتجزان في معتقل أكثر وحشية وهو "سجن العقرب"، الذي تم تشييده لإيواء "الإرهابيين" المدانين. كما أنه لم يستجب لفهمي لإرساله للمعالجة بالمستشفى التي هو بحاجة ماسة إليها إثر جرح في كتفه أصيب به قبل فترة وجيزة من تعرضنا للاعتقال.
كلا الزميلين يقضي 24 ساعة في اليوم في زنزانتيه التي يملؤها البعوض، وينام على الأرض، بلا كتب ولا مواد للكتابة لوقف الملل الذي يدمر الذات. وتذكروا أننا لم نُتهم بشكل رسمي، ولا حتى تمت إدانتنا بأي جريمة. ولكن هذا لا ينطبق على صحفيي الجزيرة ثلاثتهم فحسب، فاعتقالنا واستمرار حجزنا يرسل رسالة واضحة لا لبس فيها لجميع الصحفيين الذين يغطون في مصر، سواء الأجانب أو المحليين.
فالدولة لا تطيق السماع من الإخوان المسلمين أو من أي أصوات ناقدة أخرى. والسجون تفيض بكل من يعارض أو يتحدى الحكومة. فلقد تم الحكم على الناشطين العلمانيين بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة، لمجرد انتهاكهم قوانين الاحتجاج، وذلك بعد رفضهم دعوة لدعم الحكومة علنًا.
دون محاكمة
وأما الناشطون الذين رفعوا لافتات مكتوبا عليها "لا" قبيل الاستفتاء على الدستور، فيتم احتجازهم دون محاكمة. كما يتم اعتقال كل من يرفض الهتاف لصالح الحكومة. وبناء على ذلك، فاعتقالنا لا يعتبرونه خطأ.
وهذا الشأن يشكل مجال معركتي بوصفي صحفيا. فأنا لا أستطيع أن أدعي أنني سأستمر في الحفاظ على الهدوء، فأنا ليس لدي أي خصومة معينة مع الحكومة المصرية، تماما كما أنه ليس لي أي مصلحة في دعم الإخوان المسلمين أو أي جماعة أخرى هنا في البلاد.
حرية الصحافة
ولكنني بوصفي صحفيا، فأنا ملتزم بالدفاع عن الحرية الأساسية للصحافة، التي لا يمكن لأي زميل العمل فيها دون قيامه بهذا الالتزام. وهو الأمر الحيوي الذي يجب القيام به في أي ديمقراطية معلنة، كما تقتضيه الحال في مصر بعد دستورها الجديد.
وسنبقى بالطبع ننافح للدفاع عن حرية الصحافة من داخل السجن وعبر النظام القضائي هنا، ولكن حريتنا وحرية الصحافة التي تعتبر الأكثر أهمية سوف لن تتحققا دون ضغط متواصل وبصوت عال من جماعات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والأفراد والحكومات، الذين يدركون أن استقرار مصر يعتمد على مدى قدرتها على إجراء محادثات صادقة وعلنية ونزيهة في ما بين شعبها والعالم، كما هو حال قدرتها على سحق العنف في البلاد.
ونحن نعرف أن ذلك يحدث، وأننا جميعا نتحرك بقوة عبر الدعم الذي حظينا به، ولكننا نحتاج لأن نواصل.
بيتر غريست
سجن طرة.