لماذا أوقفت تجارب اللقاح الصيني لكورونا في البرازيل؟

تعد البرازيل ثاني أكثر دولة متضررة من فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض "كوفيد-19" من حيث عدد الوفيات بعد الولايات المتحدة، مسجلة حوالي 165 ألف وفاة حتى اليوم.

ومنذ ما قبل وصول الفيروس إليها بشكل رسمي، سارع مركز "فيو كروز" البرازيلي المتخصص في أبحاث اللقاحات والأمراض المعدية للحصول على المادة الجينية لفيروس كورونا لبدء دراسته والتعرف عليه، وبعدها بوقت قصير بدأت حالات الفيروس بالظهور في البلاد والانتشار سريعا مسجلة أرقاما قياسية على مستوى العالم، قبل أن يعود ويتراجع تعداد الإصابات والوفيات بشكل نسبي منذ أغسطس/آب الماضي.

العدد الكبير للإصابات في البرازيل كانت له آثار سلبية على حياة البرازيليين بكل أشكالها، لكنه في الوقت ذاته شجّع شركات إنتاج اللقاحات والمعاهد العلمية على استثمار البيئة البرازيلية الخصبة في هذا المجال، والمسارعة لإجراء اختباراتها على أراضيها حتى باتت البرازيل اليوم تستضيف كافة اللقاحات الواعدة في مراحل تجاربها الأخيرة، نظرا لخبرتها الواسعة في إنتاج وتوزيع اللقاحات حيث تنتح وتوزع سنويا 80 مليون جرعة للقاح الإنفلونزا على مواطنيها بسلاسة، مع وجود مراكز متخصصة وقادرة، بالإضافة لسهولة تأمين المتطوعين ومتابعتهم.

لكن ماذا عن أخبار إيقاف تجارب بعض اللقاحات فيها؟

مبكرا وقّعت ولاية ساوباولو اتفاقا مع شركة "سينوفاك" (Sinovac Biotech) الصينية، المطورة للقاح "كورونافاك" (Coronavac) يقضي بإجراء اختبارات على أكثر من 9 آلاف متطوع من الولاية في المرحلة الثالثة والأخيرة من اللقاح، وهو ما يسمح لها بالحصول على 46 مليون جرعة من اللقاح فور إثبات فعاليته وقبل انتهاء عام 2020، ثم إنتاج المزيد من الجرعات بالتعاون مع معهد بوتانتان الشهير داخل الولاية نفسها، ليصل عدد اللقاحات المتوقع الحصول عليها في الأشهر الأولى من عام 2021 إلى 100 مليون جرعة.

حاكم الولاية جواو دوريا أكد مرارا على اقتراب إنتاج اللقاح، وعلى عدم ظهور أي عارض جانبي أو خطير على أي من المتطوعين في التجارب، وبدت الأمور في غاية التفاؤل.

غير أن هيئة الرقابة الصحية البرازيلية -المخولة بمراقبة سير التجارب ومنح التراخيص- قررت فجأة يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إيقاف كافة تجارب لقاح كورونافاك في البرازيل، مبررة قرارها في بيان رسمي بأن "حدثا خطيرا" أبلغت به يستدعي المراجعة واتخاذ هذا القرار إلى حين التحقق من المعلومات.

وشكّل الخبر صدمة لدى البرازيليين، وكذلك لدى رئيس معهد "بوتانتان" ديماس كوفاز، الذي قال إنه فوجئ بقرار هيئة الرقابة، وأكد أن المعهد تلقى الخبر عبر وسائل الإعلام، وأن المعهد أبلغ بالفعل عن وفاة أحد المتطوعين لكن لأسباب لا تتعلق بتاتا باللقاح وتجاربه، مشددا في مؤتمر صحفي على ضرورة إبعاد قضية اللقاحات عن السجال السياسي لئلا يؤثر ذلك على المجتمع المترقب للقاح، ومؤكدا أن قرار الهيئة لم يؤثر على سير التجارب وتحضيرات عمليات الإنتاج.

