تقرير يوثق قوارب الموت السورية إلى أوروبا

قوارب الموت
undefined
أصدرت مؤسستان أوروبيتان تقريرا شاملا يوثق حوادث غرق قوارب المهاجرين غير الشرعيين القادمين من سوريا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، حيث ندّد بتقصير السلطات الإيطالية والمالطية حيال الضحايا، ودعا إلى تطوير آليات المعالجة الأوروبية.

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (جنيف) ومركز العلاقات الأوروبية الفلسطينية (بروكسل) في بيان مشترك صدر اليوم، إن التقرير الذي يحمل عنوان "قوارب الموت" يعرض في ستين صفحة لرحلة الموت التي عاشها اللاجئون الفارون من الحرب في سوريا، منذ أن دفعتهم عوامل انعدام الأمن وغياب الرعاية الأممية في دول الجوار إلى ركوب البحر بحثاً عن الحياة، لينتهي المقام ببعضهم "ضحايا مجهولين في مقابر الأرقام".
 
وأوضح التقرير أن المعاملة التمييزية التي يلقاها اللاجئ الفلسطيني من سوريا في دول الجوار، والتي تحرمه -في مصر مثلاً- من التمتع بوضع "اللاجئ" أو تلقي أي مساعدة من جهة أممية، إلى جانب منحه تأشيرة دخول لا تتعدى ثلاثة أشهر فقط، جعلت العشرات منهم فريسة في يد أطماع سماسرة التهريب إلى أوروبا، حيث سجل التقرير العديد من حالات الاحتيال التي تمّ فيها استغلال حاجة اللاجئين ونهب أموالهم أو تسليمهم للسلطات في مصر.

وأضاف أنه إذا سلِم اللاجئ من احتيال مافيا التهريب وبدأ طريقه في البحر، فإنه سيكون أمام خطر ملاحقته من قبل البحرية المصرية لمنعه من الهجرة نحو أوروبا، والتي تركز على منعه من الهجرة "دونما أيّ اعتبار لحفظ أرواحهم أو حقوقهم الإنسانية".

وتابع التقرير أنه وثّق إطلاق البحرية المصرية نيرانها الحية تجاه قاربي هجرة يومي 12 و17 سبتمبر/أيلول الماضي مما أسفر عن مقتل لاجئين اثنين، إلى جانب التلكؤ في إنقاذ قارب هجرة غرق على مقربة من الساحل وقضى فيه 12 لاجئاً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينما تشير الأرقام إلى احتجاز ألفي لاجئ آخرين في ظروف غير إنسانية على خلفية محاولتهم الإبحار نحو أوروبا.
 
وأشار إلى أن 6233 لاجئا من سوريا -بينهم فلسطينيون- وصلوا إلى إيطاليا (الوجهة الأقرب والأكثر تفضيلاً) منذ أغسطس/آب الماضي فقط وفق أرقام مفوضية اللاجئين، بينما تشير التقديرات إلى غرق 500 طالب لجوء قبالة السواحل الأوروبية منذ مطلع العام الجاري، كان آخرها كارثة يوم الجمعة 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حين غرق قارب كان يحمل ما بين 400 و500 لاجئ قادم من سوريا في رحلة غير شرعية انطلقت من مصر وتوقفت في ليبيا حيث تعرضت في مياهها الإقليمية لهجوم مسلح في عرض البحر.

‪التراخى الإيطالي والمالطي قاد إلى موت المئات‬ (الجزيرة)
‪التراخى الإيطالي والمالطي قاد إلى موت المئات‬ (الجزيرة)

تلكؤ السلطات
وندد التقرير الحقوقي بتلكؤ السلطات الإيطالية والمالطية في إنقاذ حياة اللاجئين قبالة شواطئها، حيث أفادت شهادات جمعها باحثو المرصد الأورومتوسطي بأنه مع اقتراب قارب الهجرة يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي من الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وبسبب تسرب الماء داخله، بدأت الأمواج تجرفه باتجاه مالطا، وهناك أرسل قبطان القارب نداء استغاثة إلى السلطات الإيطالية، لكنها أبلغته بأنها لن تتدخل لوجودهم في المياه الإقليمية المالطية، فتواصل القبطان مع السلطات المالطية التي تعذرت بعدم توافر إمكانات إنقاذهم، وعاد القبطان لاستغاثة السلطات الإيطالية التي وصلت إلى القارب بعد 20 دقيقة من غرقه تماماً، مما أدى إلى تغييب عشرات اللاجئين الذين لم تكن بحوزتهم سترات نجاة في عمق البحر، ليصبحوا لاحقاً في عداد القتلى والمفقودين.

ووفق إحصاءات موفدي المرصد الأورومتوسطي إلى كل من إيطاليا ومالطا، فقد نجا 233 لاجئاً توزعوا بين 157 ناجياً في مالطا و76 في إيطاليا، بينما تم توثيق 36 جثماناً فقط، بما يعني أن ما يزيد عن 150 ضحية ما زالت جثامينهم محتجزة في حطام المركب الغارق، ترفض السلطات الإيطالية انتشالهم حتى الآن، متعذرة بالحاجة إلى ميزانية ضخمة تقدر بـ30 مليون يورو (أكثر من 40 مليون دولار).
 
ولفت التقرير إلى أن أوجه القصور الأوروبي في التعامل مع كارثة لامبيدوزا تجلى في عدم الاستجابة السريعة لإنقاذ اللاجئين مما رفع أعداد القتلى، إلى جانب القصور في تشخيص هويات الضحايا، حيث رفضت السلطات الإيطالية أخذ عينات الحمض النووي مما حدا بالصليب الأحمر للتدخل والتقاط صور القتلى لعرضها على ذويهم المفترضين ممن نجى في مالطا، بينما تمّ دفنهم كمجهولين. ويقع وجه القصور الثالث في عدم انتشال حطام السفينة الغارقة بما تضمه من جثامين حتى الآن، وهو ما يعني حرمان ذوي الضحايا من حقهم الأساسي في معرفة مصير أبنائهم، إلى جانب اندثار أي أدلة حول المتسببين الحقيقيين في الكارثة.
 
وختم التقرير بدعوة المجتمع الدولي -لا سيما الأمم المتحدة والأونروا والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين- إلى الاضطلاع بدوره حيال اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين والفلسطينيين من سوريا الذين تقطّعت بهم السبل في مصر وأوروبا، بما في ذلك الضغط على الدول التي يوجدون فيها لمنحهم حقوقهم وتوفير المرافق الملائمة لاستقبالهم، وعدم إساءة معاملتهم، أو احتجازهم تعسفياً، أو ترحيلهم، إلى جانب دراسة طلبات لجوئهم بأسرع وقت، ومنح المستحقّين منهم صفة اللاجئ.
 
كما دعا دول الاتحاد الأوروبي إلى تطوير آليات معالجة الهجرة غير الشرعية، والاهتمام بإنقاذ أرواح المهاجرين ووضعه فوق أي اعتبار، وإلغاء القوانين المحلية التي "تجرم المساعدة في إنقاذهم".

المصدر : الجزيرة