الأطباء وكورونا.. مكرّمون في الخارج مهانون في أقطار عربية

الطواقم الطبية تعيش ظروفا استثنائية حول العالم منذ الإعلان عن فيروس كورونا "كوفيد-19" (غيتي)

مع وباء فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19 الذي اجتاح العالم سجل الأطباء والعاملون في الرعاية الصحية أروع قصص التفاني لحماية الناس، وهو أمر قابله العالم بالتقدير، لكن هذا لم ينطبق على بعض الأماكن في عالمنا العربي.

وتعيش الطواقم الطبية ظروفا استثنائية حول العالم منذ الإعلان عن فيروس كورونا "كوفيد-19″.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 10% من العاملين في القطاع الصحي حول العالم أصيبوا بالفيروس أثناء قيامهم بواجبهم، وهو أمر مقلق، وذلك وفقا لحلقة من برنامج "للقصة بقية" بثت في 2020/5/11.

وواجهت أغلب الدول صعوبة في توفير معدات الحماية الشخصية، وأدى نقص المعدات الطبية إلى ارتفاع نسب الإصابة بين الطواقم الطبية، كما تحدث أطباء عن عدم عودتهم إلى منازلهم خوفا من نقل العدوى إلى أهلهم وأقاربهم، وقالوا إنهم قادرون على تخطي التعب الجسدي، لكنهم بحاجة للكثير من الوقت للتغلب على التعب النفسي الذي تعرضوا له.

وقال مدير عام منظمة العمل الدولية غاي رايدر في تصريحات من جنيف في أبريل/نيسان الماضي إن 136 مليون شخص حول العالم يعملون في القطاع الصحي والمهن الاجتماعية، وهؤلاء يعملون في الخطوط الأمامية في الحرب على كوفيد-19.

وشدد رايدر على أن أكبر تهديد يواجه هذا القطاع هو الإصابة بفيروس كورونا، وقال إن "علينا أن نضمن حماية هؤلاء العاملين وتوفير الأدوات الوقائية المناسبة لهم".

هذا الجهد الكبير من جانب الأطباء والممرضات والعاملين في القطاع الصحي بالعالم كان مثار تقدير وافتخار واعتزاز من دولهم، لكن هذا ليس الحال في بعض الأماكن بعالمنا العربي.

مصر.. هجوم على الأطباء

فقبل أيام فرضت السلطات المصرية إجراءات أمنية مشددة حول مقر نقابة الأطباء، ومنعت الأطباء من دخولها، للحيلولة دون عقد مؤتمر صحفي كان مقررا للرد على تصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي التي هاجم فيها الأطباء.

وقال محرر الشؤون المصرية في قناة الجزيرة عبد الفتاح فايد إن "هذا التصعيد بين الدولة والأطباء غير متوقع، خصوصا أن عددا من كبار الإعلاميين والكتاب الصحفيين الموالين للنظام المصري بشكل كامل كانوا قد طالبوا رئيس الوزراء بأن يستجيب لطلب النقابة، وأن يعتذر عن هذه التصريحات".

وأضاف أن الوقائع على الأرض مخالفة لتصريحات رئيس الحكومة، فعدد الوفيات والإصابات في صفوف الأطباء من الأعلى في العالم، بواقع 93 وفاة و3 آلاف إصابة.

وكانت نقابة الأطباء قد أصدرت بيانا اعترضت فيه على تصريحات لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي التي قال فيها إن تغيب الأطباء عن المستشفيات تسبب في زيادة إصابات كورونا في البلاد، وطالبت النقابة باعتذار رسمي عن هذه التصريحات.

 

وقالت النقابة إن "أطباء مصر منذ بداية الجائحة يقدمون أروع مثال للتضحية والعمل وسط ضغوط عظيمة في أماكن عملهم، بدءا من العمل في ظروف صعبة ونقص لمعدات الوقاية في بعض المستشفيات، وفي ظل اعتداءات مستمرة على الأطقم الطبية على مرأى ومسمع من الجميع، وفي ظل تعسف إداري ومنع للإجازات".

