جمال عبد الناصر

أحمد الجنابي

تتناول الحلقة 25 من سلسلة بالهجري حدثا وقع في مثل شهر ربيع الثاني الجاري حسب التقويم الهجري، وهو ولادة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في حي باكوس بمدينة الإسكندرية شمال مصر عام 1336 للهجرة.

ولد عبد الناصر لأسرة ذات تاريخ في مقارعة الاستعمار والهيمنة البريطانية في مصر، وبانت لديه الميول لرفض السيطرة الأجنبية ومقاومتها منذ نعومة أظفاره، حيث كان دائم الاصطدام بمدرسيه البريطانيين بعد أن انتقل للعيش مع عمه في القاهرة. كما شارك في مظاهرات الطلبة ضد البريطانيين، وأصيب في إحداها بضربة تركت ندبة دائمة في رأسه، وزج به في السجن مما زاد في حنق الصبي آنذاك على الهيمنة البريطانية.

انحدر من أسرة من عامة الشعب، وكان ذلك عائقا أمام التحاقه بالكلية العسكرية، التي كانت تشترط في المتقدم لها أن يكون من أبناء الطبقة الراقية التي تميل بشكل عام للتماشي مع الوجود والهيمنة البريطانية، فالتحق بكلية الحقوق وبقي فيها شهورا معدودة حتى سنحت له الفرصة للالتحاق بالكلية العسكرية بعد تغير طرأ على سياسة القبول في الكلية العسكرية بعد معاهدة عام 1936 للميلاد فاقتنصها.

شهدت سنين دراسته المبكرة علاقة تنافر ومواجهة مع مدرسيه البريطانيينالجزيرة
شهدت سنين دراسته المبكرة علاقة تنافر ومواجهة مع مدرسيه البريطانيينالجزيرة

خدم بعد تخرجه من الكلية العسكرية في صعيد مصر ثم السودان حيث التقى زكريا محيي الدين وأنور السادات، فخططوا لإقامة كيان ثوري سري اسمه الضباط الأحرار.

شارك عبد الناصر بعد ذلك في حرب فلسطين وكان ضابطا في إحدى الوحدات الثلاث التي حاصرها الإسرائيليون لأسابيع في الفالوجة الى الشمال الشرقي من مدينة غزة.

وبعد عودة الجيوش العربية منكسرة وإعلان الإسرائيليين دولتهم على أرض فلسطين التاريخية، تبين للضباط المصريين والعرب في باقي الجيوش أن حكوماتهم الموالية للغرب لم تكن جادة في إعلان الحرب على إسرائيل وأن إرسال الجيوش كان للاستهلاك الإعلامي.

بدأ الضباط الأحرار بالتخطيط للثورة في مصر، وكان من المقرر أن يقوموا بها حوالي عام 1375 للهجرة (1956 للميلاد) ولكن الظروف السياسية المصرية والدولية دفعتهم إلى تقديم الموعد فقام 89 ضابطا مصريا من مختلف التيارات وبقيادة الضباط الأحرار بانقلاب أبيض على الملكية في مصر في 1 ذي القعدة عام 1371 للهجرة (1952 للميلاد)، وأعلنت جمهورية مصر العربية.

تسلم زمام الحكم في البلاد مجلس عسكري من 11 ضابطا بقيادة عبد الناصر، وأعلن محمد نجيب أول رئيس وزراء لمصر في العهد الجمهوري ثم أول رئيس لها.

بقيت هويات الضباط الأحد عشر طي الكتمان، ولم يكن أحد يعلم من أمر عبد الناصر شيئا رغم أنه كان في مركز صنع القرار، حتى أن المراسلين الأجانب في القاهرة لم يعلموا باسمه ووجوده لأكثر من عام بعد قيام الثورة، لكن الأمور تغيرت فجأة وبصورة دراماتيكية حيث عزل محمد نجيب ووضع قيد الإقامة الجبرية وبرز عبد الناصر إلى واجهة الأحداث بدون مقدمات كرئيس للوزراء وحاكم فعلي للبلاد.

بدأ عبد الناصر عهده بتأميم قناة السويس وتأميم المصارف المصرية، الأمر الذي أكسبه شعبية عالية في مصر والعالم العربي والإسلامي، وأصدر قوانين الإصلاح الزراعي وتحديد ملكية الأراضي الزراعية.

عمل بنشاط على ترويج مبادئ الوحدة العربية التي توجت بوحدة بين مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، ولكنها لم تعش طويلا حيث انهار الاتحاد بعد أقل من ثلاث سنوات.

كما استجاب لدعوة الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف لتحقيق الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، وتم اتخاذ الخطوات الأولى لتحقيق ذلك ومنها إضافة النجوم الثلاث الى العلم العراقي والتي بقيت عليه حتى الغزو الأميركي-البريطاني للعراق عام 1424 للهجرة (2003 للميلاد)، إلا أن الوحدة لم يكتب لها أن ترى النور حيث قتل عارف في تحطم مروحية في جنوب العراق عام 1385 للهجرة (1966 للميلاد).

تميز عهد عبد الناصر بنشاط سياسي متقد على المستوى العربي والعالمي، وساند حركات التحرر والتيارات اليسارية في العالم وطارت شهرته في جميع أنحاء العالم، حتى أن الأميركيين السود لا يزالون إلى اليوم يسمون أولادهم باسم جمال تيمنا بعبد الناصر الذي ساند نضالهم ضد التمييز العنصري الذي كانوا يتعرضون له في الولايات المتحدة.

خاضت مصر حربين مع إسرائيل في عهد جمال عبد الناصرالجزيرة
خاضت مصر حربين مع إسرائيل في عهد جمال عبد الناصرالجزيرة

أما قضية فلسطين، فقد كان لها حيزا واسعا في فكر وتوجهات عبد الناصر الذي اعتبرها مثله مثل باقي العرب قضية العرب المركزية، وصبّ جهد مصر العسكري نحو الصراع ضد الإسرائيليين، ولكن رغم ذلك لم يستطع الجيش المصري أن يحقق أي تقدم عسكري على الإسرائيليين في عهده.

من جهة أخرى، يرى الكثير من المحللين العسكريين أن حرب الاستنزاف التي قادها عبد الناصر ضد الإسرائيليين بعد النكسة كان لها الأثر الكبير في تعبيد الطريق للجيش المصري في عبور قناة السويس في حرب رمضان عام 1393 للهجرة (1973 للميلاد).

على الصعيد الداخلي، رغم الشعبية الكبيرة التي نالها عبد الناصر نظرا لتوجهاته في الاستقلال السياسي والاقتصادي، فإن عهده اتسم بغياب التعددية السياسية واصطدام عقائدي وسياسي مع تيارات سياسية متعددة أهمها الإخوان المسلمين الذين اتهمهم عبد الناصر بالتآمر عليه واعتبروا كيانا محظورا وسجن وأعدم العديد من قياداتهم في عهده.

يعتبر عصر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والإرث الذي تركه من أكثر القضايا شعبية وإثارة للجدل في الوطن العربي.

فبينما يرى الكثير من مواطني العربية في عبد الناصر أنه شخصية وطنية تسعى نحو الاستقلال والحرية والتقدم، يرى فيه الكثيرون من جانب آخر أنه صاحب نظرية أثبتت فشلها في معالجة قضايا الأمة، بل ويحملون ما نادى به عبد الناصر وزر الانكسارات التي تجرعها العرب في القرن العشرين.

المصدر : الجزيرة