يأتي ذلك بعد يوم على عدول هيئة الرقابة عن قرارها والسماح مجددا باستكمال الاختبارات المتعلقة بلقاح شركة سينوفاك بعد توقفها لثلاثة أيام.

أمر طبيعي

الدكتورة ثريا صميلي، الباحثة المتخصصة في مجال الفيروسات المعدية لدى جامعة ساوباولو الفدرالية وأحد أبرز المشرفين على اختبارات لقاح جامعة أكسفورد، قالت في حديث خاص للجزيرة نت إن "إيقاف تجارب اللقاحات خلال المرحلة الثالثة يعتبر أمرا طبيعيا ومتوقعا لدراسة أي حالة تحتاج لمزيد من التحقق، ووفاة أحد المواطنين المتطوعين في التجارب يعتبر السبب الطبيعي لهذا الإيقاف للحصول على المعلومات الكافية حول الأسباب الحقيقية للوفاة، قبل أن يتم السماح بعودة التجارب بعد التأكد من أن السبب لم يكن اللقاح نفسه".

لقاح أكسفورد نفسه الذي كانت الحكومة الفدرالية البرازيلية قد وقّعت عقدا للحصول عليه وإنتاجه عبر معهد فيوكروز، كان قد تعرض للإيقاف أيضا من قبل هيئة الرقابة في سبتمبر/أيلول الماضي عقب إعلان الجامعة عن اكتشاف أعراض سلبية على أحد المتطوعين تبين لاحقا أن لا علاقة لها باللقاح، قبل أن يتم السماح بعودة التجارب.

صراع سياسي عنوانه اللقاح

فور صدور قرار هيئة الرقابة بحق اللقاح الصيني، تداول ناشطون عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي اتهامات للهيئة بالتسييس، وذلك وفق آرائهم، لكون الهيئة تابعة للحكومة البرازيلية التي يديرها الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو الذي يرى في حاكم ولاية ساوباولو جواو دوريا خصما سياسيا له ومنافسا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ونجاحه في الحصول على لقاح قد يرفع أسهمه في هذا المجال.

وتداول الناشطون مقاطع من كلمات للرئيس البرازيلي يصف فيها لقاح كورونافاك بـ"اللقاح الصيني الخاص بجواو دوريا"، وقوله "لا أحد في العالم يريد اللقاح الصيني لأن كورونا أتى من عندهم"، في حين ذكّرت وسائل إعلام برازيلية بمنع الرئيس البرازيلي وزارة الصحة من إجراء اتفاق مع ولاية ساوباولو للحصول على جرعات من اللقاح أيضا.

الدكتورة ثريا صميلي-الباحثة المتخصصة في مجال الفيروسات المعدية لدى جامعة ساوباولو الفدرالية واحدى أبرز المشرفات على اختبارات لقاح أوكسفورد في البرازيل
الدكتورة ثريا صميلي: من الضروري إبعاد السياسة عن قضية اللقاحات (الجزيرة)

في المقابل، نفى المدير العام لهيئة الرقابة، في حديث لقناة ريكورد البرازيلية، أي تدخل للحكومة في قرارات الهيئة، وأكد حيادها الكامل عن أي سجال سياسي، واتباع المنهج العلمي وحده في التعامل مع اللقاحات.

وحول هذا الموضوع، تقول الدكتورة صميلي للجزيرة نت إنه من الضروري إبعاد السياسة عن قضية اللقاحات، واستمرار العمل بجدية كبيرة ودقة عالية لإجراء دراسات كافية على اللقاحات وتحليل النتائج مع أخذ الوقت المطلوب دون تسرع للحصول على أفضل نتيجة ممكنة، مؤكدة وجود أمل كبير وتقدم في مجال تجارب اللقاحات بالبرازيل.

المصدر : الجزيرة