وحذرت النقابة من أن تؤجج التصريحات الحكومية حالة الغضب ضد الأطباء وتزيد تعدي المرضى ومرافقيهم على الأطقم الطبية وتسلل الإحباط إلى جميع الأطباء، وقالت إنها تعتبر تحريضا إضافيا للمواطنين ضد الأطباء بدلا من إصدار قانون لتجريم التعدي عليهم.

كما نشرت النقابة قائمة ضمت أسماء 93 طبيبا توفوا متأثرين بإصابتهم بفيروس كورونا، مؤكدة أن الأطباء هم جنود الصف الأول في المعركة ضد كورونا.

 الكوميديا السوداء

ودشن أطباء مصريون وسم "صورتك وأنت متقاعس" ردا على اتهامات رئيس الحكومة، وأشار بعضهم إلى أن اتهامهم بالتقاعس جاء ضمن سياسة الدولة للتنصل من واجباتها ومسؤولياتها، سواء ما يتصل بتطبيق الإجراءات الاحترازية أو توفير المستلزمات الوقائية والعلاجية اللازمة بالمستشفيات.

وشارك أطباء على مواقع التواصل صورهم أثناء تبرعهم بالدم والبلازما لمرضى كورونا، في حين اعتبر آخرون أن ما يحدث هو نوع من الكوميديا السوداء، ليدشنوا حملة بعنوان "متقاعسين"، ساخرين من اتهامات السلطات لهم.

في المقابل، دُشنت حملة بعنوان "شكرا أطباء مصر.. أنتم في القلب"، للتعبير عن التقدير للأطباء وجهودهم في مكافحة انتشار فيروس كورونا، لتلاقي انتشارا كبيرا وتفاعلا من عدد كبير من المشاهير والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي وقت سابق، نشرت نقابة الأطباء فتوى من دار الإفتاء المصرية بشأن تحريم الاعتداء على الفرق الطبية، مشيرة إلى ارتفاع معدلات جريمة الاعتداء على الأطباء وكل أفراد الفريق الطبي في المستشفيات.

وقالت دار الإفتاء المصرية إن الاعتداء على الفرق الطبية حرام شرعا، ولا يجوز لأهل المريض التعدي على الطبيب في حال إبلاغهم بالوفاة.

مضايقة وترهيب

وكانت منظمة العفو الدولية طالبت السلطات المصرية بالتوقف فورا عما وصفتها بـ"حملة المضايقة والترهيب" ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية الذين يعبرون عن بواعث قلق تتعلق بالسلامة، أو ينتقدون تعامل الحكومة مع أزمة وباء فيروس كورونا.

وفي بيان سابق لها، وثقت المنظمة الدولية كيفية استخدام السلطات المصرية تهما فضفاضة وغامضة جدا -مثل نشر أخبار كاذبة والإرهاب- من أجل اعتقال واحتجاز العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يعربون عن آرائهم علانية، وتعريضهم للتهديدات والمضايقات والإجراءات الإدارية العقابية.

وأوضحت أن الذين تم استهدافهم من قبل السلطات احتجوا على ظروف العمل غير الآمنة، ونقص معدات الوقاية الشخصية، وعدم كفاية التدريب للسيطرة على العدوى، والفحص المحدود للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وعدم الحصول على الرعاية الصحية الضرورية.

ووثقت منظمة العفو الدولية 8 حالات للعاملين في مجال الرعاية الصحية -من بينهم 6 أطباء وصيادلة- تم احتجازهم بشكل تعسفي بين مارس/آذار الماضي ويونيو/حزيران من قبل قطاع الأمن الوطني السيئ السمعة، وذلك بسبب تعليقات على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تعرب عن بواعث قلقهم المتعلقة بالصحة.

السودان.. اعتداءات متكررة

وفي مايو/أيار الماضي هدد أطباء سودانيون بالإضراب عن العمل احتجاجا على تكرار حوادث الاعتداء على الطواقم الطبية في المستشفيات.

