خرافات عن الحيوانات المنوية المفتولة العضلات

تجارب فعالة لعلاج سرطان الرحم تعتمد على حقن الحيوانات المنوية
عالم الرياضيات الفيزيائي الهولندي نيكولاس هارتسويكر شاهد الحيوان المنوي سنة 1695 (دويتشه فيله)

تعتبر فكرة مشاركة الحيوانات المنوية في سباق منوي داخل الرحم لبلوغ البويضة وتخصيبها مجرد فكرة ذكورية بحتة عن التكاثر البشري، وهو ما ينبغي تبين مدى صحته بالاعتماد على الحقائق العلمية.

وفي مقاله الذي نشرته مجلة "أيون" الأميركية، ذكر الكاتب روبرت مارتن عضو لجنة البيولوجيا التطورية بجامعة شيكاغو المنسق الفخري للأنثروبولوجيا البيولوجية في المتحف الميداني في شيكاغو، أن الناس لطالما حملوا معتقدات خاطئة حول عملية التكاثر وكانوا يظنون أن الولادة ناجمة عن تكوين تلقائي داخل الرحم انطلاقا من مادة غير حية.

وأضاف الكاتب أن هذه المعتقدات تغيرت مع حلول القرن السادس عشر، عندما كان فلاسفة الطبيعة والعلماء قادرين على مشاهدة البويضة الأنثوية بالعين المجردة، وخمنوا أن الشخص يظل قابعا داخل شخص آخر متخذا من بويضة المرأة مرقدا له في انتظار الولادة، كما هو الحال مع دمى التعشيش الروسية التي تحوي دمى أخرى داخلها.

ويقوم هذا التصور والاعتقاد الذي آمن به بعض الفلاسفة وطلاب العلم آنذاك، على اعتبار أن البويضة وعاء غير نشط يعكف على انتظار وصول حيوانات منوية نشطة لتحفيز عملية النمو، فضلا عن أن رأس الحيوان المنوي يشبه رأس كائن بشري صغير.

من جهته، شاهد عالم الرياضيات الفيزيائي الهولندي نيكولاس هارتسويكر، الحيوان المنوي سنة 1695، وأقنع نفسه بوجود شبه بين الرأس البشرية ورأس الحيوان المنوي على الرغم من عدم وجود أي أساس لهذا الشبه.

وأضاف الكاتب أن الميكروسكوبات الأكثر قوة أحالت معتقد التكون المسبق إلى مزبلة التاريخ، لكن المعتقد القائم على اعتبار أن البويضة لا تبرح مكانها في انتظار الحيوان المنوي الذي يمر بمصاعب جمة حتى يبلغها ويخصبها، لم يتغير.

حداثة
وأوضح الكاتب أن طريقة فهمنا العلمي للخلايا الجنسية وعملية الحمل لدى البشر تتسم بالحداثة، فالبويضة بالكاد تُرى بالعين المجردة على الرغم من كونها أكبر خلية في جسم الإنسان، في حين لا يمكننا رؤية الحيوان المنوي دون مساعدة نظرا لكونه أصغر خلية في جسم الإنسان.

على صعيد آخر، أدرك العلماء أن المبيض البشري ينتج البويضات، لكن تقديم عالم الأحياء الألماني كارل إرنست فون باير، لملاحظات فعلية حول بويضات بني البشر والثدييات الأخرى استغرقه حتى سنة 1827.

وبعد اكتشاف ليفينهوك للحيوانات المنوية، استغرق العلماء قرنا آخر من الزمن لإدراك دورها الضروري في تخصيب البويضات، عندما أثبت القس عالم الأحياء التجريبية الإيطالي لادزارو سبالانساني -في سبعينيات القرن التاسع عشر- أن البويضات تتحول إلى كائنات صغيرة عندما تلقى الحيوانات المنوية في المياه المحيطة بها؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أن سبالانساني كان يجري تجاربه على ذكور الضفادع.

وأثبتت الميكروسكوبات الحديثة أن نصف ملعقة من السائل المنوي البشري تحتوي على 250 مليون حيوان منوي، في حين يحتاج التخصيب إلى 100 مليون حيوان منوي فقط.

