جيف بيزوس يريد إطالة العمر البشري.. هذا ما نعرفه عن علم الشيخوخة

GettyImages-1149473275مكافحة الشيخوخة
يعد العمر البيولوجي مقياسا لوظائف الخلية وهو يختلف من شخص لآخر (غيتي)

يسعى مؤسس شركة "أمازون" (Amazon) وثاني أغنى رجل في العالم جيف بيزوس لإيجاد طريقة لإطالة العمر البشري، ولهذا استثمر مليارات الدولارات في شركة "ألتوس لابس" (Altos Labs) الناشئة التي تبحث عكس مسار الشيخوخة في الخلايا البشرية، فهل ينجح في مسعاه؟ وماذا يقول العلم حقًا؟ وهل يمكننا التغلب على الشيخوخة؟

وفي مقاله بموقع "ذا كونفيرزيشن" (the conversation)، يرى دانيال ديفيس أستاذ المناعة بجامعة مانشستر أن الشيخوخة ليست مجرد تغيير في الطريقة التي نشعر بها أو ننظر إليها، فالشيخوخة تحدث على المستوى الخلوي. تنقسم خلايا الجلد البالغة حوالي 50 مرة قبل التوقف. لكن خلايا الجلد للأطفال المولودين حديثًا يمكن أن تنقسم 80 أو 90 مرة. وعلى الجانب الآخر، تنقسم الخلايا المأخوذة من شخص مسن حوالي 20 ضعفًا فقط.

يعتبر العمر البيولوجي مقياسا لوظائف الخلية، وهو يختلف من شخص لآخر، وهذا ما يفسر أن أشخاصا في العمر الزمني نفسه قد لا يكون لديهم العمر البيولوجي ذاته، مما يعكس حالة شيخوخة الجسم التي تتدخل عوامل مختلفة في التأثير عليها، بحسب تقرير لمجلة "لوبس" (L’Obs) الفرنسية.

ويقول ديفيس إن الشيخوخة أيضا واضحة في جيناتنا. يتم تعديل مادتنا الجينية بمرور الوقت، إذ يمكن إرفاق مواد كيميائية لتغيير الجينات التي يتم تشغيلها أو إيقاف تشغيلها. هذه تسمى التغيرات فوق الجينية، وهي تتراكم مع تقدمنا ​​في العمر. نوع آخر من التغيير يحدث في نهايات الحمض النووي لخلايانا.

الخلايا والكروموسومات والتيلوميرات

تعمل جزئيات متكررة (segments) من الحمض النووي تسمى "التيلوميرات" (telomeres)  مثل الطرف البلاستيكي لرباط الحذاء، مما يمنع اللفائف الملتوية من المادة الوراثية من الاهتراء في النهايات أو أن تنعقد مع بعضها بعضا. لكن هذه التيلوميرات تقصر في كل مرة تنقسم فيها الخلية.

وتسمح تلك التلوميرات بالتضاعف بشكل صحيح، وترتيب وتنظيم الصبغيات الجينية، وفي حال عدم وجودها سيُفقد جزء من الصبغيات الأصلية في كل مرة تتضاعف فيها الخلية، ووجد العلماء أن الخلايا السرطانية تحتوي على تيلوميرات أكثر من المعدلات الطبيعية، مما يجعل الخلايا السرطانية أطول عمرا وتتضاعف بمعدلات أكبر بلا توقف، وتعمل أبحاث مقاومة السرطان على التيلومير، مما يخفف من قدرتها على الانقسام والتضاعف.

التيلوميرات هي منطقة من تسلسل نووي كثير التكرار توجد عند نهاية الصبغيات وتعمل تماما كنهاية رباط الحذاء (شترستوك)

وبحسب الكاتب، لا نعرف ما إذا كانت التيلوميرات القصيرة (تسمى أيضا القطعة النهائية أو القسيم الطرفي) مجرد علامة على الشيخوخة، مثل الشعر الرمادي، أم أنها جزء من عملية تقدم الخلايا في العمر.

للبقاء على قيد الحياة والاستمرار في الانقسام، توقف الخلايا المناعية تقصير التيلوميرات الخاصة بها عندما تتكاثر، كما تفعل الخلايا السرطانية، ربما يكون هذا عاملا مساهما في خلودهم الظاهري.

تظهر الأدوية التي توقف عمل إنزيم التيلوميرات أيضًا نتائج واعدة ضد السرطان (على الرغم من أن الخلايا السرطانية يمكن أن تطور مقاومة).

سؤال أكبر

بالنظر إلى أن للشيخوخة مثل هذا التأثير العميق على خلايانا وجيناتنا -والتأثيرات المذكورة هنا ليست سوى بعض الأمثلة- يظهر سؤال أكبر بكثير: لماذا يحدث هذا؟ لماذا نتقدم في العمر؟

كان يعتقد أن الشيخوخة تحدث للتطور المستمر للأنواع البيولوجية. لكن إحدى مشكلات هذه الفكرة هي أن معظم أشكال الحياة على الأرض لا تصل أبدًا إلى الشيخوخة. تموت معظم الحيوانات بسبب الحيوانات المفترسة أو المرض أو المناخ أو الجوع، لذلك قد لا يكون تحديد العمر الافتراضي للحيوان مهمًا لفرضية التطور.

