كذب أنصار السجائر الإلكترونية ولو صدقوا

التدخين الإلكتروني أكثر فتكا بالرئة
دراسة أميركية: التدخين الإلكتروني يزيد خطر أمراض الرئة بمقدار الثلث (دويتشه فيلله)

د. أسامة أبو الرب

"عليكم بالسيجارة الإلكترونية"، "السيجارة الإلكترونية أقل ضررا من التقليدية"، "السموم الموجودة في السجائر التقليدية أكثر من الإلكترونية"، هذه بعض المزاعم التي يرددها أنصار السجائر الإلكترونية، ورغم أن بعضها صحيح مثل أن نسب بعض السموم في السجائر الإلكترونية أقل، فإنهم في النهاية قد "كذبوا"، فالسجائر الإلكترونية مضرة.

فبعد تسببها في عشرات الوفيات في الولايات المتحدة، توصلت دراسة حديثة إلى أنها تزيد خطر إصابة الرئة بأمراض مزمنة مثل الربو أو التضخم.

ولا يعني هذا الكلام أن يعود مستخدمو السجائر الإلكترونية إلى استخدام السجائر التقليدية، وإنما يجب عليهم في جميع الحالات ترك التدخين بكافة أشكاله.

وعندما بدأ تسويق السجائر الإلكترونية، قال أنصارها إنها أقل ضررا من السجائر التقليدية، وإنها تساعد في الإقلاع عن التدخين، ولكن مع تزايد مدخنيها ظهرت معطيات مرعبة.

ففي عام 2018 حذرت دراسة أميركية من أن النكهات الخاصة بالسجائر الإلكترونية -مثل نكهات القرفة والفانيليا- تعتبر سامة لخلايا الدم البيضاء. وأجرى الدراسة باحثون بمركز جامعة روتشستر الطبي في الولايات المتحدة، ونشرت في دورية "فرونتيرز إن فسيولوجي" (Frontiers in Physiology) العلمية.

خطط للحظر
وفي سبتمبر/أيلول الماضي أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خططا لحظر بيع كافة السجائر الإلكترونية ذات النكهات المتنوعة في إطار حملة موسعة، في حين حذر مسؤولون من أن النكهات الحلوة أوقعت ملايين القُصر في دائرة إدمان النيكوتين.

وقتها صرح وزير الصحة والخدمات البشرية أليكس آزار بأن البيانات أظهرت زيادة في استخدام صغار السن للسجائر الإلكترونية، وبأن الشباب انجذبوا لنكهات مثل النعناع والمنثول. ويستخدم قرابة ثمانية ملايين بالغ أميركي مثل هذه السجائر وكذلك نحو خمسة ملايين قاصر.

والسيجارة الإلكترونية أداة يتم استعمالها لاستنشاق النيكوتين الذي يكون سائلا ويجري تسخينه ويتحول إلى بخار، وتأتي في أشكال عديدة.

وتحتوي السيجارة الإلكترونية على بطارية تسخّن سائلا يستنشق المدخن بخاره، ولها العديد من الأشكال التي تتطور مع الزمان، كما يختلف حجمها بحسب قدرة البطارية.

وتزايد الجدل حول السجائر الإلكترونية في الآونة الأخيرة، وقبل أيام قال مسؤولو صحة أميركيون إن أربع حالات وفاة وقعت الأسبوع الماضي نتيجة مرض تنفسي غامض مرتبط بتدخين السجائر الإلكترونية، مما يرفع العدد الكلي للوفيات إلى 52.

وأعلنت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أيضا علاج 118 حالة جديدة في المستشفيات في 50 ولاية ومقاطعة كولومبيا ومنطقتين من الأراضي الأميركية حتى العاشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري. وبلغ عدد الأشخاص الذين عولجوا في المستشفيات 2409.

وأعلنت حالات وفاة مؤكدة في 26 ولاية ومقاطعة كولومبيا.

استفحال
ويجيء هذا في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة أزمة استفحال استخدام السجائر الإلكترونية بين الشبان والشابات. ووفقا للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يستخدم أكثر من 27.5% من طلاب المدارس الثانوية في الولايات المتحدة السجائر الإلكترونية ارتفاعا من 20.7% في 2018.