تفسيرات
ولعل أحد أفضل التفسيرات المتعلقة بهذا العدد الكبير من الحيوانات المنوية هو التنافس فيما بينها، وهو معتقد نابع عن فكرة الذكورية المتمثلة في سباق الحيوانات المنوية للتخصيب.

ويمكن تشبيه هذا السباق باليانصيب، حيث إن فرص الفوز تزداد كلما اشترينا عددا أكبر من التذاكر، لينتقل هذا المفهوم إلى المجال العلمي ويرتبط عدد الحيوانات المنوية الكبير بجائزة التخصيب النهائية.

ومن بين 250 مليون حيوان منوي ينتجه الرجل في عملية القذف المتوسطة، ينتهي المطاف بالمئات منها فقط في منطقة التخصيب في الجزء العلوي من قناة فالوب.

ويقل عدد الحيوانات المنوية كلما اتجهت نحو الأعلى، ليحيط بالبويضة ما مقداره واحد من المليون من العدد الأصلي للحيوانات المنوية التي تدفقت خلال القذف، ويتخلص من كل حيوان منوي مشوه لتصل الحيوانات السليمة فقط.

وأفاد الكاتب بأن بعض الحيوانات المنوية لا تصل حتى إلى عنق الرحم، حيث تؤثر البيئة الحمضية للمهبل عليها فلا تنجو لفترة طويلة.

وفي حال نجت من هذه البيئة المعادية، تقع الحيوانات المنوية المشوهة في شرك المخاط وتحتجز هناك، في حين تذهب مئات الآلاف منها إلى القنوات الجانبية وتخزن عدة أيام.

في المقابل، تتجه نسبة قليلة من الحيوانات المنوية عبر تجويف الرحم بشكل مباشر، فيقل عددها تدريجيا ويسمح لبعضها فقط بالاقتراب من البويضة.

 
أفضل الحيوانات المنوية

وقد أثارت الفكرة الراسخة التي مفادها أن "أفضل الحيوانات المنوية تفوز" اقتراحات مختلفة بحدوث نوع من الانتقاء، ولكن من الصعب تخيل كيف يمكن أن يحدث التخصيب.

في هذه الصدد، تشير التجارب التي أجريت على الفئران إلى عدم وجود عملية انتقاء تحدث وفقا لما إذا كان الحيوان المنوي يحتوي على كروموسوم "واي" أو كروموسوم "إكس".

ويبدو من المرجح أكثر أن عملية التخصيب البشري بمثابة لعبة يانصيب هائلة تتضمن مشاركة 250 مليون تذكرة.

أما فيما يتعلق بالحيوانات المنوية السليمة، فتعد عملية النجاح في تخصيب البويضة أقرب ما يكون إلى لعبة حظ.

وأشار الكاتب إلى أن الفكرة السائدة التي تفيد بأنه بمجرد حدوث عملية القذف تنخرط الحيوانات المنوية في سباق محموم للوصول إلى البويضة طغت تماما على المفهوم الحقيقي للتكاثر، فضلا عن الأدلة المتزايدة على أن العديد من الحيوانات المنوية لا تندفع نحو البويضة ولكنها تختبئ بدلا من ذلك عدة أيام قبل أن تواصل طريقها نحو البويضة.

 
فضلا عن ذلك، كانت هناك حقيقة مؤكدة منذ فترة طويلة على أن الحيوانات المنوية البشرية تعيش مدة يومين فقط في جهاز المرأة التناسلي. غير أنه منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، كشفت أدلة متزايدة أن الحيوانات المنوية البشرية يمكنها البقاء سليمة مدة خمسة أيام على الأقل.
 
وفي الوقت الحالي، أصبح من الممكن بقاء الحيوانات المنوية على قيد الحياة داخل الرحم عشرة أيام أو أكثر.
 
ومن المفاهيم الخاطئة الخطيرة أيضا، أسطورة أن الرجال يحافظون على خصوبة كاملة في سن الشيخوخة، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع التوقف المفاجئ للخصوبة عند النساء اللاتي يتعرضن لانقطاع الطمث.
 
وتظهر أدلة أن أعداد الحيوانات المنوية وجودتها لدى الرجال تنخفض بالتقدم في السن.
المصدر : مواقع إلكترونية