جاء ذلك وفق بيان للمكتب الموحد للأطباء الذي يضم لجنة أطباء السودان المركزية ونقابة أطباء السودان الشرعية ولجنة الاستشاريين والاختصاصيين غداة اعتداء على طاقم طبي بمستشفى أم درمان غربي الخرطوم.

وطالب البيان وقتها رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك بتأمين الأطباء، وسرعة إقرار تشريع يقضي بحمايتهم وتغليظ عقوبة الاعتداء عليهم.

وصدرت تحذيرات محلية ودولية من انهيار القطاع الصحي بالسودان في ظل تفشي كورونا، لعدم توافر أدوات الحماية والوقاية، مما أدى إلى إصابة طواقم طبية بالفيروس.

وفي وقت سابق، أفادت وسائل إعلام محلية باعتداء مرافقي مريض على طبيب ومعاونيه في مستشفى أم درمان (حكومي)، كما بث مغردون على مواقع التواصل مقاطع مصورة للواقعة، في حين لم يتضح سبب الاعتداء.

واشتكى الأطباء في السودان من تكرار حوادث الاعتداء عليهم من ذوي المرضى أو أفراد من القوات النظامية أثناء تأدية عملهم في المستشفيات.

والعراق أيضا

تداول عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر تجدد الاعتداءات على الفرق الطبية السبت الماضي من قبل مجهولين في مستشفى الحسين التعليمي المخصص لعلاج المرضى المصابين بفيروس كورونا، في مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار).

ونشر أحد الأطباء العاملين في المستشفى بيانا مسجلا لجمع من الفرق الطبية في مستشفى الحسين أعلنوا فيه تعليقهم العمل حتى تأمين الحماية اللازمة لهم، وضمان عدم تكرار الاعتداء عليهم.

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي التقى -في وقت سابق- عددا من الفرق الطبية في ذي قار، بعد حادت الاعتداء عليهم، في حين أصدرت نقابة الأطباء العراقيين بيانا شديد اللهجة.

قطر.. تقدير ووفاء

هذه الصورة القاتمة ليست في كل مكان، ففي مايو/أيار الماضي أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن تقديمها 100 ألف تذكرة سفر مجانية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، تقديرا لجهودهم في محاربة فيروس كورونا.

وأوضحت الخطوط القطرية في بيان نشر على موقعها الإلكتروني أن العاملين في مجال الرعاية الصحية حول العالم سيتمكنون من الحصول على هذه التذاكر، كما ستخصص الشركة عددا من التذاكر لكل دولة يوميا بناء على عدد السكان.

وأضافت أن العاملين في مجال الرعاية الصحية -الذين سيحصلون على الرمز الترويجي- سيحظون بفرصة حجز تذكرتين على الدرجة السياحية ذهابا وعودة لهم ولمرافق معهم إلى أي وجهة على شبكة الوجهات العالمية للخطوط الجوية القطرية.

اليمن.. تقدير وتفاعل

وفي 25 من الشهر الجاري تفاعل نشطاء وأطباء يمنيون مع وسم "#يوم_الطبيب_اليمني" الذي أطلقته مبادرة أطباء اليمن في المهجر تكريما للطبيب اليمني الذي يعمل على خدمة المجتمع اليمني في ظل تفشي الأوبئة والأمراض في اليمن.

وشارك العديد من الأطباء اليمنيين والناشطين بفيديوهات توضح معاناة الطبيب اليمني في مواجهة الأوبئة المنتشرة في اليمن، مؤكدين أنهم سيقدمون أنفسهم من أجل المجتمع.

من جانب آخر، علق مدير منظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط أحمد المنظري بالقول "أتقدم بالتحية لكل الأطباء في اليمن الذين عملوا على حماية النظام الصحي اليمني من الانهيار النهائي".

وأضاف "ومع مواجهة اليمن أسوأ كارثة في العالم نتيجة تفشي الأوبئة في ظل النزاعات القائمة، وفي ظل الانقسامات السياسية، ومع غياب الحماية الشخصية، ومع هذه التحديات الجسيمة إلا أن الأطباء ظلوا يقدمون خدماتهم في اليمن".

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع التواصل الاجتماعي + وكالة الأناضول