وأعلن مسؤولون الشهر الماضي اكتشاف أسيتات فيتامين "هـ"، يعتقد أنها تستخدم في منتجات تدخين إلكتروني غير قانونية تحتوي على ماريغوانا، في جميع العينات المأخوذة من الرئة من 29 مريضا.

ووصفت مراكز مكافحة الأمراض أسيتات فيتامين "هـ" بأنها "مادة كيميائية تبعث على القلق"، وأوصت بعدم إضافتها إلى السجائر الإلكترونية أو منتجات التدخين الإلكتروني، بينما لا تزال التحقيقات مستمرة.

الربو
على صعيد متصل، قال باحثون إن استخدام السجائر الإلكترونية يزيد بقوة خطر إصابة الرئة بأمراض مزمنة مثل الربو أو التضخم.

والدراسة المنشورة في الدورية الأميركية للطب الوقائي من بين الدراسات الأولى التي توضح الأضرار الطويلة المدى المحتملة لاستخدام السجائر الإلكترونية والتي يتم الترويج لها عادة على أنها بديل أكثر أمنا من التبغ ووسيلة للمساعدة في الإقلاع عن التدخين.

وخلصت الدراسة إلى أن السجائر الإلكترونية تزيد من خطر أمراض الرئة بنسبة الثلث بالمقارنة بأولئك الذين لم يدخنوا أو يستخدموا قط السجائر الإلكترونية. وكان الخطر أكبر بين البالغين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية والتبغ كليهما.

وقال كبير الباحثين ستانتون جلانتز مدير مركز أبحاث مكافحة التبغ والتعليم بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو في مقابلة أجريت معه بالهاتف "يجري الترويج للسجائر الإلكترونية على أنها غير مضرة ولكنها ليست كذلك".

واستخدم جلانتز وزملاؤه بيانات 32 ألف بالغ شملهم بحث التقييم السكاني للتبغ والصحة الذي أجرته المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، والذي يتتبع عادات استخدام السجائر الإلكترونية والتبغ، بالإضافة إلى تشخيص أمراض الرئة في الفترة ما بين 2013 و2016. 

زيادة خطر المرض
وفي بداية الدراسة لم يكن أحد يعاني من أمراض في الرئة. وبعد مرور ثلاث سنوات وجد الباحثون أن من استخدموا السجائر الإلكترونية زاد خطر إصابتهم بأمراض مثل الربو أو التهاب الشعب الهوائية أو تضخم الرئة أو الانسداد الرئوي المزمن بنسبة 30% بالمقارنة مع من لم يدخنوا التبغ ولم يستخدموا قط السجائر الإلكترونية.

أما الذين كانوا يدخنون التبغ فقد زاد خطر إصابتهم بمرض مزمن في الرئة مرتين تقريبا مقارنة بمن لم يدخنوا قط. ووجدت الدراسة أن الخطر كان أكبر ثلاث مرات بين من استخدموا التبغ والسجائر الإلكترونية معا.

وقال جلانتز "كان الجميع، بمن فيهم أنا، يعتقدون أن السجائر الإلكترونية مثلها مثل سجائر التبغ لكنها ليست بنفس القدر من السوء، وأنك إذا استعضت عن بعض السجائر المعتادة بسجائر إلكترونية لربما كان الأمر أفضل.. لكن تبين أن الأمر أسوأ.. السجائر الإلكترونية تشكل مخاطر فريدة فيما يتعلق بأمراض الرئة".

كل المعطيات السابقة تشير إلى أنه وإن صدق أنصار السجائر الإلكترونية في بعض المزاعم من مثل أنها أقل من حيث المحتوى في بعض السموم، إلا أن هذه السجائر تحتوي على سموم أخرى وهي مضرة وقاتلة، ولذلك فإن أنصارها كذبوا حين قالوا إنها آمنة وغير مضرة بالصحة.

المصدر : دويتشه فيله + رويترز + مواقع إلكترونية