غزة.. حياة مرضى الكلى في خطر جراء نفاد هرمون "إريثروبيوتين"

يقول الأطباء بمجمع الشفاء في غزة إن المرضى المقبلين على عمليات زراعة الكلى ستتهدد عملياتهم بالفشل إذا تم استبدال هرمون "إيريثروبيوتين" بإضافة وحدات دم جديدة، حيث من المحتمل أن يشكّل جسم المريض أجساما تهاجم الكلية المزروعة وتؤدي إلى فشلها، وينطوي ذلك على مخاطر حقيقية على حياتهم.

مرضى يتلقون غسيل الكلى في مستشفى الشفاء بمدينة غزة (الجزيرة)

غزة- يجلس الأربعيني رامي سكر على مقعد غسيل الكلى في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، بين آخرين من المرضى رجالا ونساء، وقد بدا عليهم الإعياء الشديد بسبب نفاد هرمون "إريثروبيوتين" (Erythropoietin) المستخدم في علاج فقر الدم الناجم عن أمراض الكلى المزمنة.

وهذا الهرمون مفقود من مخازن وزارة الصحة في غزة منذ بضعة شهور، وبحسب أطباء مختصين فهو مهم جدا لمرضى القصور الكلوي المزمن ومرضى غسيل الكلى، وفقدانه يؤدي إلى عواقب وخيمة على المريض، مع اللجوء إلى بدائل مؤلمة في عملية نقل الدم.

لجأت وزارة الصحة في غزة لبدائل مؤلمة للمرضى للتغلب على أزمة نفاد الهرمون (الجزيرة)

آلام مضاعفة

وبصوت يكسوه الألم، وبكلمات قليلة ومتقطعة، عبّر سكر (42 عاما) في حديثه المقتضب للجزيرة نت عن الألم الذي يتعرض له 3 مرات أسبوعيا في وحدة غسيل الكلى في المستشفى.

وقال "منذ شهور أخبرنا الأطباء بنفاد هرمون أساسي، وأنهم مضطرون إلى نقل الدم كبديل، وهي عملية مؤلمة وتستغرق وقتا طويلاً".

وأصيب سكر بمرض الفشل الكلوي قبل نحو 19 عاما، وجراء فشل عملية زراعة خضع لها، يضطر منذ عام 2014 إلى غسيل الكلى 3 مرات أسبوعيا.

وهذا الرجل متزوج ويعيل أسرة من 3 أفراد، وكان مقاولا في قطاع البناء قبل مرضه، لكنه يعتاش وأسرته حالياً على مساعدات حكومية من وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية.

يجول سكر ببصره في أرجاء المكان، ويتساءل "ألا يكفي ما نحن فيه من مرض وآلام، وكمان نقص أدوية؟.. والله حرام.. أين العلم من معاناتنا؟!".

ويحتاج مريض الكلى إلى 4 آلاف وحدة من هرمون إريثروبيوتين في جلسة الغسيل الواحدة، وبمعدل 12 ألف وحدة أسبوعيا.

ويقول سكر إن الهرمون متوفر في الصيدليات الخارجية، ولكنه مكلف ماليا ولا يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة لغالبية المرضى، فالجلسة الواحدة تكلف حوالي 65 شيكلا (الدولار يعادل 3.12 شيكلات).

وبالنسبة لسكر، الذي يقطن قريبا من الحدود الشرقية لمدينة غزة، فإنه يحتاج إلى 60 شيكلا أجرة للمواصلات للوصول إلى المستشفى أسبوعيا، ويقول إن "الوضع الاقتصادي لا يسمح بتحمل مزيد من التكاليف".

الدكتو غازي البازجي: مرضى غسيل الكلى يعانون بشدة جراء نفاد هرمون إريثروبيوتين (الجزيرة)

مخاطر حقيقية

وقال رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى في مجمع الشفاء الطبي غازي اليازجي إن هرمون إيثروبيوتين مفقود تماما منذ بضعة شهور، ومرضى غسيل الكلى يشعرون مع بديل نقل الدم بالإجهاد الشديد وعدم القدرة على التركيز والحركة.

وأوضح اليازجي للجزيرة نت أن استمرار نفاد هذا الهرمون المسؤول عن الحفاظ على مستوى الدم لدى المرضى، سيؤدي إلى مضاعفات خطيرة من بينها فقر الدم "الأنيميا"، وقد يؤدي إلى مضاعفات تصل إلى فشل في عضلة القلب.

وبحسب الطبيب المختص، فإن الكثير من المرضى المقرر أن يجروا عمليات زراعة الكلى ستتهدد عملياتهم بالفشل إذا تم استبدال الهرمون بإضافة وحدات دم جديدة، حيث من المحتمل أن يشكّل جسم المريض أجساما مضادة لوحدات الدم تهاجم الكِلية المزروعة وتؤدي إلى فشلها، وينطوي ذلك على مخاطر حقيقية على حياة المرضى.

ويحتاج 1032 مريض كلى في قطاع غزة إلى غسيل بشكل دوري ومنتظم أسبوعيا، من بينهم 585 مريضا يتلقون هذه الخدمة في مجمع الشفاء الطبي، أكبر المؤسسات الصحية الحكومية في القطاع الساحلي الصغير والمحاصر.

مرضى غسيل الكلى في غزة يعيشون حاليا أوقاتا عصيبة جراء نفاد هرمون إريثروبيوتين (الجزيرة)

تداعيات الحصار

وأرجع رئيس مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية الأزمات التي يعاني منها القطاع الصحي في غزة، وأحدثها أزمة هرمون مرضى الكلى، بالدرجة الأولى إلى الحصار الإسرائيلي الخانق المتواصل منذ 15 عاما.

وقال أبو سلمية للجزيرة نت "خاطبنا وزارة الصحة في رام الله، وناشدنا منظمات صحية دولية منذ شهور، ولا نزال في انتظار الاستجابة لمعاناة مرضى غسيل الكلى، وتوفير هرمون إريثروبيوتين بأسرع وقت".

ويعاني القطاع الصحي في غزة بالأساس من نقص حاد بنسبة 40% في الأدوية الأساسية عموما، إضافة إلى نقص في المعدات والمستهلكات الطبية.

ويؤكد أبو سلمية أن هذا الواقع يزيد العبء على مجمع الشفاء الطبي كأكبر المؤسسات الصحية الحكومية في غزة، في الوقت الذي يعاني فيه من نقص شديد في الكثير من المقومات.

وقال إن سلطات الاحتلال تتعمد عرقلة وصول الكثير من الاحتياجات الطبية، وأهمها الأجهزة، مبيّنا أن شراء أي جهاز أو إصلاحه خارج القطاع بحاجة إلى تنسيق وإجراءات معقدة تستغرق شهورا.

المصدر : الجزيرة