هل يمكن تطبيق "مناعة القطيع" بالدول العربية للتصدي لجائحة كورونا؟

صدرت تصريحات عن استعمال "مناعة القطيع" للتصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد (سارس كوف 2)، الذي يسبب مرض كوفيد-19، فهل هذا خيار منطقي للدول العربية؟

وبدأ تفشي فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر/كانون الأول الماضي في سوق للأطعمة كان يبيع حيوانات برية بطريقة غير مشروعة، وتجاوز عدد الإصابات عالميا مليونا وأربعمئة ألف، وبلغت الوفيات ثمانين ألفا، والرقم في ارتفاع.

وأطلق على الفيروس اسم "سارس كوف 2" (SARS-CoV-2)، وذلك لتمييزه عن فيروس "سارس كوف" (SARS-CoV) المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس)، الذي انتشر في 2002-2003، وسبب 774 وفاة، أغلبها في آسيا.

وكانت عدة دول قررت اعتماد إستراتيجية مناعة القطيع؛ أي ترك الأمور على حالها كما كانت عليه قبل انتشار الفيروس ليصاب أكبر عدد ممكن من الأشخاص بالعدوى؛ فيتكون لدى أغلبهم مناعة ضد المرض بشكل طبيعي وتلقائي. عندها يمكن بدء دراسة تلك المناعة المتكونة وإنتاج عقاقير مستخلصة منها.

لكن مع تفاقم عدد الوفيات عالميا؛ تراجعت دول عديدة عن إقرار تلك الإستراتيجية.

العالم العربي
عن هذا الأمر وإمكانية تطبيقه في العالم العربي، تقول الباحثة بمستشفى هايدلبيرغ في ألمانيا علياء أبو كيوان إن في تطبيق تلك المنهجية مخاطرة كبيرة، خاصة لفئة كبار السن والأشخاص ضعيفي المناعة؛ ولذلك فإن الكثير من الدول تقف ضد تطبيق تلك الإستراتيجية لأنها لا تريد التضحية بتلك الفئات الحرجة.

وأضافت أن هذا الأمر سينتج عنه عدد ضخم من الإصابات، مما قد يمثل ضغطا على القطاع الصحي، مشيرة إلى أن ألمانيا -ورغم كل إمكاناتها الهائلة- فضلت تعطيل الاقتصاد لشهر كامل، لأنها لا تريد أن تخاطر بصحة أو أرواح كبار السن أو الضعفاء، بل على العكس قررت بذل المزيد من الجهود لحمايتهم وعلاجهم.

ويرى عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة في القاهرة البروفيسور مجدي بدران أن فكرة مناعة القطيع لن تكون مفيدة حاليا، و"لا أقبل أن نضحي بوفاة مليون لكي يعيش مئة مليون. لكن ربما تكون تلك الإستراتيجية مفيدة في المستقبل لو تحور الفيروس، وأصبح موسميا أو متوطنا، فساعتها سيكتسب العامة مناعة ضده، ويصبح مرضا بسيطا.

ويقول بدران، معلقا على فرضية أن تطعيم مرض السل "بي سي جي" (bacillus Calmette-Guerin- BCG) يساعد في تقليل إصابات كورونا؛ إن فيروس كورونا مستجد وغامض ولا يعرف حتى الآن مدى فاعلية لقاح السل في رفع قدرة الجهاز المناعي لمواجهته، مشيرا إلى أن زيادة نسبة الإصابات في الدول التي لا يحصل مواطنوها على لقاح السل ليست دليلا كافيا على صحة تلك الفرضية.

وأشار إلى أنه في إيران يتم التطعيم بلقاح "بي سي جي" ورغم ذلك فإن لديهم معدل وفيات مرتفعا بفيروس كورونا المستجد. وقال إن انخفاض عدد الإصابات والوفيات في أفريقيا بالفيروس ربما يرجع لعدة أسباب؛ منها ضعف القدرة على التشخيص أو وجود مناعة أفضل لدى البعض، وقلة الرحلات السياحية الأجنبية، والأجواء الرطبة ودرجة الحرارة المرتفعة.

نصائح مهمة
تقول الدكتورة علياء أبو كيوان إن أهم ما يمكن أن تفعله الدول العربية حاليا هو الالتزام التام بتوصيات منظمة الصحة العالمية بمنع التجمعات، وتقليل الخروج إلى الشوارع، وارتداء الكمامات، والالتزام بالتباعد الاجتماعي، ويفضل أن تكون المسافة بين الأشخاص نحو مترين، والغسل المتكرر للأيدي وتعقيم الأسطح.

وأضافت الباحثة بمستشفى هايدلبيرغ أن "أهم ما في الأمر حاليا هو إجراء الفحوص لأكبر عدد ممكن من الأشخاص، وعمل تشخيص مبكر حتى يتم اكتشاف حاملي الفيروس ومنع اختلاطهم بالآخرين، وهو ما سيقلل كثيرا العدوى، وسيسهم في "تسطيح المنحنى" (Flatten the curve)، والمقصود هو ذلك المنحنى الدال على الإصابة بالفيروس ومراحل تطوره انتشاره وحالات الشفاء والوفيات".

بدوره، أكد البروفيسور مجدي بدران أن من الممكن إجهاض انتشار فيروس كورونا بتنفيذ الإجراءات الاحترازية بصرامة، والتزام الجماهير بتعليمات الوقاية بدقة، وأهمها:

1. البقاء في المنزل.

2. تجنب الحشود.

3. الامتناع عن لمس الناس بعضهم البعض.

4. زيادة المسافات الآمنة بين الآخرين.

 ويضيف أنه اعتمادا على عدد المرضى في المجتمع يمكن أن يتم:

– إغلاق المدارس والمطاعم والمحلات التجارية ودور السينما والأماكن الأخرى التي يتجمع فيها الناس.

– عدم الاجتماع مع الأصدقاء.

– عدم الذهاب إلى المتاجر إلا عند الضرورة.

– العمل من المنزل.

– تعطيل وسائل النقل العام، بما في ذلك الحافلات، ومترو الأنفاق، وسيارات الأجرة.

– عدم الذهاب إلى منازل الآخرين.

– الابتعاد عن الجميع، حتى لو لم يظهر عليهم المرض.

– إذا كنت مريضا ابتعد عن الآخرين، وهذا هو أهم شيء يمكنك القيام به.

ويقول بدران إن كل تلك الأمور ستؤدي إلى "تجويع" فيروس كورونا المستجد. ويقصد به حرمان الفيروس من الوصول لخلايا الأفراد؛ فعندما يبقى الأشخاص المصابون بالفيروس بعيدين عن الآخرين، لا يمكنهم تمريره إلى أي شخص آخر، وسيموت الفيروس؛ وبهذه الطريقة يقل عدد الأشخاص الذين يصابون بالمرض، ولا يجد الفيروس من يصيبه فيموت.

المصدر : دويتشه فيله