استمرار جرائم التعذيب بتونس بعد الثورة

مقر وزارة الداخلية التي ألغت قبو الاحتجاز .. وتواصل التعذيب في مراكز أخرى (الجزيرة نت)
undefined

مراد بن محمد-تونس

لم تختف الانتهاكات وسوء المعاملة داخل مراكز الإيقاف والسجون في تونس ما بعد الثورة، ورغم فظاعة الحالات التي سجلها المدافعون عن حقوق الإنسان أو الجهات الحكومية نفسها، ينفي البعض أن تكون الانتهاكات ممنهجة أو تمارسها الدولة ضد من يخالفها الرأي.

وسجلت الرابطات المختصة والجماعات المحلية حالات تعذيب وصف بعضها بـ"الفظيعة"، مشيرين إلى استمرار حالات العزل أثناء عمليات الإيقاف والاستجواب، وعدم تمكن الموقوفين من الفحص الطبي أو حضور المحامين إلا في الجلسات، فضلا عن عدم تفعيل القوانين التي تحد من الاكتظاظ وما ينتج عنه من تجاوزات.

ورغم أن وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بصدد إعداد مقترحات قوانين بهذا الشأن لعرضها على المجلس التأسيسي للمصادقة عليها، يرى مراقبون أن الاهتمام بسن المزيد من القوانين لا يكفي في ظل عدم تفعيل القوانين الموجودة بالفعل.

‪الشارني: محاسبة المعتدين أكثر أهمية من نوايا مناهضة التعذيب‬ (الجزيرة)
‪الشارني: محاسبة المعتدين أكثر أهمية من نوايا مناهضة التعذيب‬ (الجزيرة)

حالات تعذيب
وقال الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب منذر الشارني إن تونس تشهد تغييرا في التوجه العام المناهض للتعذيب، وأكد وجود "حرص على حقوق الموقوفين، ولكن الانتهاكات تقع في مراكز الإيقاف وبعض السجون".

وعرض الشارني للجزيرة نت ملفات وصورا تلقاها من مواطنين يشتكون تعرضهم للتعذيب، بينها شكوى من وليد السمعلي الذي تعرض للتعذيب في ديسمبر/كانون الأول الماضي بسجن الناظور في مدينة بنزرت (شمال)، حيث جرد من ملابسه، قبل أن يتعرض للعنف اللفظي والجسدي.

كما عرض صورا لحالة لطفي تواتي، الذي تعرض للاعتداء في بداية فبراير/شباط عن طريق أعوان الحرس الوطني بأحد مراكز محافظة جندوبة، ما تسبب له في كسور مضاعفة.

ورغم أن الشارني أقر بأن التعذيب في تونس ليس ممنهجا، مع خطورة بعض الحالات التي عرضت له، أكد أن المهم "ليست النوايا السياسية التي تعبر عن مناهضة التعذيب بل هو محاسبة المعتدين حتى لا نعود إلى المربع الأول من خلال تراكم الحالات".

وأضاف أن "الخطير هو وجود ما يشبه الحصانة التي تعني الإفلات من العقاب، وهو أمر قد يتواصل في ظل عدم توقيف من مارسوا التعذيب بعد الثورة"، ودعا إلى "ترسيخ عقلية تسليط العقوبة على حرية المتهم وليس على جسده، لأنه لا أهمية في بناء ديمقراطية ومنظومة للتداول على السلطة وانتخابات شفافة وفي الخلفية يوجد تعذيب في السجون".

المحاسبة والعقاب
من جهته أكد الناطق باسم تيار أنصار الشريعة في تونس (سلفي جهادي) سيف الله بن حسين ولقبه "أبو عياض" أن لديهم أدلة لحالات تعذيب وصفها بـ"الفظيعة" بحق معتقلي أحداث بئر علي بن خليفة التي وقعت بداية فبراير/شباط الماضي بمحافظة صفاقس.

وأضاف في تصريحات للجزيرة نت أن عمليات التعذيب تبدأ بسكب الماء البارد وتعرية الموقوفين وتنتهي بتعذيبهم بالكهرباء، مشيرا إلى أن بعض العائلات لا تعرف أماكن اعتقال ذويها حتى الآن.

وقال أبو عياض إن بعض المحامين تأكدوا من وجود آثار تعذيب في الجلسة الأولى للمحاكمة، حيث لا تزال آثار القيود ظاهرة على الموقوفين، لافتا إلى "عدم تغيير طريقة الإيقاف أو ظروف مقابلة المحامين أو غيرها".

وأكد أن بعض المتهمين في هذه الأحداث يقبع في زنزانات انفرادية، في مخالفة للقوانين التي تمنع الحبس الانفرادي إلا بعد صدور الحكم.

‪الدرويش: التعذيب بعد الثورة ممارسات فردية وليس سياسة دولة‬ (الجزيرة)
‪الدرويش: التعذيب بعد الثورة ممارسات فردية وليس سياسة دولة‬ (الجزيرة)

في المقابل، لم ينف عضو الديوان في وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية شكيب الدرويش توقف جرائم التعذيب في تونس.

وقال للجزيرة نت "لم نقل يوما إن التعذيب وسوء المعاملة انتهى من سجوننا، والحالات موجودة فعلا، ونحن بصدد متابعة عدد من الشكاوى، وقد كلفنا لجنة تقصّ حول التعذيب تضم ممثلين عن المجتمع المدني والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها لتتبع هذه الحالات".

وأضاف الدرويش أن التعذيب موجود ولكنه ليس سياسة دولة أو مأمورا به من أجل التضييق على من يخالفها الرأي، بل هي ممارسات فردية لا تلزم إلا أصحابها، وأكد أنه من تثبت إدانته في جرائم التعذيب سيحال إلى القضاء.

وأشار إلى أن الحكومة التونسية في إطار سعيها لكي لا تطالها تهم التجريم تسعى بكل الطرق لإيقاف هذه الظاهرة من خلال بعض النصوص التي ستحال قريبا إلى المجلس التأسيسي لإقرارها، وأعرب عن ترحيبه بقيام المفوضية الدولية لحقوق الإنسان بتفقد السجون ومراكز الإيقاف في أي وقت ودون إعلام السلطات مسبقا.

المصدر : الجزيرة