وسط أزمة كورونا.. 4 تجارب نموذجية في مكافحة الأوبئة
ففي مقال بمجلة لونوفيل أوبسرفاتور الفرنسية يتساءل الكاتب فرانسوا رينار في سياق الجدل القائم بشأن علاج وباء كورونا: هل يجب أن نصدق تجارب الطبيب الفرنسي ديديي راولت الخاصة بعلاج كوفيد-19 بعقار يعتمد على مادة الكلوروكين؟ ليوضح أن أهل مهنة الطب منقسمون بين مؤيد ورافض يحذر من علاج لم تسبقه دراسات على نطاق واسع، وفي مكان آخر توجد فرق أخرى تبحث طرقا أخرى للعلاج أو ربما تبحث عن لقاح.
واتخذ الكاتب من هذه المقدمة مدخلا لتقفي أربع تجارب في الماضي كان فيها البحث في بعض الأحيان أفضل حليف للصدفة، كما كانت هي له حليفة أيضا.
سميلويس الذي علمنا أن نغسل أيدينا
وقد كان 18% من النساء اللاتي يلدن هناك أو أطفالهن يسقطون ضحايا لهجمات مميتة من هذه الحمى التي لا يعرف أحد كيف يحاربها، وفي الوقت نفسه كان قسم آخر في نفس المؤسسة تعمل فيه القابلات وحدهن غير موبوء بهذه الحمى، مما أثار اهتمام الطبيب.
وتساءل سيميلويس: ماذا يمكن أن يكون السبب؟ هل هو الحجز أم الهواء أم الطعام؟ إلا أن وفاة أحد زملائه من هذه الحمى نفسها قدح في نفسه فكرة جديدة على الرغم من أن النظرية البكتيرية لم يتم اكتشافها بعد، إذ لاحظ أن المتوفى مات إثر إصابة إصبعه بمشرط تم استخدامه لتشريح مريضة متوفاة بنفس المرض.
وعندها أدرك سيميلويس ما يحدث، وهو أن النساء في هذا الجناح يصبن بمواد يحملها طلاب الطب على أيديهم بعد تشريح الجثث، ولذلك أمر الجميع بغسل أيديهم بشكل منهجي في خليط مطهر قوي، كما طلب أن تغسل به الأدوات الطبية أيضا، وهو ما أدى إلى انخفاض الإصابة بحمى النفاس على الفور.
وبهذا، خلص رينار إلى أن سيميلويس اكتشف التعقيم بشكل تجريبي تماما، ودون فهم حقيقة كيفية عمله، ومع ذلك لم يعطه اكتشافه مكانة كبيرة في مهنة الطب، بل إنه اعتبر بعد ثورة 1848 ليبراليا وتم رفضه، حتى أن بعض الأطباء لا يغفرون له أبدا اتهامه لهم بأنهم كانوا ينقلون الأمراض.
ومع ذلك، سرعان ما أصبحت توصيات سيميلويس إلزامية في المستشفيات المجرية ثم في دول أوروبية أخرى، وقد توفي عام 1865 دون أن يتجاوز 47 سنة، قبل أن يشتهر اسمه في جميع أنحاء الإمبراطورية النمساوية المجرية وفي العالم.
كليمنصو وباستور
وتقوم نظرية باستور على أن بعض الأمراض تجلبها كائنات حية دقيقة يتم نقلها في الهواء أو عن طريق العدوى، وقد أطلق عليها أحد زملائه "الميكروبات" أي "الحياة الصغيرة"، إلا أن طبيبا معاصرا له يدعى بوشي كان يرى أن هذه الكائنات الحية الدقيقة التي يمكن رؤيتها تحت المجهر تنشأ تلقائيا من الجسم ولا تنتقل إليه.
وفي هذا النقاش تدخل الشاب وقتها ورجل الدولة فيما بعد جورج كليمنصو الذي كان مناصرا متعصبا لبوشي، ويرى أن باستور مخطئ بسبب تحيزه الأيديولوجي، لأنه كاثوليكي ومؤيد للإمبراطورية الثانية، في حين كان كليمنصو -قبل أن يعترف بخطئه- غير ديني.
فطر فليمنغ المعجزة
وهكذا -يقول الكاتب- عن طريق الصدفة وبشكل غير متوقع -تماما كما وجد كريستوفر كولومبوس أميركا دون البحث عنها- اكتشف عالم الأحياء فليمنغ للتو دواء البنسلين.
ومع ذلك، لم يهتم أحد بالاكتشاف الجديد رغم أن فليمنغ نشر عنه مقالة أو مقالتين، إلا أن صدفة جديدة في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين هي التي ستجعل منه الدواء المعروف، وذلك حين عثر عالم الكيمياء الحيوية الألماني إرنست بوريس تشين (1906-1979) على مقال لفليمنغ يتحدث عن "البنسليوم"، فأجريت التجارب الأولى في الجزائر على جنود وكانت حاسمة للغاية بحيث أصبح البنسلين دواء سحريا لجميع الأمراض.
الحرب على لقاح شلل الأطفال
ومن أشهر ضحايا هذا المرض فرانكلين ديلانو روزفلت الذي أصيب به عام 1921 بعد السباحة في نهر، قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة، وقد اكتسب هذا المرض أهمية عندما أصيب به أكثر من ستين ألف شخص عام 1952 ومات منهم ثلاثة آلاف.
عندها، قررت أميركا -كما يقول الكاتب- مواجهة هذا العدو، وعمل طبيبان كل منهما مع فريقه من أجل إنتاج لقاح له، الأول هو ألبرت سابين (1906-1993) المدعوم من قبل أعضاء هيئة التدريس، ويريد إنتاج لقاح بفيروس مخفف.
أما الثاني فهو جوناس سالك (1914-1995) الذي تقدمه الصحافة على أنه منافس كبير وتدعمه هيئة مكافحة شلل الأطفال، ويريد أن يذهب بسرعة كبيرة وأن يصنع لقاحا مع فيروس ميت.
وفي عام 1953، أعلن سالك اكتشاف اللقاح واختبره على نفسه وعلى عائلته، قبل تنظيم اختبار في جميع أنحاء البلاد عام 1954-1955، ليعلن في أبريل/نيسان 1955 أن اللقاح فعال وآمن.
وأصبح سالك بطلا قوميا، وزادت شهرته -حسب الكاتب- بعد أن رفض براءة اختراع لاكتشافه، وتركه "كالشمس التي يستفيد منها الجميع".
وختم رينار بأن سابين -بسبب الإيمان بقدرة العلم على القضاء على المرض الذي ينشر الرعب- طور لقاحه الخاص الذي يتم استخدامه على نطاق أكبر بكثير من لقاح سالك، لأنه يمكن تناوله عن طريق الفم.