عزل ابن الضحاك عن ولاية المدينة

أحمد الجنابي

تتناول الحلقة الـ٥٠ من سلسلة بالهجري حدثا وقع في مثل شهر شوال الجاري حسب التقويم الهجري، وهو عزل عبد الرحمن بن الضحاك عن ولاية المدينة عام ١٠٤ للهجرة (723 للميلاد) لتجاوزه على السيدة فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.

كان زوج السيدة فاطمة قد توفي عنها عام ٩٧ للهجرة عندما كانت في السابعة والخمسين من العمر. وبعد عدة سنين وفي عام ١٠٣ للهجرة، تقدم والي المدينة عبد الرحمن بن الضحاك لخطبتها.

وكانت تلك السنة قد شهدت ازدياد حظوة ابن الضحاك لدى الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك الذي خلف عمر بن العزيز، حيث ضم الأخير إلى ابن الضحاك ولاية مكة ليصبح واليا على أهم مدينتين في الوجدان الإسلامي.

رفضت السيدة فاطمة خطبة الوالي لها بأدب وقالت له "والله ما أريد النكاح، ولقد قعدت على بني هؤلاء". ألح عليها ابن الضحاك، وكرّر طلبه مرارا واستخدم سياسة الترغيب والترهيب، ولما يئس من قبولها، هددها صراحة قائلا "والله لئن لم تفعلي، لأجلدنّ أكبر بنيك في الخمر (يقصد عبد الله بن الحسن)".

أرسلت السيدة فاطمة برسالة إلى الخليفة يزيد بن عبد الملك تشتكي تجاوز عامله على المدينة ابن الضحاك عليها وسوء استغلاله للسلطة. 

‪دمشق حاضرة الخلافة الأموية 41-132 للهجرة (661-750 للميلاد)‬ الجزيرة
‪دمشق حاضرة الخلافة الأموية 41-132 للهجرة (661-750 للميلاد)‬ الجزيرة

وعندما مثل رسول حفيدة النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي الخليفة وأخبره بما كان من أمر ابن الضحاك، استشاط الخليفة غضبا وصار يضرب الأرض بعصا خيزران كانت بيده وهو يردد "لقد اجترأ ابن الضحاك!" أي قد تجاوز حدوده. 

خاطب يزيد الحضور سائلا النصيحة لترشيح شخص لولاية المدينة، يكون مستقيما ويعرف حدود الله، وفي نفس الوقت يكون حازما لينزل العقاب المناسب بابن الضحاك، الذي سنّ سنة سيئة لحكام وولاة أمصار الدولة الإسلامية. 

وقع الاختيار على عبد الواحد بن عبد الله بن بشر النضري صاحب الطائف، فقام الخليفة من فوره وأخذ يكتب بنفسه للنضري رسالة قال فيها:

"سلام عليك، أمَّا بعد

فإني قد ولَّيتك المدينة، فإذا جاءَك كتابي هذا فاهبط واعزلْ عنها ابن الضحاك، وأغرِمْه أربعين ألف دينار، وعَذِّبْه حتى أسمع صوته وأنا على فراشي".

عرف ابن الضحاك بما ينتظره من عقاب، وأسرع إلى دمشق يستجير بمسلمة بن عبد الملك الملقب بفارس بني مروان، فدخل عليه وقال له "أنا بجوارك".

كان اختيار ابن الضحاك لمسلمة اختيارا ماكرا، فهو رجل كان له ثقله في ذلك الوقت، فعلاوة على أنه ابن عبد الملك بن مروان، الذي كان واحدا من أقوى خلفاء بني أمية، فقد كان قائدا عسكريا فذًّا قضى جلّ حياته في ساحات الجهاد وله الفضل في فتح أجزاء كبيرة من بلاد الروم، وأبلى بلاء حسنا في حصار القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية.

ورغم قيم العدل والفروسية والحق التي تمتع بها مسلمة، فإن استجارة ابن الضحاك به ألزمته حمايته ما استطاع حسب عادات العرب، فذهب إلى الخليفة وطلب الصفح عنه فرد يزيد بالقول:

"كل حاجة تكلمت فيها هي في يدك ما لم يكن ابن الضحاك (..) والله لا أعفيه أبدا وقد فعل ما فعل".

فرد مسلمة بالقول "فردّه إلى المدينة إلى النضري". وهكذا كان.

وبعد عودته إلى المدينة، تلقى ابن الضحاك عقابا شنيعا على ما فعله، ووصف بأنه كان يجول في الطرقات وعليه "جبة من صوف".

أما النضري والي المدينة الجديد فقد حكم بين الناس بالعدل، ويصف الإمام الطبري ولايته بقوله "لم يقدِم عليهم (أهل المدينة) والٍ أحب عليهم منه".

المصدر : الجزيرة