رأي آخر هو أن الشيخوخة هي ببساطة أحد الآثار الجانبية للضرر الذي يتراكم بمرور الوقت بسبب عمليات التمثيل الغذائي أو التعرض للأشعة فوق البنفسجية من الشمس. نحن نعلم أن الجينات تتضرر مع تقدمنا ​​في العمر، لكن لم يثبت أن هذا يؤدي إلى الشيخوخة بشكل مباشر.

الاحتمال الآخر هو أن الشيخوخة ربما تكون قد تطورت كدفاع ضد السرطان، نظرًا لأن الخلايا تراكم الضرر الجيني بمرور الوقت، فقد تكون قد طوّرت عملية لا تستمر فيها الخلايا بالجسم لفترة طويلة جدًا؛ إذ يتسبب هذا الضرر في النهاية في تحوّل الخلية العادية إلى سرطانية.

مع تقدمنا ​​في العمر، تدخل بعض خلايا الجسم في حالة تسمى الشيخوخة، حيث تظل الخلية حية ولكنها تتوقف عن الانقسام. تتراكم الخلايا الشائخة في الجسم على مدار العمر -خاصة في الجلد والكبد والرئة والطحال- ولهذا آثار مفيدة وأخرى ضارة.

الآثار المفيدة تتمثل في أن الخلايا المتراكمة تفرز مواد كيميائية تساعد في إصلاح الأنسجة التالفة، ولكن بالمقابل على مدى فترة طويلة من الزمن، مع زيادة عدد الخلايا الشائخة، يمكن أن تعطل البنية الطبيعية للأعضاء والأنسجة. يمكن أن تكون هذه الخلايا سببًا أساسيًا للعديد من المشكلات التي نربطها بالشيخوخة. الفئران التي تم تطهير الخلايا الشائخة فيها تأخرت بشدة في ظهور علامات الشيخوخة.

ويقول الكاتب إنه يمكننا وصف الكثير مما يحدث أثناء الشيخوخة على مستوى ما يحدث جسديًا لجيناتنا وخلايانا وأعضائنا. لكن السؤال الأساسي حول سبب تقدمنا ​​في العمر لا يزال مفتوحًا. في جميع الاحتمالات، هناك أكثر من إجابة واحدة صحيحة.

بالطبع، لا أحد يعرف ما إذا كانت شركة بيزوس ستنجح في المساعدة على إطالة عمر الإنسان. لكن ما هو واضح هو أنه من خلال دراسة الشيخوخة، لا بد من ظهور اكتشافات جديدة ومثيرة.

الشيخوخة لا ترحم

ووفق تقرير مجلة لوبس، يعتقد العديد من العلماء أن الشيخوخة لا ترحم. يقول فرناندو كولشيرو، من جامعة جنوب الدانمارك، إن لكل نوع معدل شيخوخة ثابتا "لا يمكنك الغش مع التقدم في السن"، مشيرا إلى أن زيادة متوسط ​​العمر المتوقع في البشر، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، ليس مردها إبطاء الشيخوخة، ولكن الحفاظ على أرواح المزيد من الأطفال والشباب.

ويشير الكاتب إلى أن دراسة حديثة قد حددت 150 عاما كحد أقصى لعمر الإنسان لا يمكن أبدا تجاوزه، بحيث لن يكون الجسم، بمجرد الوصول إلى "النقطة الحرجة" بين 120 و150 عاما، قادرا على التعافي من الإجهاد الناجم عن المرض أو الإصابة، وعندئذ يصبح الموت أمرا لا مفر منه.

العلاج ممكن

غير أن باحثين آخرين لا يرون هذا المصير حتميا، ومن أبرزهم الأستاذ الأسترالي ديفيد سينكلير، الذي يدرس علم الوراثة ويشارك في إدارة مركز بول غلين لأبحاث بيولوجيا العمر بكلية الطب جامعة هارفارد الأميركية، فهؤلاء لا يرون أنه بإمكاننا علاج الشيخوخة في المستقبل القريب فحسب، بل تأجيل الحد الأقصى النظري الذي يفترض استحالة تجاوزه.

وبالنسبة للبروفيسور سينكلير، هناك سبب واحد للشيخوخة وهو أصل كل الأسباب الأخرى، حتى إن "الخصائص التسع" مجرد أعراض كالتجاعيد وآلام المفاصل أو الأمراض المرتبطة بالشيخوخة مثل ألزهايمر، يقول "لا يوجد قانون بيولوجي يقول إنه يتعين علينا أن نتقدم في السن، فالشيخوخة مرض، وهي أم جميع الأمراض الأخرى، وفصل السن عن المرض يحجب الحقيقة حول كيفية وصولنا إلى نهاية حياتنا".

المصدر : الجزيرة + ذا كونفرسيشن + لوبس